المزايدات العقلانية في الإسلاموفوبيا..هل من مصلحة البورصات السياسية والمالية ان يتوقف الخوف من الارهاب؟
غسان المفلح
لم تعد قضية الإسلام فوبيا في بعض الدول الأوروبية قضية عابرة، بل أصبحت الآن عنصرا أساسيا في المشهد الانتخابي الأوروبي، لا نريد العودة للمشهد الفرنسي الذي كشفت المظاهرات الأخيرة، عمق أزمته، حيث بات من المعروف للجميع أن الدولة الفرنسية من أكثر الدولة مديونية على الصعيد الداخلي في أوروبا، وشدة الأزمة الاقتصادية كانت قاسية عليها، ولم تنفع حمية ساركوزي في إشغال الرأي العام الفرنسي بقضية الهوية الوطنية الفرنسية، التي سرعان ما ابتعلتها نوايا اليمين التقليدي، هذه النوايا التي أرادت ولازالت تريد الخروج من الأزمة، من دون التعرض لنسب الفائدة ومن دون تشريع ضريبي جديد، يحلها على حساب الأغنياء، بل يريد حلها على حساب الفقراء وذوي الدخل المحدود والمتوسط.
فرنسا الآن فيها معركة ذات بعد طبقي طاغ، سينجح ‘الأمير’ ساركوزي، كما أسمته زعيمة الحزب الاشتراكي الفرنسي، أم لا هذا متوقف على مجموعة من العوامل، لسنا بصدد التعرض لها الآن، ولكن ما يهمنا أن قضايا الاندماج والبرقع والحجاب والهوية الفرنسية تراجعت عن مقدمة المشهد الفرنسي الإعلامي والسياسي، ليس لأنها لم تعد مثمرة، بل لأن الناس والفقراء وذوي الدخل المحدود أصبحوا في الشارع. والدليل أنها خرجت من الجارة الألمانية عبر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي أكدت أن الحديث عن الاندماج والتعدد الثقافي غير ممكن، وقد فشل الكثير من سياساته بسبب الأجانب هؤلاء، رغم أن أرقام دوائر الهجرة والاندماج تقول غير ما صرحت به أنجيلا ميركل، وما ذهب إليه هورست زيهوفر رئيس حكومة ولاية بافاريا في تأكيد تصريحات ميركل.
ففي العام الماضي هاجر من المانيا 738 الف شخص متجهين صوب اقطار العالم المختلفة، ووفق تقارير دوائر الهجرة الالمانية فإن هذا العدد يزيد بمئة الف حالة عن العام الذي سبقه، ويصنف التقرير المواطنين المهاجرين من المانيا بأن 563 الفا منهم ينحدرون في الاساس من اصول اجنبية، وفقط 175 الفا من أصول المانية.
أما تقارير دوائر الهجرة في ولاية بافاريا فتذكر أنه في عام 2008 تزايد عدد الذين تركوا ولاية بافاريا مهاجرين الى الخارج بنسبة تفوق عدد المهاجرين إليها، وتقول احصائية صدرت هذا العام بأن عام 2009، ظلت قائمة المهاجرين تشغلها عشر دول أوروبية، احتلت تركيا فيها المرتبة الثامنة، وهو ما ينفي مزاعم زيهوفر عن هجرة العرب والمسلمين الى بافاريا.
كما جاء ترتيب الجنسيات المهاجرة الى بافاريا كالآتي: بولندا، رومانيا، المجر، النمسا، الولايات المتحدة الامريكية، ايطاليا، بلغاريا، تركيا ثم سلوفاكيا وروسيا، ولم يكن هناك ذكر لدولة عربية واحدة. ويقول مسؤول في مكتب الهجرة ان الوضع هكذا منذ 5 سنوات، ولم تسجل فيها دولة عربية واحدة على قوائم المهاجرين إلى ولاية بافاريا. جدير بالذكر أن الهجرة التركية هي الأخرى تقلصت كثيرا إلى المانيا، ففي العام الماضي 2009 زادت الفجوة بين القادمين الجدد والراحلين بعدد فاق الـ2216 رحلوا من المانيا عائدين الى تركيا. وجدير بالذكر أيضا أن هورست زيهوفر رئيس حكومة ولاية بافاريا وانجيلا ميركل حددا بشكل دقيق من هو المسؤول عن موت التعددية الثقافية في البلاد، ويقصدان العرب والمسلمين عموما، إلا أن الأرقام مرة أخرى تؤكد عدم صحة هذه الزعم، ففي سنة 2009 سجلت دوائر الهجرة عدد العراقيين المهاجرين إلى المانيا بأكثر من 2362 مهاجرا أغلبهم من المسيحيين الذين رحبت المانيا بهجرتهم.. وفي الوقت ذاته عاد الى العراق 927 شخصا. وتلي العراق مصر التي وفد منها الى الولاية 407 أفراد ورحل منها 328 ثم المغرب الذي جاء منه 275 مقابل عودة 210، أما تونس فقد سجلت نسبة الوافدين الجدد241 في مقابل 268 عادوا الى الوطن، أما الجزائر فقد سجلت نسبة 114 في مقابل 99 عادوا الى موطنهم. وتكشف هذه الارقام مدى الظلم الذي يقع على العرب بشأن اتهامهم بأنهم يشكلون صعوبة في الاندماج وأنهم لا يحسنون تعلم اللغة الالمانية، والأمر في حقيقته لا يبدو كذلك، فالمانيا تجبر الاجانب المهاجرين الذين يتزوجون من مواطنين أو مواطنات على تعلم اللغة الالمانية والحصول على شهادة معتمدة من معهد غوتة حتى يحصلوا على فيزا دخول للاراضي الالمانية، من تحقيق أجراه صلاح سلمان لجريدة إيلاف الألكترونية.
هذه الأرقام لا تعني أيضا أنه ليست هنالك مشكلة اندماج أو مشكلة تتعلق بالتعددية الثقافية، ولكن كيف يتم توظيفها وكيف هي الأمور وواقع الحال هنا، ما نريد أن نلقي الضوء عليه قليلا..
أية قضية كبرت أم صغرت عندما تدخل المشهد الانتخابي التنافسي، تصبح ككرة الثلج تأخذ أبعادها في أحيان كثيرة بعيدا عن حقيقة هذه القضية، كيف انبثقت الإسلاموفوبيا، هذا لم يعد مهما الآن بقدر أهمية ربحية هذه القضية رمزيا بالمعنى السياسي للتيارات السياسية في دول أوروبا، وماديا لأساطين الإعلام وباحثي مراكز البحوث التابعة لتلك المؤسسات الإعلامية، بوصفها في النهاية مؤسسات تجارية، ومراكز البحوث التابعة للمؤسسات السياسية المشاركة في اللوحة الانتخابية، البعد الرمزي وهو الناتج الاستثماري لهذه القضية وعائده على التيارات السياسية، أصبحت الآن هنالك مؤسسات قائمة بذاتها، معنية فقط بتهيئة صورة المرشحين للانتخابات، ماذا سيحيط بها؟ ماذا ستقول في بيانها الانتخابي؟ ماذا سيكون شعارها الأساسي وشعاراتها الفرعية؟ وهذه المؤسسات لا تعمل مجانا لأي طرف سياسي أو لأي شخص مهما كان، وإنما هي استثمارات رأسمالية غايتها الربح والربح والاستمرارية في هذا الحقل الاستثماري فقط، نجحت ميركل أم خسر ساركوزي، هذا لا يهمها سياسيا أو اجتماعيا أبدا في المؤدى الأخير، واهتمامها به فقط من زاوية أن نجاح زبائنها يتيح لها البقاء في المنافسة مع مؤسسات أخرى، أي البقاء في السوق. وهذه المؤسسات هي الأخطر الآن رغم انها خارج دائرة الضوء البحثي والتقصي، لأنها هي التي باتت تصيغ عناوين الحملات الانتخابية وشعاراتها، وكيفية استخدام الرموز والوقائع، كما بات لديها أساطين من الباحثين والمختصين بشؤونها، وبشؤون الميديا المرافقة لها. الإسلاموفوبيا الآن استثمار لازال ناجحا من وجهة نظر هذه المؤسسات، لذلك تعمل ليل نهار على تفعيلها، وهذا التفعيل يحتاج إلى وقائع ومواد مستمرة الانتاج، لذلك تجدها تقيم المؤتمرات وتتابع تفاصيل حياة المهاجرين من أصول اسلامية، ولا تترك حادثة صغرت أم كبرت إلا وتتناولها من زاوية عملها وليس من زاوية مصلحة المجتمع أو المهاجر، أما باحثوها وعلماء اجتماعها، فهم يتبعون ما يمكن أن يزيد من دخلهم المادي، وما يجعلهم يحتلون مقدمة الشاشة التلفزيونية، لأن احتلالهم لمقدمة الشاشة يجلب لهم مزيدا من الدخل ومزيدا من الأضواء. لهذا ليست الحملات المعادية للمهاجرين من أصول عربية وإسلامية، حملات لا تحمل طابعا مؤسساتيا، بالعكس تماما، فهي لكونها ربحية أو باتت ربحية، فهي عقلانية، وهذه العقلانية هي التي تفتح باب المزايدات في هذه القضية. على هذا الأساس نجد تصريحات المستشارة ميركل ومسؤولي حزبها، رغم أن الأرقام بعكس هذه التصريحات. يتحدثون مثلا عن أحياء يقطنها هؤلاء المهاجرون وتتسم بطابعهم الرمزي، وأن هذه القضية مقتصرة على العرب والمسلمين، بينما تجدها معممة على الجميع من المهاجرين، حتى الجاليات البولونية والروسية والبرتغالية مثلا، والجاليات الأفريقية من أصول مسيحية تعيش نفس الوضع ومع ذلك لا يجري الحديث عنها، في أمريكا نفسها، لازالت هنالك احياء خاصة بالمهاجرين من أصول أوروبية أو صينية أو يابانية أو فيتنامية، وكذلك الحال في باريس ومع ذلك لا يجري الحديث عنها، يجري الحديث عن المطاعم العربية أو التركية وروادها ولا يجري الحديث عن مطاعم السوشي الياباني والأكل الصيني وروادها على سبيل المثال…
الإسلامفوبيا الآن قطاع استثماري بكل معنى الكلمة، ولا علاقة له بقيمة السلعة الحقيقــية بل أصبحـــت أسهم في البورصة السياسية والمالية. والمهاجر يدفع الثمن. فهل من مصلحة هذه البورصات أن يتوقف الخوف من الإرهاب؟ او من مصلحتها انتاج سياسات وثقافات ومؤسسات تعنى بوقف هذه الإسلامفوبيا؟ أشك بذلك!
‘ كاتب سوري
القدس العربي