كُحّوليات … ريفيّة
دخلتْ بسرعةٍ و هي تجرُّ ابنها ذي السنوات الثمانِ من العمر من تحت أبطيه بصعوبة بالغة , ذلك لثقلَ وزنهَ و كبرَ حجمهِ مقارنةً بأترابهَ من الأطفال . بدا جليّاً على مُحياها علاماتَ الخوف و الهلع , فالطفلُ يترنحُ و يسقط كلما حاولتْ والدته إيقافهَ على رجليه . بمساعدة الممرض , وضَعَتهُ على سرير الفحص , و هي تلهث من ثقل حمولتها و صعوبة غايتها , ألا و هيَّ قطع مسافة لا تقّل عن ثلاثمائة متر حتى تصلُ إلىّ المركز الصحي , ناهيك عن رعبها الذي أفقدها معظم قوتها .. ثمّ جلست على أقرب مقعد منها حتى تلتقط أنفاسها و تعّدل من غطاء رأسها الذي كاد أن يقع منها لولا تشبثه بأحد كتفيها .
إتجهتُ إليهِ بسرعةٍ تاركاً الطفل الذي بين يديّ لأمه …
لا نّوبات .. لا إختلاجّات .. لا نزفٍ واضح … لا أثرَ لكدمةِ أو رضّ , لون البشرة – طبيعي فلا جروح وجدت و لا قروح و لا حروق , تنفسهُ مُنتظم و طبيعي , لا حرارة .. كأنه نائمٌ .. لا أكثر .
فقط إن حاولَ أحدٌ ما إيقاظه .. سيقوم بركله .. بعنفٍ .. مصحوباً بسيلٍ جارفٍ من السَبابِ و كيلاً من الشتائم , ناهيكَ عن التلفظ بكلمات نابية بذيئة بلا وعيّ .. و محاولة نزع بنطاله و ( توابعه ) … كنوع من الإحتجاج عند الإلحاحَ عليه بالإستيقاظ ؟؟؟!!
ماذا حدثَ يا أم سلام … ماذا حدثَ لإبنك ( سلام ) .
لا أعرف يا طبيب … كنتُ أشاهدُ ( لميس ) و عندما ذهبت إلى الغرفة المجاورة لأطمئن على رضيعتي – النائمة هناك . وجدت ( سلام ) يترنح في الغرفة و يهذي بكلام غير مفهوم .. ثمّ سقط على الأرض . كانت بجواره زجاجة الكحول ( الطبّي ) … فارغة .. لقد شربها كلها ابن الـ …. !!!!! .
بعد الإستفسار عن كمية الكُحّول الطبّي – التي ( كَرعّها ) سلام أفندي .. كانت حوالي ربع الليتر أو تزيد قليلاً .. حسب ما أشارت أم سلام …
أما منذ متى شربَ ( سلام ) – الكحول .. فتقول أمه … ربما قبل أن تبدأ ( لميس ) بالبكاء على كتف ( مهند ) بقليل ؟؟؟
أنا الحقيقة أسمع بـ لميس و لكنني لم أتشرف بعد بالتعرف عليها …. مختصره مّر على الحادثة حوالي ساعتين … حسب توقيت .. مهند .
قلت : لا تخافي يا لميس … عفواً يا أم سلام … أبنكِ .. هو نائم الآن … ربما سيحتاج لعدة ساعات حتى يفيق … لا تقلقي عليه أتركيه يُكمل نومه – الهانئ , و عندما يستيقظ .. أعديّ له بعض الأشربة الدافئة كالنعاع أو الزهورات …. أو شاي ثقيل بعض الشيء .. مع قليل من السكر …
و إن إشتكى من صداع .. فلابأس أن تعطيه حبة [ اسبرين ] الخاصة بالأطفال أو شراب مسكن للألم مما هو متوفر عندكم في المنزل .
قبل أن أشرح لها ما حدث و كيف أخطأت بوضع الكُحّول و بقية السوائل الخطرة في متناول أيدي أولادها … سبقتني قائلةً :
إن شاء الله سليمة طبيب …
الحمد لله … لا داعّي للقلق .. ما حصل قد حصل ..
حسناً : ماذا أفعل إن تكررت الحادثة يا طبيب ؟
قلت :
أولاً – عليكِ في المرات القادمة أن تشتري كحولاً طبياً ( مّركزاً ) و ليس مّمداً كالذي نستخدمه لتطهير الجروح .
ثانياً – لا تتركي عبوة الكحول .. وحيدة ً .. ضعيّ لإبنكِ بجوارها … بعض الموالح و المُكسرات الفاخرة … و بقية المُقبلات و ( المزاوات ) مثل التي قد شاهدتيها أثناء دعوة مهند لـ لميس على وجبة العشاء أو الغداء , أو مّما قد شاهدتيه سابقاً في المسلسلات و الأفلام العربية و الأجنبية …. فما أكثر تلك المُشاهدات – الحميمية و الدافئة المرفقة بالمقبلات و القُبلات .
ثالثاً – بهمتكِ العالية و تفانيكِ في رعاية أولادك , و همةَ بعلك أبا أولادكِ … و من وراء إنشغالكِ بـ لميس و مهند , لن تمّر هذه السنة إلاّ و ولدكِ – أكبر كُحّولي في المنطقة ؟! …. و خلال سنتين أو حتى إنتهاء هذا المسلسل و ما يعقبه من مسلسلات مُطولة .. تلهيكَ عنه .. سيكون سلام ( زبون ) أصيل لأحد المرابع الليلية و ما أكثرها عندنا … و بعد عمر طويل إن شاء الله .. سيكون له – كازينو خاص به …
مقاطعة إياي : الله كريم طبيب .. الله كريم . فليأخذ البكالوريا أولاً … و بعدين .. يدرس – كُحّولي ؟! و لو أنني لا أعرف ماذا تعني … إن شاء الله تكون أحسن من الهندسة ؟؟؟
الـ كُحّولي .. يا أم سلام … هو شخص – في منتصف السهرة : يضع مئة مهندس و ألف طبيب في جيبه الصغير .. أمّا في أخر السهرة …. فيضع مئة … توووووت ….. في جيب سترته الداخلي …. لا مجال للمقارنة .. بينهم …
وفقك الله يا طبيب .. المهم أن لا تخبر زوجي بما حصل … و إلاّ لن يحضّر ليّ [ سبيرتو ] مرة أخرى ؟؟؟! .
طلبت منها الجلوس , ثمّ شرحت لها بكلمات بسيطة ماذا حدث مع ابنها , و ماذا تعني كلمة كُحّولي … و كيف أنها هي السبب , لوضعها مواد قد تكون خطرة بمتناول أيدي إبنها .. عدا الرضيعّة – المرمية بغرفةٍ مُجاورة و هذا أشد خطورة من الحادثة الأولى , بينما هي تتابع سهرات و مُلاطفات مهند لحبيبته ؟! .
أحمّر وجهها كحبة شوندر ناضجة … وتلثمت بمندليها خجلاً فلم يبدوا من وجهها إلاّ عينيها .. فقامت من فورها , أخذةً إبنها من فوق سرير الفحص ….
لكن : ليس كما أحضرته – حَمـّلاً …. بل سَحّلاً من قدمييه … و ركلاً و صفعاً على رقبتهِ , .. تارةً بيدها العارية و تارة أخرى بالحذاء , و هيّ تردد كُحّولي يا ابن الـ … , هكذا تواترَ الأمرّ .. كل عشرة أمتار تقريباً …. دون توقف أو إستراحة .. و التي أعتقد بأنهم لن يصلوا منزلهم , إلاّ و رقبة هذا الولد السمراء قد أصبحت بمساحة مدرج مطار دمشق الدولي …. هكذا تابعتْ سيرها … حتى غابت عن أنظاري .
جاءني ( سلام ) في اليوم التالي فور خروجه من المدرسة مع صديقه , كنت أهمّ بالجلوس في سيارتي عائداً إلى المدينة .. و إذ به يطرق زجاج سيارتي الجانبي , مستئذناً الكلام … ترجلت و أدخلته إلى غرفة الفحص … دون صديقه الذي يرافقه .
في غرفة الفحص سئلته : خيراً أستاذ ( سلام ) مما تشكو ؟؟
قال : رقبتي تؤلمني بشدة .. و هي حمراء كما حبة البندورة الناضجة ؟؟
سلام لا يتذكر من حادثة البارحة شيء !!!
نظرت إلى رقبته … و أنا عارفٌ مسبقاً ما حدث لها … حيث كانت علامات حذاء والدته واضحة … و بمساعدة مكبرة مناسبة , يمكن تبيان حتى مقاس حذاءها موسوماً على رقبته …
قلت له : سلام أفندي – الأمر بسيط , على ما يبدو أنك شربت [ سائل غريب ] دون قصد فسبب لك هذا الألم … تابعتُ قائلاً : و كلما شربت شيء لا تعرفه و لا تسئل والدتك عنه … ستؤلمك رقبتك .. و ربما أكثر من هذا بكثير …
هذه المرة توقف الألم عند رقبتك .. لكننّي متأكدٌ تماماً , بأنه في المّراتِ القادمة سينتقل الألم – المجهول بالنسبة لك إلى مختلف أنحاء جسدك , خاصة المنطقة المحصورة بين رقبتك و مؤخرتك …. صدقنيّ ؟؟؟؟!!! .
ملاحظة : لستُ متأكدً من أنَ محتوى العُبّوة كان كُحّولاً طبياً , لكنه بالتأكيد كُحّول ؟!
http://walidsham.wordpress.com