هل ينقذنا الإسلام من مسلميه؟
سعيد لحدو
كان لصرخة تلك المرأة (وامعتصماه) أثرٌ بالغٌ في تاريخ الإسلام وصراعه مع محيطه، حيث مازال يتردد صداها إلى يومنا هذا رغم مرور قرابة إثني عشر قرناً على تلك الحادثة الشهيرة. وبغض النظر فيما لو أن هذه الحادثة قد وقعت فعلاً أم إنها مجرد حكاية ألفها الرواة للتدليل على أهمية الاستغاثة في التراث الإسلامي، وبخاصة إذا جاءت تلك الاستغاثة من امرأة، فإن هذا يدفعنا اليوم للصراخ والمناشدة (واإسلاماه) باسم مئات الألوف بل الملايين من النساء والأطفال المسيحيين وغير المسيحيين في العراق وفي كل مكان لتخليصنا من هذا الداء الخبيث الذي انتشر بصورة وبائية حاملاً اسم الإسلام رافعاً راية جهاده ومتخذاً من تعاليمه منطلقاً لذبح أطفال بعمر الورود على مذابح يقدس فيها اسم الله ليل نهار.
صرخة (واإسلاماه) هذه يجب أن تصل إلى مسامع كل مسلم محب وغيور على دينه وقيمه الإنسانية، ويحرص على أن تبرز صورة (الإسلام دين المحبة والتسامح والعدل والإخاء) التي نسمعها من أفواه الخطباء والمشايخ على مدار الساعة وبمناسبة وبغير مناسبة، للعمل وفق هذه المقولة ذاتها ووضع حد لأولئك الذين يشرعون لأنفسهم ولغيرهم باسم الإسلام جرائم التفجير والتفخيخ الأعمى وقتل المدنيين العزل أياً كان دينهم أو عقيدتهم أو توجهاتهم السياسية وغير السياسية. وليست جريمة كنيسة سيدة النجاة المروعة وما تلاها في بغداد إلا مثل واحد على مئات وآلاف الجرائم الأخرى التي ارتكبتها تلك الزمرة بهيئتها الآدمية وأفعالها المتوحشة ضد أصحاب المذاهب والأديان والعقائد المخالفة. وليس من الغريب أن يكون العدد الأكبر من ضحاياها، هم من أنصار الدين ذاته الذي مازالت رايته بأيديهم مرفوعة للجهاد ضد الكفر والإلحاد. وسواء كان شعار الجهاد المرفوع هذا وبهذه الصورة المجردة من كل حس إنساني والقائمة على طقوس الدم والكراهية والعنف الأعمى. سواء كان هذا الجهاد في سبيل الله أو في سبيل الشيطان. وسواء كان تديناً أم سياسة أم إجراماً محضاً أو تعطشاً مرضياً لمشاهد قطع الرؤوس وسفك الدماء، فقد آن له أن يتوقف. وعلى المسلمين أنفسهم، ممن يعتقدون جازمين بسماحة الإسلام ونبالة قيمه، أن يجاهدوا بكل مافي وسعهم لأن يوقفوا هذا (الجهاد) المتوحش المصبوغ بدماء مئات آلاف الأبرياء حتى الآن. إنها ليست مهمة أمريكا ولا أوروبا ولا بلاد الواق واق. إنها مهمة المسلمين أنفسهم الذين يهمهم أن يُنظَر إلى الإسلام كدين مثل أي دين آخر، يحرص على المحبة والسلام والتآخي بين الناس على اختلاف مشاربهم. ولا ينقصهم هنا النهل من الآيات الكثيرة التي تدفع بهذا الاتجاه عوضاً عن آيات القتل وقطع الأطراف التي يستخدمها أولئك المتطرفون إلى حد التوحش في السياقات التي يريدونها وتتوافق مع ميولهم الدموية. هؤلاء هم الذين أخذوا الإسلام رهينة اليوم بأخذهم المصلين في كنيسة سيدة النجاة أوغيرها من بيوت العبادة المختلفة، رهائن للمقايضة بأرواحهم. وبصمت المسلمين المشين أو بردود فعلهم الخافتة مقارنة مع الهيجان الهستييري الذي يبدونه لمجرد نشر صورة كرتونية لا تقدم ولا تؤخر، يشجعون بصمتهم هذا المتطرفين والغوغاء على الغلو في تطرفهم وغوغائهم والمضي بعيداً في إبراز صورة قطع الرؤوس وتفخيخ الأجساد زتفجير الأسواق الشعبية والحافلات المدنية على أن هذه هي الصورة الحقيقية عن إسلام لم يتنطح أحد من بين مليار مسلم بموقف جدي وفاعل لرفضه وتقديم الصورة البديلة حتى كادت هذه الصورة تشمل كل مسلم على وجه البسيطة.
بالطبع، ليس كل مسلم إرهابي دموي أو حتى مشروع إرهابي دموي. ولكن أين هو المسلم المعتدل المؤمن بالتسامح والتعايش والمحبة والسلام؟ لماذا لا يتخذ موقفاً حاسماً في ضوضاء العنف الأعمى هذا؟ ولماذا يترك الساحة مستباحة لكل مغامر هاوٍ أو مجاهد منتشٍ متوهماً بإمارته الإسلامية التي شيدها على الجماجم والدم الإنساني البريء ولا نرى لها وجوداً إلا في بيانات الإنترنت وفي فرقعة السيارات المفخخة؟ ومن الذي سيفصل بين إسلام المسلم وإسلام الإرهابي حين يخلد مليار مسلم إلى السكون والصمت بكل مؤسساتهم الدينية والسياسية والاجتماعية وغيرها، وكأن الأمر لايعنيهم، مكتفين ببعض بيانات الشجب اللفظي على مبدأ (اللهم اشهد فقد بلغت).
هناك إسلام واحد بنوعين من المسلمين. أحدهما متطرف وعنيف وخطر ونشط وفاعل على الأرض مهدداً الجميع بما فيهم النوع الثاني باعتبارهم أعداء في دار الحرب أو مهادنين أو متعانين مع الأعداء. ولهذا فهم أهداف دائمة لـ (جهاد) هذا النوع لرفع راية الإسلام بالطريقة والصورة التي يرون. أما النوع الثاني من المسلمين، بغض النظر عن نسبتهم، فقد خلدوا إلى السكينة والسلبية، ومازالوا محجمين عن اتخاذ أي موقف فاعل وذي تأثير على أرض الواقع، تاركين لبعض الحكومات المستهدفة أمر مواجهة التطرف العنفي باعتبار خطره يستهدف الأنظمة وحدها دون الآ خرين. وفي الوقت ذاته تثور ثائرة تلك الملايين ويساقون إلى الشوارع في هيجان هستيري لأتفه الأسباب، مؤكدين بذلك على كونهم ظاهرة غريزية لا تمت إلى العقل والمنطق بصلة.
(واإسلاماه) صرخة نطلقها علها تصل إلى أسماع أولئك المسلمين الذين يرون الإسلام ديناً للسلام والتعايش والمحبة، آملاً أن يكونوا الأغلبية الساحقة، علهم يتحركون لتحرير إسلامهم من يد مغتصبيه. فطالما بقيت تلك الوحوش المتلبسة بأشكال بشرية حرة في ممارسة وحشيتها بالشكل الذي شهدناه في كنيسة سيدة النجاة وقبله في جوامع ومراكز شعبية مختلفة، سيظل الإسلام دين إرهاب وقتل في نظر العالم. ويظل العالم أجمع هدفاً شرعياً لمجاهديه ومشايخ فتاوى الدم. ويظل أولئك هم وإفعالهم الصورة المجسدة للإسلام وللمسلمين إلى أن يتم ذلك التحرير.
فهل ينقذنا الإسلام من مسلميه؟
خاص – صفحات سورية –