ضرورة القانون المدني وظاهرة الدعارة في سورية.
غسان المفلح
القانون المدني : مجموعة القواعد القانونية التي تنظم علاقات الأفراد الأساسية (اسم، عنوان، أهلية، جنسية) والمدنية (إلتزامات، عقود، مسؤولية مدنية) هذا القانون يتضمن أيضا الحقوق العائلية للفرد من زواج وطلاق ونسب وتبني ونظام الزوجية المالي، ويتبع هذا القانون حقوق فرعية كثيرة منها : الحقوق العائلية، قانون الجنسية، قانون حماية الملكية الأدبية والفنية، قانون التأمين، قانون الاستهلاك وحماية المستهلك..الخ” الموسوعة”.
في الدول العربية هذا القانون المدني يقع ضمن اختصاص ما يسمى بقانون الأحوال الشخصية المستمد من الشرائع الدينية، ما عدا تونس وبعض الدول التي تجمع بين القانونين في بعض المجالات. هل يمكن لنظام سياسي شمولي أو استبدادي أو شخصاني معتق كحالة مزمنة أو محدث أن يسن قانونا مدنيا؟ من الزاوية النظرية نعم، يمكن لأي نظام سياسي عربي أن يسن مثل هذا القانون المدني، ولنا في التجربة التونسية وبعضا من المصرية مثالا. إذا كان نظريا نعم، فإن الواقع العملي يختلف من دولة عربية لأخرى، واقع سلطتها ومجتمعها.
في سورية موضوع مقالنا هذا، نعتقد أن النظام السياسي قادر على سن قانون مدني معاصر، وهذا لن يؤثر على درجة سيطرته الواضحة على البلد والمجتمع ولا على نوعيتها وشدة حضورها، وهذه مدعاة لأن تكون حافزا، ربما هو لا يرى ذلك، وليس في برنامجه كما قلنا في أكثر من مقال وآخرها كان عن جرائم الشرف، ليس في برنامجه مشروعا مدنيا لسورية. أو أنه لا يريد ازعاج انصاره من الدين المتاح، ولدى كل الطوائف والأديان السورية. هذا إذا سلمنا أن هنالك نوايا طيبة لدى النخب الحاكمة في تقدم سورية على الأقل في هذا الصعيد المدني. ومع ذلك نجد أنه لابد من الاستمرار في مطالبة النظام بسن قانون مدني، وهذا من اختصاصه وفق الدستور السوري! خاصة أن هذا الدستور في النهاية يعطي الحق التشريعي لطرف وحيد هو السيد رئيس الجمهورية.
رغم ما يقال عن مظاهر المد الديني ومظاهر الانغلاقات الطائفية المتزايدة، وتمسك النظام بصيغته القديمة المتجددة” الوحدة الوطنية” كما يراها، فإن سن قانون مدني إلى جانب قانون الأحوال الشخصية المعمول به لدى كل الطوائف والأديان، أي يصبح لدينا قانونا مدنيا يشمل جميع أبناء الوطن لمن يريد التعاطي وفقه، وتبقى قوانين الأحوال الشخصية المستمدة من الأديان والتعاليم الطائفية، لمن يريد الاستمرار بالتعامل القانوني وفقها، وكمثال على ذلك” قيام مؤسسة عقود للزواج المدني لدى القضاء السوري، لا يمنع استمرار مؤسسات الزواج على أساس ديني، أو الحق في الجمع بينهما كما يحدث غالبا في دول الغرب” لهذا المطالبة بقانون مدني لا أثر الغائي له للقوانين الأخرى.
وهذا من شأنه أن يفسح المجال لأبناء سورية، من أن يحتكوا ويتعاملوا وفق الروح المدنية لهذا القانون، ويصبح من حق مسلمة أن تتزوج مسيحي دون أن يغير أحد منهما دينه، والدولة تتكفل بحماية هذه المؤسسة الزواجية الجديدة. أو يصبح من حق المواطن أن يغير دينه دون أن يتعرض لحد المرتد. وترك حساب هذا المرتد لله. فلا الإسلام بحاجة لفرد مجبور أن يبقى مسلما لخوفه من القتل، ولا المسيحية أيضا بحاجة لمواطن لا يريد أن يبقى مسيحيا. وكذلك الأمر بالنسبة للطوائف الأخرى داخل الإسلام أو داخل المسيحية. من فضائل القانون المدني على هذا المستوى أنه يتيح للفرد أن يتعامل مع مسألة ارتباطه بشريك في الزواج دون أن يسأل ما هو دينه أو طائفته. وهذه قضية سيكون لها مفعول تربوي على الأجيال الجديدة.
كذلك الحال يحول المواطن والمواطنة إلى متساوين أمام هذا القانون، ويحق للمرأة مثلا أن تعطي أبناءها الجنسية السورية إذا كان زوجها غير سوري. وهو يخلق أيضا الأرضية الاجتماعية للمساواة بين الجنسين، ومع ذلك يترك الخيار لكل فرد في التعامل إما على أساس مدني أو على أساس ديني كما قلنا. ربما هذا الأمر يبدو إشكاليا من الوجهة القانونية، العمل وفق قانونين في بلد واحد، لماذا لا تكون محاولة حقيقية لأن
القانون المدني في سورية أمر ملح جدا، لأن المجتمع السوري مجتمعا فسيفسائيا أصلا، ولا نريد الحديث عما تم من ممارسات سياسية أدت إلى تطييف هذه الفسيفساء السورية أو تديينها أو قومنتها. المطلوب الآن أن ينفتح المواطن السوري على عوالم قانونية من شأنها أن تعزز سوريته أولا. نلاحظ مثلا في المغرب، رغم الانفتاح السياسي الذي تم وعملية الدمقرطة الجارية وتفتح المجتمع المدني المغربي، إلا أن قضية القانون المدني لم تشكل أولوية بالنسبة للمدافعين عن الحقوق المدنية، لأن المجتمع المغربي لايوجد فيه أقليات وطوائف كالمجتمع السوري أو اللبناني.
في سورية أيضا تقوم حملة سنوية منذ فترة قليلة ضد جرائم الشرف، من شأن القانون المدني أن يحمي ضحايا هذه الجرائم.
حتى قضية التوريث، فيصبح هنالك قانونا يورث المرأة كما الرجل، لمن يريد اتباع القانون المدني في عملية التوريث.
القانون المدني لا تحتاج فيه المرأة إلى محرم لأي سبب كان.
ولا أظن أن المشرع السوري عاجز عن إيجاد الصيغ القانونية التي تحدد التعامل مع أي خيار، أو الجمع بينهما في بعض الحالات..بين القانون المدني وبين قانون الأحوال الشخصية.
والأهم من كل هذا وذاك، هو الشعور المدني الذي سيعممه وجود مثل هذا القانون، وهذا الشعور من الركائز المهمة في تنمية مفهوم المواطنة لدى الفرد السوري. لأنه بدون قانون مدني في سورية لا يمكن إنتاج مواطن سوري.
***
هنالك ظواهر أخرى بحاجة إلى قوننة ومتابعة جدية، حيث يكثر الحديث في سورية منذ مدة ليست قليلة على ظاهرة الدعارة وانتشارها بطريقة ملفتة للانتباه، لدرجة أن عدة مسلسلات درامية سورية هذا العام خاصة تطرقت لهذه الظاهرة بأكثر من طريقة وأكثر من شكل، واجمعت هذه المسلسلات عن أسبابها سواء عند السوريات أو عند الفتيات وعند الوافدات إلى سورية من جنسيات أخرى عربية وغير عربية هي أسباب اقتصادية بالدرجة الأولى. وهذه الظاهرة إن لم تعالج فهي الأخطر بما هي امتهانا للمرأة وسلعية قصوى ومفرطة لجسدها وروحها، فهي الآن على وضع المرأة والمجتمع، حيث تعتبر طريقة سهلة للكسب المادي أولا، وبابا للشهرة لدخول عوالم رجال المال والأعمال والسلطة لأنهم الوحيدون بالبلد من يملكون الجاه والمال، وأصبحت الدعارة كما تقول كل وسائل الإعلام المعارض منها والمحسوب على السلطة السياسية، والمستقل أيضا، مشروعا استثماريا مربحا لعديمي الذمة والضمير، ممن يملكون مالا أو نفوذا.
من زاوية القوانين الوضعية المعاصرة، والمتناسبة مع اقتصاديات السوق المنفلت، والوضع المعيشي الذي يزداد تدهورا للشرائح الفقيرة في المجتمع وغياب الطبقات الوسطى، لا يمكن منع هذه الظاهرة! ولكن يمكن قوننتها، لأنها ظاهرة عالمية لا يوجد بلد في هذا العالم لا توجد فيه هذه الظاهرة، حتى المجتمعات الأغنى ولكنها في هذه المجتمعات مقوننة، وتلاحق على المستوى الصحي خوفا من انتشار الأمراض التناسلية أو غيرها. القوانين المدنية هي التي تعالج هذه القضية المرافقة لمجتمعات الأعمال المنفلتة من أي قانون، كما هو الحال في سورية وغيرها من البلدان العربية، كان يمكن المطالبة بمنعها نهائيا، ولكن هذا من شأنه على أرض الواقع أن يجعل المرأة أكثر عرضة للابتزاز، بحجة أن القانون يمنعها، وتصبح مادة للرشاوي من جديد. لأن القوانين عندنا تستخدم بما تتيحه من ابتزاز من يخترقها، لا من أجل تطبيقها.