صفحات سورية

تقارير ومقالات عن انعقاد المجلسِ الوطنيّ لإعلانِ دمشقَ في المهجر

null

يتم تحديث المقالات الواردة هنا دوربا، أضيفت ثلاثة مقالات جديدة 23.11.2010

أضيف مقال جديد بتاريخ 29.11.2010

مستقبل المعارضة السورية بعد انعقاد إعلان دمشق في المهجر
الدكتور فراس المصري

يعتبر انعقاد مؤتمر إعلان دمشق في المهجر مؤخراً محطة مهمة في مسيرة المعارضة السورية، هذه المعارضة التي لم تبدأ مع تشكيل هذا الإعلان في الداخل عام 2005 ولكن أهمية إعلان دمشق تكمن في أنه ناتج عن حراك مدني داخل سوريا والإلتقاء على مبادئ عامة للتغيير الديمقراطي السلمي تتفق عليها معظم التيارات والأطياف الوطنية.
ونتيجة للتضييق والملاحقة من قبل النظام لشخصيات الإعلان في الداخل، كان من الطبيعي أن يتداعى أنصار الإعلان في الخارج من تيارات وشخصيات للاجتماع في ظروف تتسم بالحرية واحترام الرأي الآخر والانفتاح على كافة أطياف الشعب السوري.
و بغض النظر عن مدى تمثيل الحاضرين في هذا الاجتماع لقوى المعارضة الفعلية على الأرض فقد تواجد في هذا الاجتماع ثلة مهمة ولا بأس بها من المعارضين وإن لوحظ غياب الإخوان المسلمون بسبب تعليقهم لأنشطة المعارضة حالياً.
وقد أكد البيان الختامي لأعمال المجلس الوطني لإعلان دمشق في الخارج على الثوابت والمبادئ الأساسية لإعلان دمشق والتي تتلخص في النضال السلمي المتدرج في سبيل إقامة نظام ديمقراطي برلماني ودستور حديث يكرس الحريات الأساسية ومبادئ المساواة والعدل والتداول على السلطة. كما دعى البيان إلى الشروع في حوار وطني شامل للاتفاق على آلية عملية للانتقال السلمي الديمقراطي للسلطة.
وعلى كل حال يمكننا اعتبار ما أنجزه إعلان دمشق في الخارج هو الحد الأدنى من العمل المعارض المطلوب في ضوء ظروف المعارضة والمعطيات الدولية والإقليمية، فلا يخفى أنه لم يعد يكفي أن تتمترس المعارضة بشكل خجول حول مبادئ مشروعة أصبحت من البديهيات في عالمنا المعاصر في مواجهة نظام شمولي مافيوي لا يأبه لأي قانون أو شرعة إنسانية. لابد لقيام معارضة فعالة من حشد وتوظيف جميع الطاقات والإمكانيات الممكنة والعمل على محاصرة النظام من كل الزوايا والنواحي الإعلامية والسياسية والاقتصادية وبشكل مستمر بغض النظر عن المتغيرات الدولية، ولنا في تجارب معارضات لأنظمة شمولية في دول أخرى عبرة.
وإن غياب جماعة الإخوان المسلمون وهي الفصيل الأكبر عن أداء دورها في المعارضة يفقدها كثيراً من زخمها وقوتها، وقد اعتمدت الجماعة سابقاً على تأييد دول جوار وتحالفات مع قوى معارضة واستطاعت تطوير رؤية سياسية عصرية لدولة مدنية ديمقراطية.
والمتوقع برأيي أن تعود جماعة الإخوان إلى مسار المعارضة الذي هو لا بديل عنه بسبب طبيعة النظام التي لا تستجيب إلا للضغوط المؤثرة في وجوده، وما مبادرة التيار الإسلامي المستقل للوساطة إلا المحاولة الأخيرة قبل عودة الإخوان إلى صفوف المعارضة في حال فشل المبادرة.
وتبقى مجالات تطوير استراتيجية وأداء المعارضة السورية سواءً كانت من خلال إعلان دمشق أو أطر أخرى ممكنة واقعياً ومفتوحة على آفاق المستقبل.
__________
الدكتور فراس المصري: ناشط سوري مقيم في السويد

موقع أخبار الشرق

نتائج إجتماع إعلان دمشق في المهجر تفجّر نقاشاً ساخناُ في صفوف المعارضة
أحمد سالم
المناع يطالب بكشف التمويل.. والحاج صالح: لست في موقع يسمح لك بهذا
أثارت نتائج الانتخابات الاخيرة لاعلان دمشق في المهجر ردود افعال متضاربة في مضمونها، متفقة في شكلها، على أن هناك خلاف عميق بين المشاركين في الانتخابات، وأن هوة واسعة تفصل رؤية (وعمل) المعارضين السورييين.

وقد تبدى ذلك واضحاً من خلال التعليقات الوفيرة التي حصلت عليها مقالة محمد حاج صالح “إعلانُ دمشقَ في المهجر خطوةٌ إلى الأمام ولكن!” ونشرها في الحوار المتمدن، وأعاد نشرها على صفحته الشخصية في الفيس بوك، وهو الامر الذي فعله ايضاً اصدقائه.. وقد تضاربت الاراء في الفيس بوك لكنها كانت في العموم رصينة، وفيها مخاطبة عقلانية، بحكم ان الاسماء مكشوفة، ولكن ما هو مفاجئ كانت الردود المتوترة التي نشرت رداً على المقالة في الحوار المتمدن، حيث انقسم المعلقين الى فريقين: فريق مع ما طرحه المقال، وفريق مناهض لما جاء فيه وله الغلبة، وفريق ثالث شامت بما آل اليه حال المعارضة.

واستخدمت في الردود كافة انواع الذخائر الكلامية بما فيها اتهام الكاتب باستمالة النظام. وتركزت مجمل الردود على الانتقادات التي سيقت في المقال بحق الدكتور عبدالرزاق عيد، الذي انتخب مؤخراً رئيسا للمجلس الوطني لاعلان دمشق في المهجر.. فانهال مؤيدوه بردود قاسية شكلاً ومضموناً، ولم ينس المعلقين تذكير الكاتب بأنه اصبح هو ونضال نعيسة في خانة واحدة.

و استخدمت اسماء وهمية كثيرة منها: علي الديك (مطرب شعبي)، زهير حمد (لواء في أمن الدولة)، سلمان الفارسي، مواطن سوري.

قسوة الردود دفعت الكاتب إلى رفع نبرة خطابه بعد الثلاثين تعليقاً، فقد رد على غسان المفلح  الذي كتب له: “..طالما أنك ترى المختلفين معك على هذه الدرجة من السوية الأخلاقية لما أتيت إلى المؤتمر؟ لا تقل لي التزام حزبي “، كاتباً “يا غسان -أنا أعرف البئر وغطاه!- فاعتدل عندما تتكلم أوْنسُ لنا ولك. ما أريده وسأسعى إليه بهدوء ولكن باستمرار وبقوة ودون كلل هو السعي إلى تنظيف المعارضة ممن يسئ إليها، ولستُ وحدي. ليس هذا بالكثير. أنا حرٌ فيما أقوله وما يمليه علي وجداني ومامن أحد… لا ابن امرأة ولا حزباً ولا ممولاً ولا تاجراً ولا…ولا… يستطيع أن يجبرني على قول إلا ما أقوله منسجماً مع نفسي. لسبب بسيط هو أنني لا أملك سوى قلمي وعملي. لست بحاجة لأحد ولن أكون بحاجة لأحد كما آمل وأريد. قناعتي راسخة في أن الاعلان في المهجر يلزمه نفضة. ولا أعتقد أن خسارة البعض من الضارين سيسئ للإعلان. الإعلان في المهجر أهم من أن يُترك لأولاء”.

وتكرر ذات الامر مع هيثم مناع الذي استنكر زج اسمه بشكل تعسفي وقسري في مشكلات المؤتمر مشددا انه لم يسمع بالمؤتمر الا بعد ايام من انتهائه فكتب: ” أنا لم أتهم منظمة الخارج بالعمل مع الموساد ولكنني طلبت شفافية في التمويل السياسي وأدنت أية مساعدات أمريكية لأن هذه المساعدات، حتى من منظمات غير حكومية أصبحت مشروطة منذ 11 سبتمبر” وأضاف: “كان من حق مناضل مثل رياض الترك أن يقول بهيثم مناع ما يشاء لأنه دفع ضريبة كل كلمة يقولها سلفا، فلا أسمح لمسعورين دخلوا بالأمس المعارضة على طبق تمويلي قياسي أن يتحدثوا عن مؤامرة للاستيلاء على جثة سياسية ”

فرد عليه محمد الحاج صالح: “ليس من الأخلاق أيضاً أن تستخدم هذه المناسبة لتثأر، ولا لأن تعيدنا إلى حروب دون كيشوتية سابقة. أي وبصريح العبارة لا تستغل هذا الوضع في الهجوم على رياض الترك أو الإعلان أو تركب اسم الأسود كي تقول أنك كنت على الطريق الصح. فهذه لعبة ليست من الطهرية التي تحب أن تشير إليها في الطالعة والنازلة بشيء. نحن نشتغل سياسة ونفهم كلانا ماذا يعني الآخر وماذا يقصد. يعني باختصار شديد اطلع منها. وبعدين ما هذه اللهجة في الأستذة؟ لماذا أعطيت نفسك الحق في أن ترفع عصا -قرّا- الكتاتيب؟ أنت لست في موقع يسمح لك بهذا”

ومن الاصداء على المقال والتعليقات المرافقة له، ما كتب في الفيس بوك فقد علق ياسين الحاج صالح على ذلك: (..يفاجئني ويصدمني دائما كم الكراهية المحمول على الكلام منين إجا كل هذا؟ وشو آخرتو غير الكارثة؟)

بينما اعتبر احمد الطيار ما جرى بأنه: (حرب أهلية انما بدون أسلحة بيضاء.. ربما مفيد أن نخرج كل العفن الموجود دواخلنا .. ربما هي نقطة تسجل للمقال ولكل المقالات المثيرة للجدل .. ليت كل الحروب الأهلية تخاض هكذا علّها تخرج كل القيح المتراكم منعا من الوصول الى الحرب الأهلية الحقيقية. لعلّ وعسى .. وكتب جهاد صالح:( أنها كرة نارية رماها في منتصف الطريق وكل واحد ينفث لهبه… لم يكن مقالا صالحا من حجي صالح .. كانت من ورائه رائحة صيد عكرة.. لكن عاد بخفي حنين) .

جدار

القمع المعمم في سوريا ضّيع مثقفا بحجم عبد الرزاق عيد
كامل عباس
ان تعاطي السياسة على كوكبنا حتى اللحظة التي نمر بها يشبه في بعض الوجوه تعاطي المخدرات , وأول أوجه الشبه هو الخدر اللذيذ الذي يشعر به المدمن في الجهتين ولهاثه وراء ذلك الخدر رغم كل تعاسة وضعه . مدمن المخدرات يبيع دمه من اجل ان يشتري بثمنه جرعة مكيفة , ومدمن السياسة سواء كان في الحكم ام في المعارضة تحرمه السياسة من الحياة العائلية والانسانية , ورغم ذلك نرى الحاكم الذي تجبره الظروف على ترك الكرسي يموت هما وكمدا وحسرة عليها . أما المعارض فلا يتورع عن العودة إلى السجن تاركا أطفاله وأسرته بحالة يرثى لها بحجة خدمة القضية . في حين يفترض أن تكون السياسة ضريبة زمنية يؤديها صاحبها على حساب حياته الخاصة من اجل تنظيم المجتمع .
يزيد في الطنبور نغما آثار السياسة السلبية على كافة الأصعدة في الدول الاستبدادية . ان سياسة الحكام المستبدين تضيع حتى صفوة المجتمع وكبار مثقفيه .
يحضرني هنا مثال تتناقله الألسن في سوريا هذه الأيام حول الدكتور عبد الرزاق عيد .
انا أعتذر مقدما ان كانت كتابتي ستجرح شعور الدكتور او تسبب له أي نوع من أنواع الضيق أو الحزن أو الألم وأتمنى أن يتقبلها من باب الرأي والرأي الآخر, وقد اضطرت للخوض فيها لما في ذلك من أهمية للمعارضة السورية في هذه اللحظة الحرجة .
أعتقد أن الخطاب السياسي للدكتور وقع في رد الفعل, والفعل الأساسي هو سلوك الأجهزة الأمنية مع شخص موهوب ولديه إمكانيات كبيرة ومتنوعة عملية ونظرية ويحمل شهادة دكتوراه في الأدب العربي ولكنه ممنوع من العمل في سوريا، حتى ولو كان العمل بائع حليب في حيّه . يمكن رصد رد الفعل عند الدكتور عيد في مقاله الأخير حول انعقاد المجلس الوطني في الخارج مثل قوله :
(حتى وصلوا بسوريا لاستقطاب ثنائي حاد : لتكون ثنائية : سلطة/ورعايا -وثنا وعبيدا – عصابة/ورهائن، فقوضوا كل المكتسبات المدنية: الحقوقية والسياسية والإدارية ….) أو قوله
(إنه عصارة سوريا المعنى المنتهك على مدى خمسة عقود ،المعنى الذي لم تفسده الفهاهة والرثاثة والرياء والنفاق والتدليس وروح العبودية ….) . والأمر تعدى رد الفعل الواضح في لغته السياسية , ليصل برأي بعضهم إلى العزف على الوتر الطائفي . انا أسال الأستاذ عيد عن هذه الفقرة وأتمنى أن يوضحها لي
((لن نتحدث عن تاريخ هذه الحرب فيما يسمى بفتنة الثمانينات التي تم استثمارها لخوض حرب إبادة ضد السياسة باسم الحرب ضد مجموعة عشرات منشقة عن الأخوان المسلمين فيما سمي بالطليعة المقاتلة، حيث تم تتويج سوريا منذ لحظتها بوصفها مملكة أمنية للصمت ولثقافة الخوف ))
هل حقا يعتقد الأستاذ عيد ان ماجرى فتنة او مؤامرة على البلد، وأنّ من كان وراء الوصول إلى ازدواجية سلطة داخل سوريا في الثمانينات ( على الأقل في محافظتين ) هم عشرات فقط من المنشقين عن الإخوان المسلمين ؟ ام ان ما جرى كان ارهابا لـ “جهاديين اسلاميين” سبق الارهاب الحالي التي تقوم به القاعدة .( بالطبع أنا لا ابحث هنا عن الأسباب التي دفعت الجهاديين في الجهتين لتبني الإرهاب بل أقرر واقعة حصلت على الأرض )
المشكلة في كتابات كتلك أنها تصب الزيت على النار داخل سوريا، ومن هنا خطورتها
ان سوريا يا دكتور عيد على مفترق طرق، لأن نظامها الديمقراطي الشعبي أصبح خارج التاريخ، وأحوال العالم والمنطقة تضغط باتجاه تفكيكه.
وهناك طريقان لا ثالث لهما :
– تفكيك من أعلى إلى أسفل، وبالتعاون مع كل الوطنيين الشرفاء داخل وخارج المؤسسات الحكومية القائمة حيث يتفقوا فيما بينهم على انتقال سلمي وتدريجي محسوب بدقة، تكون كل خطوة فيه ممهدة للخطوة القادمة لنصل بالنهاية إلى نظام وطني ديمقراطي، كما كنا في الخمسينات من القرن الماضي . نظام يقوي سوريا الوطنية بوجه عدوها الخارجي الشرس اسرائيل ويعيد لها مكانتها ودورها وتأثيرها في المنطقة ويساهم في تقوية الاقتصاد العالمي , ويجعل من تلك العقود التي حُكمت فيها سوريا الحديثة عن طريق الشرعية الثورية استثناء , وتعود سوريا، فتكمل طريق تطورها الطبيعي كما بدأته بعد الاستقلال، ودورها الوطني التقدمي في المنطقة .
ـ تفكيك على الطريقة العراقية سواء عبر ضربة استباقية من اسرائيل أو امريكا أو انفجار الوضع في الداخل نتيجة الأزمات المتعددة الذي يعيشها المواطن السوري , وهذا الطريق سيوصلنا إلى نظام محاصصة طائفية كما هو قائم في العراق ولبنان, وسيزيد من فوضى الشرق الأوسط ،وتصبح سوريا مستنقعا جديدا بعد العراق لتفريخ الإرهاب .
أي طريق يريدها الأستاذ عيد لسوريا ؟ . ان كان يريد الطريق الثانية فهو منسجم مع نفسه , اما ان كان يريد الطريق الأولى، طريق اعلان دمشق الذي يقول بانتقال هادئ وسلمي وتدريجي، فخطابه السياسي لايخدم ذلك . في هذه الحالة أمامه أمران ربما كان أحلاهما مر بالنسبة له :
ـ إما أن يترك رئاسة المجلس في الخارج، ويستمر في خطابه الذي يقول الحقيقة كل الحقيقة للجماهير، والتي لاتحسب حسابا للكلمة وفن قولها وأي جهة تخدم سياسيا , ولكنها ترضي وجدان المثقفين وعامة الشعب المكوية من قمع هذا النظام .
ـ او أن يغير من خطابه السياسي لينسجم مع خط سياسي يريد به القيمون عليه أن يأتي التغيير بالنهاية على قاعدة المواطنة لا على أساس المحاصصة الطائفية .
* اللاذقية

«طائفية» عبدالرزاق عيد وقضية شهود الزور
خلف علي الخلف

من يتابع إعلام لبنان سواء الممانع أو حتى غير الممانع ينسى قضية اغتيال الحريري ويعتقد أن القضية الأساسية هي «شهود الزور» وأن البلد ستخرب وتتدمر بسببهم.. ويتم التعمية على أن القضية الأساسية هي «الاغتيال» التي تحقق فيها محكمة انشأت خصيصاً لهذا الغرض..

أجد ذلك مدخلا مقبولا لمناقشة «طائفية »عبد الرزاق عيد؛ الذي بعد خروجه من سوريا «فتح لها عـ الآخر» فيما يخص كتاباته عن النظام السوري، وحلفائه الممانعين، واستخدم لغة لا تبق ولا تذر.. وذلك غير معتاد في الخطاب السوري المعارض، [إذا استثنينا الخطاب الإخواني]. وعاب عليه البعض أن ينزلق إلى خطاب صنفوه بـ «الشتائمي» بينما راج على نطاق واسع أن خطاب عيد هو خطاب «طائفي».. [هكذا!]

لست معجباً بخطاب عيد الأخير «شكلا» ولا أعتقد أنه يقدم إضافة تذكر سواء لعيد نفسه أو لأي خطاب نقدي تأسيسي أو حتى سياسي يتوخاه النشاط السياسي المعارض للسوريين. ويمكن لعيد أن يقدم خطاباً أكثر إفادة «لنا» وللجميع وهو قادر على ذلك. أما الخطاب التثويري التعبوي الشعبوي يستطيع أياً كان أن يكتبه..

أتابع مثل غيري عيد منذ كان شيوعياً «بكداشياً»، ثم انشقاقه عن «البكداشية» ليتحول إلى «إصلاحي» ثم انتهى به المطاف إلى صفوف المعارضة «الجذرية» التي تسعى لتغيير النظام العصي على الإصلاح.. في كل ذلك كان عيد واضحاً غير مدلسٍ وكانت نبرته دائما عالية..

وأذكر أنه في حوار أداره عيد في منتدى الكواكبي في حلب قبل احتلال أمريكا للعراق، وكنت مؤيداً مع اثنين آخرين لهذا الغزو إذا تم… فلا خلاص لهذه المنطقة من «الداخل»… عارض عيد ذلك بشدة، لكنه كان الوحيد من الحضور «المعارض» الذي لم يخوّنا!.. وكتب عيد فيما بعد مقالاً ذكر فيه أنه بسبب الانظمة التي لا تحول ولا تزول أصبح هناك شباباً [كنت شاباً في ذلك الحين] يؤيدون الغزو الاجنبي.. وبسبب تداعيات هذا المقال كتب عيد مقالا آخر ذكر فيه أن ناقل الكفر ليس بكافر.. لكن عيد نفسه اقترب في سنواته الأخيرة من «كفرنا».. إنه الوضوح حتى وهو «ينزلق» إلى اللغة المستخدمة في خطابه الآخير؛ التي اعتقدت أنها «فشة خلق» سرعان ما تنتهي لكنها طالت..

ورغم اعتراضي على خطاب عيد شكلا وحاجة وأهمية؛ فأن يتحول عيد إلى «طائفي» ذلك يحتاج إلى وقفة، فالقول بـ«طائفية» النظام لا تقل مشروعية عن القول بـ «عائلية» النظام.. والقولان يقفان على درجة واحدة من سلم مناقشة بنية النظام وجدران حمايته القريبة والبعيدة..

فإذا كان حافظ الاسد ونظامه استخدم كل شيء لتثبيت حكمه واستدامته من العسكر إلى المخابرات إلى البعث الى العشائر إلى الموظفين إلى جيوش المخبرين والكتبة والمرتزقة والنقابات… فما الذي يجعل «الطائفة» تستثنى من هذا الطوفان «الاستخدامي» لتشكل أحد جدران حماية النظام!؟

عيد لم يخترع «طائفية» النظام [غير المعني بطائفته وقائعاً؛ بل بحكمه] وعدم ذكر غيره لها لا يعني أنها مسألة محسومة وغير قابلة للنقاش؛ وأن يعتقد بعض المعارضين بـ «عائلية» النظام لا يعني إتهام من يعتقد بـ «طائفية» النظام بأنه طائفي.. القضية هي عند النظام نفسه، الذي لا يتورع عن استخدام كل شيء لاستدامة حكمه وليست عند عيد..

جدار

علانُ دمشقَ في المهجر خطوةٌ إلى الأمام ولكن!
محمد الحاج صالح
قبل كل شيء “إعلان دمشق” أهم من أن يُترك لِمَنْ تولوا قيادةَ المهجر للإعلان بعد انعقاد المجلسِ الوطني في بروكسل في 6 و 7 تشرين الثاني 2010 . وهو ما يعني أنّني شخصياً أعتبرُ نفسي تحت مِظلّة إعلان دمشق، وما أكتبُهُ هنا هو رأيي وإلى حدٍ ما رأي عدد من أعضاء المجلس الذين رأوا ما رأيتُ من سلبيات. وأيضاً إعلان دمشق هو أهمّ من أن يُترك لقناة بردى أو يُستصغَر ليُحشر حشراً في جيب صاحبها.
الديمقراطيةُ ليست بنْت كتبٍ تُنقل إلى الواقع آلياً، وإنما هي عمليةُ ممارسةٍ في الواقع أولاً. ولذلك أدعو نفسي و زملائي ورفاقي ممن لم يكونوا راضين عمّا حدث في المجلس إلى أنْ لا يسكتوا، وأن يعملوا على التغيير. فنحن مُقتنعون بالتغيير الديمقراطي السلمي والمُتدرّج في بلدنا، فكيف بِنا بأحد الأدوات لهذا الغيير “إعلان دمشق”!
سأركّز هنا على الاقتراع الذي جرى على رئاسة المجلس ونيابة الرئاسة وأمانة السر. وسأترك الاقتراع على هيئة الأمانة العامة لوقت آخر ربما. السببُ في ذلك هو أن الاستخلاصاتِ الناجمة عن انتخاب رئاسة المجلس، تكثّفُ الممارسةَ التي حدثتْ بسلبياّتها وإيجابياّتها، كما تُعطي منظوراً عن التكتيكات التي استخدمتْها الكتلُ والأحزاب في دفع مرشّحيها أو منْ ترغب في إنجاحِهم.
ترشّح لهيئة المجلس (المكونة من الرئيس ونائبه وأمين السر) كل ٌمن أحمد جتو(كردي) و خلدون الأسود (يساري مُستقل) و عبد الرزاق عيد (يساري مُستقل) و محي الدين قصار (إسلامي مستقل). وحصلَ كلٌّ منهم على الآتي:
ـ أحمد جتو 44 صوتاً
ـ خلدون الأسود 39 صوتاً
ـ عبد الرزاق عيد 36 صوتاً
ـ محي الدين قصار 31 صوتاً
طبعاً المطلوب ثلاثة فقط، هم الرئيس ونائبه وأمين السرّ. وبالتالي خرجَ محي الدين قصار من الحلبة. الأمرُ المهمّ الأوّل هنا حصولُ المرشّح الذي لا “بكّاءاتٍ” له ولا كتلة تدعمُه سوى من أفراد إسلاميين، وهو محي الدين قصار على 31 صوتاً وهو رقم معتبرٌ، وذلك لسببين هما أنّ من أراد من العرب أن ينجحَ خلدون الأسود أعطى محي الدين قصار نكايةً بعبد الرزاق عيد، ومن أراد أن ينجحَ عبد الرزاق عيد أعطى محي الدين قصار نكاية بخلدون الأسود. الأمر المهم الثاني هو حصول “أحمد جتو” على أعلى الأصوات 44 صوتاً. ما يعني أن الجزءَ الأكبر في المجلس لا مُشكلَ لديه في أن يكون رئيس المجلس من أقليّةٍ سورية.
كان واضحاً من تقديم المرشّحين لأنفسهم أن ثمّة خلافاً بين خلدون الأسود وعبد الرزاق عيد، تحديداً حول موقف الأخير من الطائفية. وكانت قد تمّت المُصادقةُ برفع الأيدي على الآليةِ التي يجري بها توزيعُ المهامّ. سقطتْ آليةُ أنْ يكون رئيس المجلس هو الذي يحصلُ على أكثر الأصوات، يَليه نائب الرئيس وأخيراً أمينُ السرّ. لو أن هذه الآلية اعتمدتْ لتجنّبَ المؤتمرُ الكثيرَ، ولكانَ توزيع المهامّ جرى على الصورة التالية: “أحمد جتو” رئيساً، “خلدون الأسود” نائباً للرئيس، “عبد الرزاق عيد” أميناً للسر. أمَا وقدْ اعْتُمدت الآليةُ القائلة أنْ يجتمعَ الفائزون الثلاثة على حدة، ويزّوعوا المهامّ فيما بينهم، فإنّ الصراعَ ارتقى درجة أعلى. وبدأتِ التدولاتُ والتكتيكات الجانبية. خصيصاً بعد أن أصرّ كلٌ من “الأسود” و “العيد” على تولّيهما رئاسة المجلس. كان “الأسود” واضحاً جداً في تحرّكه من أنّه لنْ يعمل والعيد في هيئة واحدةٍ، وأنّه سيستمرّ في الإصرار على أن يتولى هو رئاسةَ المجلس على افتراض أن العيد سينسحبُ، خصّيصاً أنّ العيد عبّر غير مرّة إنّه أتى وفْق عرضٍ لرئاسة المجلس و”أنهم!” اقترحوا عليه وأصرّوا على أنْ يتولى هو رئاسة المجلس، وإنه ما كان بوارد التفكير في هذا، لكنـ”هم!” ألحوا. السياقُ هنا يفترضُ ترتيبات مُسبقة جرى خلالها الاتفاقُ من قبلِ الفاعلين في هيئةِ الأمانة العامّة المُؤقتة للإعلان في المهجر. على الأرجح كان هناك اتفاق سريٌ مُنجزٌ بين ثلاثةٍ هم “أنس العبدة” و”عبد الحميد الأتاسي” و”كامران” أوْ على الأقلّ هذا ما رشحَ وظهرَ للعيان.
اجتمع الفائزون الثلاثةُ في غرفةٍ جانبيّة، وطالتْ مداولاتُهم. استنكفَ الأستاذ “أحمد جتو” عن رئاسة المجلس. وبقي الصراع على الرئاسة بين “الأسود” و “العيد”. كان استنكاف الأستاذ “جتو” بتبرير أنّ كردياً يجب أنْ لا يكون في موقع الرئاسة، وإنّه يرغبُ بموقع نائب الرئيس. وكان هذا الموقف إشارةً على نُضج تكتيكات الجانب الكردي، ومرونته في العمل السياسي، لكنّه كان أيضاً رمياً للكرة المُلتهبة إلى الجانب الآخر. أي تكتيك”يصطفلوا!”. وهو، أي الجانب الكردي، يَتحمّل هنا بمبادرته هذه تضييعَ فرصة تعميق العمليّة الديمقراطية، ويؤسس لتكتيك خائب (أخلاق الفرسان) يربحُ فيه وحدَهُ ويخسرُ الآخرون، حتى لوكان الأمر ليس مُتعمّداً. كان من المُفيد أنْ يُشهر أن رئيس المجلس للإعلان في الخارج سوريٌ كرديّ القومية، على الأخصّ أن الأستاذ “جتو” أظهر سماتٍ قياديةً رزينةً ونظرةً سياسيةً مُتفهمة ومرنةً، وهو كشخص قابل حقاً  لأن يكون محوراً جامعاً.
قِيل إنّ اتصالات جرتْ مع الأمانة العامّة في الداخل ووضعتْ في صُورة الخلاف حول رئاسة المجلس. وأنها، أيْ الأمانة العامة في الداخل، أو أفرادٌ منها لا يحبّذون انتخاب “العيد”. واتُّهمَ “رياض الترك” بأنه يُسيّر الأمور “بالرموت كونترول”. سمعنا من يشتمَ رياض الترك علناً من أفرادٍ إسلاميين وأكراد ومن بعضِ التائبين العائدين من جبهة خدام. عادَ المُنتخبون الثلاثة إلى المجلس بعد عجزهم، للتحكيم وفق اللائحة الداخلية لتوزيع المهامّ. الأمرُ الذي يعكسُ ثغرةً في الآلية الديمقراطية. إذْ كيف للفائز الأوّل أن يستنكف بالأخص عندما تطرأ مشكلة كهذه أولاً؟ وثانياً كيف يُبرَّر عدم قبول “العيد” لأي مهمّة خلا رئاسة المجلس في الدورة الأولى، ثم  يُعاوِد الالتجاءَ إلى المجلس؛ الأمر الذي يتضمّنُ قبولَه أيّ مهمة؟ وهو ما أوضحه “بسام نيربية” بالسؤال عن قبولِ كلا المرشحين للنتيجة أيّاً كانت.
تمهيداً لانتخاباتِ الإعادة المُرتبكة، أُعطي كلاً من المُرشحين الحقّ في أنّ يُقدّمَ رؤيته بطريقةِ تسمحُ للمجلس في أن يصوّت بعدها. تكلّم أولاً “خلدون الأسو”د طبيب القلبية طيّب القلب، الذي أوقع نفسه في مطبّ نقد خطاب عبد الرزاق عيد، والذي اعتبره يفرّق ولا يجمع، وأنّه خطابٌ طائفي يُبعدُ فئات عديدة من الشعب السوري عن “الإعلان”. أما عبد الرزاق عيد فكرّر خطابَه المنشور في مقالاتِه الكثيرة والذي يعتمد على سقفٍ عال من التوصيفات للنظام، ويتميّزُ بلغةٍ بعيدة عن لغة السياسة والفكر، وصفها البعضُ بلغة غير “راقية!” وبها شُبهةٌ طائفية، ولا تنسجمُ وسياسة الإعلان في خلْقِ شبكةِ أمانٍ وطنية عابرةٍ للطوائف والأيدلوجيات. على كلٍّ جرى اقتراعُ إعادةٍ لرئاسة المجلس بين خلدون الأسود الثاني أصواتاً، وعبد الرزاق عيد الثالث أصواتاً في الدورة الأولى. وحصل “العيد” في الإعادة على 39 صوتاً، بينما حصل “الأسود” على 13 صوتاً. طبعاً كان البعضُ قد غادر والبعضُ قد قاطعَ والبعض الآخر تغيّب.
برأيي كان للخطاب الشعبوي للأستاذ “عبد االرزاق”  لعب دوراً حاسماً في الفوز، إضافة إلى التوافقِ المُسبق في الأمانة المؤقتة في المهجر ، و إلى التهديد العلني الذي مارسه عضوا الأمانة العامة المؤقّتة والمُتضمن أن الإعلان سيفرطُ في الداخل وفي الخارج إن لمْ يُنتخب “العيد”. فخطابُ الأستاذ عبد الرزاق عيد “ينكشُ دوداً” من قلوبِ الإسلامين الذين يطربهم شتمُ النظام بالمقام الأوّل. وكذلك قسمٌ من الأكراد الذين يبدون ميلاً للصوتِ العالي ولأشدّ أنواعِ الإدانة. ليس فقط عندَ النظامِ وأهلِه وجمهورِه يلقى الصوتُ العالي والشعبوية آذاناً صاغيةً وأكفّاً مُستعدةً للتصفيق، بلْ ولدى المُعارضة أيضاً. مما يقودنا إلى الاستنتاج أننا لم نصبحْ بعد معارضين مُكتَملي المُعارضة وإنما لا زلنا مُنشقّين، مثلنا مثل مَنْ انشقّ على الاتحاد السوفييتي في القرن الماضي.
يَعكسُ تصويتُ الإعادة أنّ الأكراد بأحزابهم ومُستقلّيهم، وكذلك الإسلاميين صبّوا أصواتهم لعبد الرزاق عيد. بينما لم يصوّتْ للأسود سوى من يدّعون أنهم يريدون أن يشتغلوا سياسيةً بلا انتقامِ ولا ثاراتٍ ولا تصفيةِ حسابات ولا تمترسَ خلف أيدلوجياتٍ عتقية أو مُحدثة، وكاتب هذه السطور أحدُ أولاء. في هذا درسٌ كبيرٌ في أن الديمقراطية هي أيضاً تَعَلَمٌ وثقافة، أي أنها ليستْ في صندوقِ الاقتراع وحده.
لم يكن شتمُ “رياض الترك” ولا بعضَ السلوكيات العنيفة للبعض ولا الخطابَ المدغدغَ للغرائز، إلا دليلٌ على الحاجةِ إلى التعلّم والتدرّبِ على قبولِ الآخر، وعلى ضبطِ النفسِ واستبعادِ ردود الفعل الغرائزية لصالح السلوك الواعي المُنضَبِط. وهي أمور اكتسبتْها البشريةُ عبرَ آلاف السنين باصطفاء الأرقى وعزل الأدنى. ولا شك أنّ الشتمَ والروحَ الثأرية والصراخ والعنف في الكلام، إن في الكتابة وإن شفاهاً، ما هي إلى غريزة أدنى مدنيةً وتحضّراً. أوّل ما يلزم مُعارضةً ناجحة هو أَخْذُ نفسِها بالسلوكِ الواعي والهدوءِ وعمقِ الكلامِ والنبرة، وأيضاً بقبول أنْ تسمعَ و أنْ تصغي مثلما تحبّ أن يُسمعَ إليها ولها. أليس من المُحزن أن يُشتمَ “الترك” في مؤتمر، أُقَدّرُ أنّه، أي الترك، رأسُ الفاعلين من أجله والساعين إليه؟ ليس دفاعاً عن رياض الترك الشخص، فلينفلقْ “الترك” ولْيدافع عن نفسه إذا أراد، وإنما دفاعاً عن جزء هامّ مما قامَ به “الترك” كفاعلٍ سياسي منذُ سبعينيات القرن الماضي.
عند هذه المرحلة قاطعت أنا شخصياً جلساتِ المؤتمر، لأنني فضلتُ على أنْ أبتلعَ الموسى. وكان الأستاذ “بسام نيريبية” قد انسحبَ قبلي وكذلك الأستاذ عيسى بريك، وأيضاً الدكتورخلدون الأسود وآخرون من حزب الشعب أو أصدقاؤه. وبقي ممثل حزب الشعب الأستاذ “عبد الحميد الأتاسي” وبعض أعضائه مواظبين على الحضور.
أحبّ هنا أن أُلفت الانتباهَ إلى أعدادٍ غير قليلة من حزب الشعب وأصدقائه وحزب العمل ومستقلين يسارين ولبراليين، وأخصّ منهم أعضاء وأصدقاء حزب الشعب، ممنْ فقدوا الرغبةَ في العمل السياسي. وأقولُ إنهم قادرون على إغناء وإصلاح الإعلان. وأفهمُ دواعيهم في الابتعاد، لأنهم طوروا ثقافةً متينةً على الصعيد الشخصي، لم تعدْ تنسجم وأساليب العمل المُتّبعة في أوساط المعارضة. حرامٌ أن يمثّل حزب الشعب بمثلِ ما تّمثّل به في هذا المجلس، ليس في الأمر بحثاً عن مناصب أو ما شابه. وإنمّا بحثاً عن الفاعليّة وعن السياسة المعقولة إن لم نقلْ الصحيحة.
خير مثال على حاجة الإعلان إلى أولاء تلكَ المقابلة الهزيلة التي أجرتها قناةُ بردى مع الفائزين، حيث ظهر المستوى المُتدني للمُقابَلين، وحيث ظهر ممثل حزبُ الشعب وآخرون غيرهُ “مَصْقورين” لا أدري من ماذا! وحيث تفاصحُوا بوصْم المُتغيّبين والمُقاطعين للجلسات بأنهم ذووا خطاب شمولي. شيء مضحكٌ تماماً. فالواضح لكلّ من له عينان أن المُقاطعين والمُتغيبين هم أصحابُ الخطاب المُنفتح الواعي الوازن، بعيداً عن الخفّة والجهلِ مِمّنْ تقوّل وتنطّع. وما انسحبوا أو تغيّبوا إلا لأنهم ضاقوا ذرعاً بالشتْم وبالشعبويّة وبالفجاجة وبرسم السياسيةِ على أساسِ الصراخ. “شي بيضحّك فعلاً!” أن ينطق بالاتهام من كان يهتفُ: “(دروجبا أرابسكي سوفيتسكي) أي تحيا الصداقة العربية السوفييتية” على أيّامِ المرحوم الاتحاد السوفييتي فقط لأن درجات الحرارة انخفضت بشدة شتاءً في سورية بسبب موجة صقيع قادمة من القطب الشمالي ومن الاتحاد السوفييتي. آنذاك لم يكن أصحاب الأيدلوجية الشمولية ليطيقوا حتى أن يتأفّف الناسُ من البرد القادم من الشمال. “زمن!”
كان الأجدرَ بالقناةِ وبالأمانة المُنتخبة أن تتصلَ بهذا الصوت الغائبِ، وبهذا الشبح الحائم في جوّ المقابلة. بخسوا الناس حقّهم، وتقوّلوا عليهم، وراقَ لهم الجوّ. وحاوروا أنفسهم بأنفسهم. استغيبوا وصالوا. فلا أقل من أجل حفظ ماء الوجه، ومن أجل أن يقولوا بالفم الملآن “إننا ديمقراطيون” كان عليهم أن تتصلوا بواحد ممن حازوا مرتبةَ “العالِميّة” في الخطاب الشمولي الذين جلسوا على كرسيّ الوعظِ والدرس. هكذا قال “العيد” في المقابلة. الغيبةُ حصّة الضعيف أليس كذلك؟
بماذا تفرقون بالله عليكم بقصّكم لصورِ من ليس بصفّكم عن سياسة النظام؟ ألهذا الحدّ أنتم مُعجبون بصورِكم وكارهون لوجوههم؟ بئس العمل! ليس من شكّ أن عملاً كهذا ناجمٌ من أُصوليّة وُصوليّة تكرهُ الجديدَ والمُجدّد، وتَتَمرأى بصورةِ ذاتها.
يُقال إنّ زلات اللسان تظهر المُبْطَنَ المَخبُوءَ ولذلك قال “أنس العبدة” رئيسُ الأمانة المُرتَقب في المُقابلة الفريدة إيّاها: “أُهدي هذا المؤتمر إلى كل المُناضلين الشرفاء وخصيصاً المُعتقلين…”  لاحظوا صيغة المُفرد المُتكلم. الرجلُ يهدي ملكَه لمن أراد. لا أحد “أخو كيفه!”. الرجلُ قدمنا هديةً بقضّنا وقضيضنا. يمون! لكن ألا يذكركم هذا بإهداءات الرياضيين والحزبيين ومدراء المشاريع والوزراء… إنجازاتِهم إلى الرئيس الفَذّ صاحب الزمان؟
منْ إذنْ يخطبُ خطاباً شمولياً؟
قطْعاً لكلّ تخرّص أعلنُ هنا إنني وآخرين أقربُ إلى روحِ إعلان دمشق من فرسان الليل الخاطفين، وهذا هو الميدان! شخصياً لن أسكتَ ولن أخرجَ من “الإعلان”. بلْ سيخرجُ منه مَن يرى في الإعلان بروزةً أو تنفيعةً أوْ توريطة للداخل أو خدمةً لغير الشعب السوري.
خاص – صفحات سورية –

كلمات في المجلس الوطني لإعلان دمشق في المهحر
محي الدين قصار
لقد أتيح لي ان اتكلم ثلاث مرات خلال اعمال المجلس الوطني في الخارج الذي عقد في بروكسل الذي عقد في 6 و 7 تشربن الثاني 2010. فاحببت أن اضع هنا النقاط الرئيسية لتدخلاتي حسب ما أذكرها مع بعض التغيير التي تقتضية اللغة المكتوبة وبعض الاختصارات التي حدثت خطابة لاختصار الوقت.
ايها السادة، إنني مناضل من اجل الحرية ولا أحب أن اقدم نفسي على أنني سياسي، فأنا اليوم لست بالسياسي لا احمل هما سياسيا ، ولا أحب أن اسمي نفسي بالمعارض، فأنا رجل يبحث عن الحرية لأبناء بلده، فالمعارض هو الذي يرغب في الحلول محل النظام ولا رغبة لي في ذلك. وعملي سينتهي يوم يستعيد اهلي حريتهم ويتخلصوا من جور الاستبداد والدكتاتورية.
لقد رأيت خلال حياتي تقلبات السياسيين، فأريت كيف يصبح اليميني يساري واليساري يميني، وشاهدت ابناء الفكر القاعدي يتفتلون في شوارع واشنطن يتمولون من الحكم الأمريكي، ورأيت الرأسمالي يتحول لاشتراكي، والماركسي يصبح في يوم ولية رأسماليا والاشتراكي ينقلب ليبراليا. وكل هذه التقلبات والتحولات التي تتم سرا وعلنا لا تخفى ابدا عن المواطن في بلدنا الحبيب، فأنا ثقتي كبيرة بهذا المواطن وثقتي كبيرة بحكمته وصحة تقديره، فمواطنينا لا ينظرون إلى هذه الحركات إلا على أنها علامات نفاق، وعلي الجميع التنبه إلى آثارها على مصداقيتهم أمام الناس.
إني على قناعة بأن مواطنينا تريد أن ترانا متمسكين بالثوابت الوطنية ولو كانت تعكس اختلافات ظاهرية، فأنا والمواطن في بلدي نريد أن يبق الكردي كرديا، وأن يبق الآشوري أشوريا، وأن يبق المسيحي مسيحيا والماركسي ماركسيا والبعثي بعثيا، وأن يبق المسلم مسلما، وأن نتسابق جميعا في تحقيق الخير لمجتمعنا وأهلنا، إننا الآن امام تحدي حقيقي يطرحه علينا مواطنينا، وهو أن نقدم لهم في اجتماعنا هذا رؤية واضحة وصريحة تحافظ على كل هذه المضامين وهذه التيارات فلاتلغيها ولاتنتقص منها شيئا ؛ بل توحدها في بوتقة واحدة تنفع الوطن والمجموع دون أن تلغي الفرد وخصوصيته او خصوصية مجموعته. إنه هذا هو التحدي الحقيقي الذي نقف أمامه والجواب الذي ينتظره منا المواطن.
إنني مسلم وفخور باسلامي كمصدر حضارتي ورسالته الجامعة المؤسسة، وأعتبر نفسي صاحب الحضارة التي أنتجت في وقتنا المعاصرالدكتور ادوار سعيد و حنان عشراوي وامثالهما، وأنا أذكرهما لأنهما لا يشاركانني بالدين ولكن يشاركانني الهم والحضارة والثقافة، والأمثلة كثيرة لا تحصى هنا. إننا الآن امام التحدي كيف نقدم الخير لأهلنا في مختلف انتمائاتهم وافكارهم، فأنا كمسلم اشعر أنني أحتضنهم واحتضنكم جميعا، وأن هذا التمايز بين اجزائنا هو مصدر قوتنا الحقيقية، فلا يحق لنا المزج الذي يضيع الخصوصية الذاتية سواء كانت دينية او عرقية أو فكرية أو مركبة من كل هذه الخصوصيات أو بعضها. ومواطنينا يعلمون أن أي محاولات للمزج ما هي إلا محاولات زائفة. وهذا ليس موقفا سياسيا مني كما قد يتبادر لذهن البعض، بل هو موقفا عقائديا خالصا، فالله يقول في كتابة العزيز: “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ” فمواطننا في حسه الداخلي وثقافته القديمة يعلم بأن تدافعنا هنا هو لما فيه خير البلاد والعباد، وأن أي محاولة لتغييب فريق ما فإنه محاولة لإفشال سُنة التدافع هذه. وأنا والمواطن في بلدنا نأمل أن يتمكن مجلسنا من صياغة جديدة لا تستثني أحد ولا تطالب أحدا أن يضحى على مذبح وحدة المعارضة. وقد يكون هناك طرق مختصرة لتسهيل الأجوبة على الأسئلة المطروحة، ولكن التحدي الحقيقي في أن نجيب على الاسئلة الصعبة لا أن نستعيض عن الأسئلة الصعب يأسئلة أسهل وسهلة المنال, وبعد نقاش البيان الختامي قلت: أحب أن أسجل هنا اعتراضي على نص البيان الختامي المطروح أمامنا، فلو أننا حزفنا التاريخ من البيان لما تبين لنا في أي عشرية صيغ هذا البيان، هل هو في الستينات أم السبعينات بل يمكننا ان نعاود استعماله في اجتماعنا القادم لو استمر حال المعارضة على ما هو، إنه يعكس وضعية علينا رفضها وخطابا تاريخيا فقد المرجعية أمام مواطنينا. فمواطنينا ومجتمعنا يقف اليوم أمام مشاكل متجددة في كل لحظة ويواجه أزمات تستعر ظواهرها وتتفاقم مع كل دقيقة. وعلينا طرحها بصورة جدية وبصيغة جديدة تستمع لها قوى شعبنا الشابة. عندها سألني الدكتور حبيب حداد مشكورا دافعا للنقاش نحو الأمام: مثل ماذا؟ فذكرت في عجالة، معدلات الفقر معدلات البطالة المتزايدة، والهجمة الكبيرة على الطبقة الوسطى ونشوء طبقة أثرياء الفساد الجيدة، وارتباطات هذه الطبقة بمصالح قوى العولمة الخارجية ورأسمالها وإن كانت هذه القوى بعيدة عن المراكز الرأسمالية الغربية لأسباب سياسية ولكن ارتباطها يتم عن طريق مراكز الخليج، كما ذكرت حالة سوء الادارة والجفاف والهجرة إلى المدينة، يضاف إلى هذا زيادة التدهور لحالة التعليم بكل مستوياته ، والهجمة على المدارس الخاصة بحجة العلمانية، كما أكدت على رفضنا لسياسات السلطة التي تستعمل الخلاف شيع – السني لتفكيك عوامل الوحدة الوطنية وزرع الفرقة في النسيح السوري، كا يمكننا أن نضيف هنا تدهور الأخلاق العامة وانتشار ظاهرات العنف والجريمة والرق الأبيض واللائحة طويلة ومتجددة لهذه المسائل التي يستاهل كل منها موضعا في بياننا الختامي. وأنا من موضع المسؤولية أجد أنه علي الاعتراض لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس.
وفي الجلسة الأخيرة عبرت عن سعادتي لأن هذه هي تجربتي الأولى مع “الحزبية السورية”، وأنني تعلمت الكثير منها ولا سيما أنني أطلعت مباشرة على كيفية تعامل احزاب بلدي في مثل هذه الحالات. وأكدت أنه من الواضح أن مثل هذه التجارب تحتاج للكثير من النضج لترقى لمتطلبات المرحلة والعصر. وعبرت عن أسفي بأننا لم نستطع أن نرتفع عن اسطفافاتنا الحزبية وان الطريق ما زال طويلا لنتوصل إلى مواجهة التحدي الذي يطرحه علينا المواطن والذي ذكرته في اليوم الأول، فما زال هذا المواطن وهمومه مهمشة ومستبعدة أمام هموم الحزب ومصلحة التحالفات التي ستفرض على نتائجنا استبقاء الوضع الراهن الذي كان سائدا قبل المؤتمر. مازال الطريق أمامنا يحتاج لكثير من التعبيد، وما زلنا نحتاج لمزيد من الطاقات والقدرة على تسهيل انخراطها بعملية التحرر. وأشعر بالأسف أنه لم يتح للمجلس تشكيل أي لجنة من اللجان المقترحة أو الإجابة على أي من الأسئلة التي ألح بها بعض اعضاء المجلس الكرام.
خاص – صفحات سورية –

إعلان دمشق في الخارج
غسان المفلح
كان واضحا الجهد التنظيمي الذي قام به شباب حركة العدالة والبناء في إنجاح انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي في المهجر، والذي ضم قرابة ستين ناشطا سوريا، وكان لافتا أيضا نشاط الحضور الكردي ودوره وتنظيمه، وحرصه على إنجاح هذا المؤتمر، أما الرفاق في حزب الشعب الديمقراطي في سورية، فرغم كثافة حضورهم إلا أنني لمست حالة من الارتباك على هذا الحضور، رغم مشاركتهم الفاعلة كأفراد في مداولات المجلس. المستقلون كانوا الأكثر حرية في طرح رؤاهم، ومشاركاتهم.
أريد ان أسجل أول ملاحظة، والتي تتعلق بانتخاب السيد أحمد جتو بغالبية مطلقة في انتخاب رئاسة المجلس لمدة سنتين قادمتين، والذي تخلى عن هذا الحق الأدبي في رئاسة المجلس لصالح الدكتور عبد الرزاق عيد، ليصبح الدكتور عيد رئيسا للمجلس والسيد جتو نائبا للرئيس والدكتور خلدون الأسود أمين سر المجلس. كنت أتمنى من السيد جتو ألا ينسحب وعندما ناقشته في الأمر، كان رده أنه يتحسب من تحسس بعض الجهات داخل الإعلان باعتباره مواطنا كورديا سوريا وعضوا ناشطا في الحركة الكوردية! فقلت له: لوكان الأمر كذلك لما انتخبت بأعلى الأصوات.
وهنا لابد أن نشير إلى أنني لمست كضيف على جلسات المؤتمر، أننا لازلنا نتحسب للنقد، ويمكن أن يتحول الخلاف السياسي إلى شخصي بشكل سريع. لاأزال أرى أن مهمة الكاتب مهما كان قربه أو بعده عن إعلان دمشق أو أية حركة معارضة، مهمته الأكثر أهمية هي النقد لما يتم من أجل نشاطات وخطط عمل أكثر جدية وبناءة للعمل المعارض، وهذا أمر حاولت ممارسته مذ بدأت العمل السياسي، وسبب ولايزال يسبب لي الكثير من المشاكل مع أصدقاء ورفاق احترم جهودهم وما يقدمونه من أجل مستقبل ديمقراطي سوري. والناقد مهما كان حصيفا أو مبدعا حتى، ولكي يبقى نقده ذو فاعلية خصبة يحتاج هو وأدواته النقدية إلى نقد أيضا، لهذا لا أرى ما أوجهه أو يوجهه غيري من الكتاب والمثقفين السوريين لبنى المعارضة ومؤسساتها ورؤاها السياسية وممارساتها من نقد، وكأنه حقائق نهائية. فالحياة أكبر منا جميعا. لهذا على مؤسسات إعلان دمشق وتياراته وأحزابه أن تستمع جيدا للنقد وأن تفرد مساحة أساسية للفعل النقدي مهما كان، وتعمل على التفاعل معه.
ما تم أعتقد انه كان ناجحا إلى حد ما، ولكنه فقط ليشكل حافز لعمل أكثر مأسسة وديمقراطية ونشاطا، ونجاحه ليس مرتبطا بالقدرة على تجميع الأفراد بل بما ينتج عن مجموعهم المؤسسي وتفاعلهم من نتائج إيجابية، وهذا بتقديري قد تم، رغم ما اعترض العمل من منغصات، ولكنها ليست منغصات استثنائية بل هي منغصات يمكن لها لو أخذت مساحتها أن تعيق العمل كليا، وهذا ما تم تلافيه. ويجب أن يتم تلافيها مستقبلا.
ابن العم المناضل رياض الترك الأكثر مثابرة كان حاضرا بيننا، لماذا أذكره هنا وفي هذا السياق، هنالك ما يمكنني تسميته روحية” ابن العم” في حضورها داخل نشاطات الإعلان، مع أن حضور الرفاق في حزب الشعب لايتناسب مع حضور هذه الروحية الحريصة من جهة، والمتوثبة من جهة أخرى، رغم ما ما يعتريها من ملاحظات نقدية لدى كثر من نشطاء الإعلان والمعارضة وأنا واحد منهم.
العلاقات المبنية على خطاب شفاهي لا تنتج مأسسة، هذه قاعدة أزعم أن فيها من الصحة الكثير، ولكونها تشكل المادة الخام لانتقاداتي لهذه الروحية، مع ذلك حاول بعض الرفاق في حزب الشعب تجاوز هذه الروحية في طروحاتهم ومشاركاتهم وحرصهم على العمل المؤسسي.
لم ألمس روحية الاتهامات والتخوين في هذا المجلس من قبل أي تيار لتيار آخر، وإن كان لا يخلو الأمر من حالات فردية محدودة جدا بالكواليس منها حالة واحدة خرجت للعلن لا أريد التوقف عندها لأن طرفيها لديهم نفس الحرص على نجاح المؤتمر ومؤسسات الإعلان! فقد غابت هذه اللغة عن أعمال المجلس وهذا مؤشر جدي. وبالمناسبة كان الحضور الحزبي والمستقل الكردي متمسكا ربما أكثر من غيره، بمخارج وطنية سورية لكل ما اعترض المجلس من منغصات، وأكثر حرصا على الوحدة المؤسسية للإعلان واستمرارها، وهذا شكل ارتياحا ملموسا وواضحا لدى الجميع وانعكس إيجابيا بشكل واضح على أعمال المؤتمر.
ثمة أمر آخر: تراجع واضح لنزعات الأنا الفردية في هذا اللقاء الهام، وهذه فأل طيب. هذه النزعات التي كان لها دوما مساحة كبيرة في تعطيل العمل المؤسسي للمعارضة عموما.
هنالك نقطة بحاجة لتوضيح حاولت في مشاركتي أن أوضحها، الإعلان سياسيا قيادة وخطابا هو في الداخل السوري، وهذه تفرض على مجلس الإعلان في الخارج لمجرد حضور أعضاءه للقاء، إقرارا بهذا الأمر الذي نص عليه النظام الداخلي للإعلان المقر سلفا في الداخل، ومجرد الإقرار لا يجوز أبدا ان يتم في اللقاء محاولات لإدخال تعديلات راهنة على مجمل خطاب إعلان دمشق السياسي، ومن يريد ادخال هذه التعديلات عليه اتباع وسائل مؤسسية في ذلك. وهذا مطب قد وقع فيه بعض المشاركين، وكاد أن يحرف مسار المؤتمر عن أهدافه، هنالك برنامج معد سلفا، المشاركون جاؤوا بناء عليه، ودون أن يطالبوا بتغييره بل حاولوا تغيير في الخطاب السياسي للإعلان وإعطاءه سمات ليست فيه.
غياب أي اهتمام أوروبي باللقاء رغم توجيه الدعوات لمؤسسات ومنظمات مجتمع مدني وأعضاء برلمان، وهذا أمر ليس بجديد على المعارضة السورية، فأوروبا ليست معنية الآن بأوضاع الشعب السوري.
لم توجه دعوة لأية جهة أمريكية على حد علمي لا رسمية ولا مدنية لحضور هذا اللقاء الذي ينتظره سوريي المهجر من الملتفين حول حركة إعلان دمشق، منذ قرابة عامين.
بقي أن نقول أنه على الأمانة العامة المنتخبة لسنتين قادمتين تقع مسؤولية كبيرة، ويقع على عاتقها ترجمة توصيات المؤتمر، وتفعيل العمل المعارض في الخارج وبشكل يكرس المؤسسية ويبتعد عن الفردية والارتجالية، ويعطي صورة عمل فريق واحد وليس أفراد مبعثرين. هذا ماتنماه المشاركين وما يتمناه الجميع لهم بالنجاح.
هنالك ما يمكنني تسميته انطباعات شخصية أخرى ربما أكثفها في مقال لاحق.
خاص – صفحات سورية –

حول ما حدث في مجلس إعلان دمشق في المهجر.الانصاف ميزان النقد.
غسان المفلح
من الواضح جدا ومنذ زمن، أن هنالك للمعارضة أعداء وخصوم وسيبقى هؤلاء ما بقيت المعارضة السورية للنظام السوري مصرة على مطلبها الديمقراطي. هذا أمر بات واضحا وعلى المعارضة السورية، ان تتفاعل معه، دون أن تتركه يشكل لها هاجسا مرضيا.
كنت قد كتبت مقالا سريعا عن الاجتماع الأول للمجلس الوطني لإعلان دمشق للتغير الوطني الديمقراطي في المهجر، حاولت فيه أن أكثف الصورة، بما تحقق وثبت وفق الطرق القانونية المعترف عليها من قبل الإعلان عموما والحضور خصوصا، أي ما يمكننا اعتباره وثيقة من والوثائق التي أقرها المؤتمر، كانتخاب الدكتور عبد الرزاق عيد رئيسا للمجلس..ونوهت أن هنالك انطباعات أخرى سأقوم بكتابتها في مقال لاحق، لكن الشباب الطيبة وخاصة من يتطلون خلف أسماء مستعارة، كانوا جاهزين للبدء بتخوين الإعلان ومؤسساته وأفراده حتى قبل أن ينتهي اللقاء. هؤلاء لهم أسباب متعددة، منها ذاتي جدا، ربما لكونه لم ينتخب سابقا للوصول للمؤتمر، ومنهم كان في المؤتمر ولم يحتفل به المؤتمر كما كان يتوقع، ولكون الهجوم على اللقاء والمعارضة بدء سريعا وتخوينيا، ودون إنصاف يذكر، فوجدت أيضا أنه من الانصاف أن أكتب تلك التفاصيل المؤجلة وغير المقرة من قبل المؤتمرين إلى مقال لاحق، أن أكتبها سريعا، للرد على هذا المنطق، الذي ليس غايته النقد بأي حال من الأحوال بل غايته التشهير والتخوين على الطريقة السائدة، رغم ذلك يجب التفاعل معه. ومن جهة أخرى توضيحا لملابسات يمكن أن يستخدمها بعض أطراف المعارضة ضد أطراف أخرى، وتوخيا لنقل ما أزعم أنه الحقيقة للسادة القراء ولشعبنا.
سأبدأ من نفسي، دعيت من قبل اللجنة المنظمة للقاء لحضور المؤتمر بوصفي ضيفا مشاركا في كل أعمال المؤتمر، ما عدا الترشح للهيئات، والسبب كان بطلب مني: أولا لأنني رفضت ذلك منذ أن بدأت الانتخابات في لجان بلاد المهجر، والسبب الثاني أنني أعرف تحفظ الرفاق في حزب الشعب، على مشاركتي كليا في اللقاء، لا عتبارات تتعلق بموقفي من إعلان دمشق كما يرونه الرفاق. وهذا التحفظ أيضا يسري مفعوله على المفكر السوري عبد الرزاق عيد، لاعتبارات تتعلق بلغته الكتابية وليس بموقفه من الإعلان وعمله، خاصة أن الدكتور عيد من المؤسسين للإعلان، والتي سآتي عليها لاحقا. لكن الفرق بيني وبين الدكتور عيد أنني تعرضت لعمل الإعلان ولما أسميته روحية ابن العم” المناضل رياض الترك” بالنقد الرفاقي، ولم يزعجني موقف الرفاق في الحزب لسبب بسيط جدا، في أنهم حزب، وانا أعرف العقلية الحزبية عموما واختبرتها جيدا. وأترك الحكم للحضور بالحكم كيف كانت مشاركتي.
آتي الآن لقضية انتخاب مكتب رئاسة المجلس الوطني لإعلان دمشق، ولكن قبلها سأعرج على أول استعصاء فردي حدث، والذي يتعلق بالاستاذ جريس الهامس- ليعذرني على صراحتي- المدعو مع زوجته المربية الفاضلة والكاتبة المعروفة مريم نجمة، فتم اختيار الكاتبة مريم نجمة كعضو كامل العضوية ويحق لها التصويت والانتخاب وبقي الأستاذ جريس الهامس ضيفا مشاركا، وهذا ما أثار حفيظته وانسحب على إثره من الاجتماع وانسحبت معه السيدة نجمة، رغم ذلك حاولت أنا التدخل في الموضوع فحضرا جلسة أخرى وانسحبا بعدها، وهذا هو السبب الرئيسي لانسحاب السيد جريس الهامس وزوجته الكريمة.
أعود لقضية الدكتور عبد الرزاق عيد، الذي رشحه كثر من أجل أن يكون رئيسا للمجلس ولم يكن ينوي الترشح لأي موقع، ولكن تحت ضغط المطالبين تم ترشيحه ووافق، الدكتور عيد لا يعرف موقف الرفاق في حزب الشعب ولا يعرف تحفظ قيادة الإعلان في الداخل عليه، في أن يكون في موقعا تنظيميا. وتفاجأ كما تفاجأ كثر من المتواجدين ومع ذلك تم انتخاب الدكتور عيد بالتنافس مع الدكتور خلدون الأسود، هو لم يكن مرشح حزب الشعب بل مرشح أكثر من طرف، ولكن بالتصويت نجح الدكتور عيد بعد انسحاب السيد أحمد شتو من التنافس على رئاسة المجلس، وذكرت ذلك في المقال الأول.
الخلاف الذي حدث بين الدكتور عيد والدكتور الأسود، وصل إلى مشادة كلامية كان الدكتور عيد أقل أريحية في خطابه منذ البداية، انسحب على أثرها الدكتور خلدون من الاجتماع، وانتخب السيد سليم منعم أمينا للسر عوضا عنه. ما حدث حتى اللحظة يحدث في كل مؤتمرات الأرض وليس شيئا خاصا بالمعارضة السورية. وأسجل للدكتور خلدون الأسود، أنه الوحيد الذي نقل تحفظه وموقف البقية من الدكتور عيد بشكل علني واضح معتبرا أن خطاب الدكتور عيد خطابا لا يخدم الإعلان وفيه شحنة طائفية، أسجل له صراحته، التي كان من المفترض للرفاق في حزب الشعب أن يوضحوا موقفهم للدكتور عيد قبل الانتخابات وأنا متأكد بأنه لن يترشح خاصة إذا عرف أن هنالك تحفظا من قيادة الإعلان في الداخل. لماذا لم يتصرف الرفاق في حزب الشعب على هذه الطريقة والتي اعتبرها عادية جدا، لا أعرف؟
وقبل ذلك كان قد غاب عن بقية الجلسات عدد من الرفاق في حزب الشعب على إثر انتخاب الدكتور عيد رئيسا للمجلس ولكن دون أن يعلنوا السبب أو الانسحاب من مؤسسات المجلس. لهذا قلت أن الرفاق كانوا في حالة ارتباك، رغم مشاركتهم في كل عمليات التصويت والترشيح، حيث انتخب الرفيق عبد الحميد اتاسي للأمانة الدائمة للمجلس بأغلبية كاسحة من الأصوات.
ونقطة الخلاف الأخرى التي حدثت وهي أكثر من طبيعية، حول مشروع القرارات حيث ورد مشروع قرار بشأن حصار غزة، وفهم بعضنا أنه يساوي بين إسرائيل وبين مصر، وتمت مناقشات حوله وتحفظ بعضنا ولكن نجح الرأي الذي يريد توضيح النص بما لا يساوي بين مصر وإسرائيل. وما حدث أيضا من مشادات ونقاشات بالنسبة لي ولكل المؤتمرات التي لها طابع تحالفي هي قضايا أقل من عادية.
أما قضية الشقيق والتي طرحها الأستاذ حبيب حداد، أنا الوحيد التي تحفظت على إضافتها كمفردة، لأنني وجدتها وكأنها تحاول تأكيد حالة غير موجودة، وخاصة أن العبارة لم تأت إلا على ذكر شعبنا الفلسطيني المحاصر في غزة وكأن بقية الشعب الفلسطيني خارج اللوحة!
هذا ليس غسيلا وسخا كما ينوه بعضنا، بل هو أقل من أن يذكر في المؤتمرات التحالفية الديمقراطية، وليست هذه المؤتمرات هي مؤتمرات أحزاب شمولية يقرر فيها الأمين العام كل شيء. لهذا وجدتها تفاصيل لا أهمية لها عمليا، وليس لأنها غسيلا وسخا بل تم التعامل معها بشفافية، وانحلت القضية. والشفافية مفهوم نسبي هنا بمعنى وفقا لمجريات الأمور وطبيعة تحالف إعلان دمشق.
الكولسة وترتيب الأوراق هذا حق لكل القوى ولكل المشاركين، ولكن دون أن تغير بنتائج الانتخابات، وهنا لم تغير الكولسة بنتائج الانتخابات.
ولن أكشف سرا أن قيادة الإعلان في الداخل لم تستطع أن تغير نتائج عملية انتخاب رئيس المجلس رغم كل الضغوط التي مورست، لكونها متحفظة على الدكتور عبد الرزاق عيد. هذه النقطة أزعجت بعضنا وكانت ردود أفعال بعضهم متشنجة تجاه ما اعتبروه تدخلا غير قانوني. وأنا اعتبرها أيضا تدخلا غير شرعي رغم فشله النسبي.
وانتخبت الأمانة العامة الدائمة للإعلان في المهجر بشكل سلس وتم قبول الخاسرين للنتائج بطريقة جد حضارية، تسجل لهم.
ثمة ملاحظة أن هذا اللقاء اتسم بغياب النقاشات التي تحدث عادة بين ممثلي القوى الكوردية أو الآشورية وبين بقية الممثلين السياسيين، وكان الطرفان الكوردي والآشوري حريصين على جو التعامل الديمقراطي والمؤسسي.
إذا كان بعضنا يعتبر أن هذا دليل غسيل وسخ فأنا اعتبره دليل صحة وغير كاف بالطبع.
وفي النهاية كلها هذه حوادث أقل من عادية في مثل هكذا مؤتمرات تحالفية تجمع عدة رؤى وطروحات ومواقف، وستتحول إلى ذكريات تفصيلة لا أهمية لها، من زاوية العمل المؤسسي النشيط وذو الأهداف والممارسات الواضحة وهذه قضايا تتوقف على عمل الأمانة الدائمة في المستقبل.
يدور همسا يجب على الأمانة الدائمة أن تجيب عليه حول مصادر تمويل المؤتمر…
لهذا قلت الانصاف في النقد أهم من النقد بحد ذاته.
بروكسل
خاص – صفحات سورية –

إعلان دمشق في مشهد المعارضة السورية
غسان المفلح
“إعلان دمشق في الداخل أصبح في غرفة الانعاش” وصلتني رسالة من أحد الأصدقاء ومن الناشطين في الإعلان سابقا وحاليا فيها هذه العبارة، إضافة إلى رسائل أخرى تؤكد على أن وضع المعارضة عموما في الداخل السوري لا تحسد عليه، وهي عبارة عن لقاءات محدودة ولأشخاص قليلي العدد، كما يستشهدون باستقالة المناضل رياض سيف وابتعاد بعض رموز إعلان دمشق في الداخل عنه، إضافة إلى أنه تعرض إلى مزيد من المزايدات من قوى معارضة اخرى، حتى أن في هذه الرسالة، يشير كاتبها إلى أنه بعض المثقفين ضمن فضاء الإعلان قد تخلوا عنه، باعتبار أنه تحول إلى إطار محدود النشاط والفعالية. والأخطر في هذه الرسائل أنها تؤكد على فكرة واحدة وهي” أنه لولا مثابرة المناضل رياض الترك وبعض الشخصيات المتوافقة معه إضافة إلى بعض الأحزاب الكردية، لما بقي أي أثر للإعلان في الداخل”.
ترددت في كتابة هذا المقال، لكوني أعرف أن المتربصين بالمعارضة السورية الديمقراطية أكثر من أن نحصيهم، لكنني بعد ترددي هذا شعرت أنني يجب أن أكتب عن هذه المعطيات بغض النظر عن صحتها أو عدم صحتها، لكي تعرف المعارضة السورية وخاصة في الخارج أن هذا الأمر يلقي على عاقتهم مسؤولية أكبر وأكثر مثابرة من السابق، وخاصة بعد انعقاد المجلس الوطني للإعلان في المهجر.
كنت قد كتبت أكثر من مرة أن المعارضة السورية لم يتغير عليها الكثير، وهي في تاريخها منذ أربعة عقود لم تعرف سوى ذروتين لنشاطها، الأولى في الثمانينيات من القرن الماضي، رغم ما كانت تتعرض له من عسف واعتقالات واسعة ومتشددة، والذروة الثانية هي مع تشكيل إعلان دمشق وجبهة الخلاص الوطني، أي خارج هاتين الذروتين، لم يكن هنالك أطر تحالفية تذكر في الحقيقة، خطأ جبهة الخلاص والذي كتبت عنه سابقا كثيرا ومنذ تشكلها، أنها استندت أكثر من اللازم على اللحظة الدولية والأقليمية دون أن تتمكن من ترسيخ جذورها، مع أن هذا لا يتطلب منها عدم التعاطي مع هذه اللحظة، بل يجب أن تتعاطى معها، وهذا أيضا بشكل عكسي كانت ملاحظتي على إعلان دمشق، أنه اعتقد أن اللحظة الدولية والإقليمية يمكن أن تنتظر أحد أو يمكن أن تطول، وكان التعاطي معها سلبيا إلى حد ما ونتيجة لعوامل لسنا بصددها الآن.
خارج هذا الزمن، ما نعيشه اليوم مع كل مافيه من تراجع على هذا المستوى لايزال أفضل من كل ما مرت به المعارضة في تاريخها من زاوية الفعالية والإمكانيات المفتوحة نسبيا في حال، غيرت هذه المعارضة من طرائق تفكيرها وعملها، خاصة أنه من الواضح الآن أن هنالك قوى وشخصيات غير السلطة السياسية وأمعاتها، تريد الإجهاز على ما تبقى من الإعلان. وهنالك من تسائل بخبث أو عن طيب نية: لماذا لا تقوم السلطة، بالقضاء على إعلان دمشق طالما يمكن أن يشكل خطرا مستقبليا، وذلك عبر اعتقال رموزه كلهم ورميهم في السجن، كما تفعل عادة؟ هذا سؤال أطرحه على الجميع…
لهذا دعونا نتحدث بصراحة ومكاشفة حقيقية، هذه القوى كانت بين ظهرانينا وخاصة إصرار بعض قوى الإعلان على الاحتفاظ بالتحالف مع هذه القوى وهذه الشخصيات، وهذه النتيجة، لا عيب في أن نظهر ما مررنا به من سلبيات.
ينهبون البلد ويفقرونه وقد طيفوه وتركوا أطفاله تبحث في المزابل- تقرير اليونيسيف الأخير عن وضع الطفولة في سورية، التقرير الفضيحة- ومع ذلك تزايد كوكبة مخبريهم على المعارضة، ومستفيدة من ضيق أفق بعض المعارضين، الذي يحتاج وحده إلى مجلدات لبحثه، المشكلة ليست لدينا وحدنا، هذه زعيمة المعارضة البورمية” أونغ سان سو تشي” الغنية عن التعريف بعد أن قضت سبع سنوات في السجن خرجت لتقول يجب إسقاط نظام الطغمة العسكرية بطريقة حضارية، صحيح الوضع لا يقارن بين سورية وبورما. لكن الوضع شبيه من زاويا أخرى، فكما أن هنالك الصين إلى جانب استمرار الوضع البورمي، لدينا أيضا إسرائيل هنا وكل وزنها في العالم الأوروبي والأمريكي. صحيح أن الغرب عندما يريد ويقرر في أمر ما يراعي إسرائيل لكن شرط ألا تتضرر مصالحه، كما يراعي الصين أيضا. لهذا أهملت بورما سبع سنين وأكثر ربما، وكذلك سورية وغيرها من ديكتاتوريات المنطقة وتركت شعوبها لمصيرها.
أربع تيارات الآن تخلت مؤقتا أو بشكل دائم عن المعارضة الديمقراطية في سورية، وهي التيار القومي تقريبا، والتيار الإسلامي وبعضا من التيار اليساري إضافة إلى أكثرية المثقفين والكتاب والأدباء السوريين،ربما معهم حق في ذلك وربما لا، هذه متروكة للبحث والتقييم الخاص.
يضاف إلى ذلك إلى أن اللحظة الدولية لاتزال لحظة إسرائيلية بالدرجة الأولى تجاه سورية كما كانت من قبل، ماخلا لحظة شيراك- بوش نسبيا. كلنا يتذكر كيف عاملت إسرائيل الرئيس القرنسي جاك شيراك في أكثر من مناسبة قبل اغتيال الحريري وبعده. ورغم ذلك وعكس ما ورد في آخر كتاب فرنسي صدر حديثا عن حكم شيراك للصحافي الفرنسي فانسان نوزيل «سر الرؤساء»، بأنه كان يريد إسقاط النظام السوري، أبدا هذه القضية لم تكن مطروحة عند الرئيس الفرنسي ولا عند الرئيس الأمريكي جورج بوش، كما ورد في ذلك الكتاب، بل كل ما هو مطروح هو فتح ثغرة في جدار الاستبداد إن أمكن إضافة إلى إنهاء ذيول نظام الوصاية في لبنان، وكف يد النظام عن دعم الارهاب في العراق.
يبقى السؤال كما طرحه بعضنا، هل من الضروري الحفاظ على إعلان دمشق وهيكليته؟
من وجهة تظري أقول أنه من الضروري والضروري جدا الحفاظ على أطر تحالفية في المعارضة ومنها إعلان دمشق، لسبب ربما لا يلتفت إليه أحد، وهو هام برأي للمعارضة ولمستقبل سورية، وهو الاستمرار بوجود أطر لها تمثل كل أطياف الشعب السوري وتياراته، على الأقل من الزاوية الرمزية تشير إلى: استمرار مقولة” السوريون قادرون على التعايش والنضال المشترك ديمقراطيا” وهذه قضية لها معنى علينا التفكير فيه.
هذه النقطة يجب أن تسعى المعارضة في الخارج على إعطاءها مزيدا من الاهتمام والمأسسة.
وأخص هنا بالذكر الحركة الكردية بشكل عام، عليها أن تساهم وتتواجد بكل فصائلها بالخارج داخل هذه الأطر ذات السمة المافوق قومية على المستوى السوري، من أجل هذا الهدف على الأقل. ولتترك كل الخلافات جانبا، والتحالفات تقوم دوما على برامج الحد الأدنى.
من هذه العوامل وغيرها أرى من الضرورة بمكان الحفاظ على إعلان دمشق أو قيام تحالف جديد، ولكن ليس كإيقونة مقدسة غير خاضعة للنقد والمساءلة.
خاص – صفحات سورية –

تحية إلى المجلس الوطني لمنظمات إعلان دمشق في المهجر
صبحي حديدي
الأخوات والرفيقات، الأخوة والرفاق
شاءت ظروف قاهرة أن لا أتمكن من مشاركتكم اجتماعات المجلس الوطني لمنظمات إعلان دمشق في المهجر، ولا تعزّيني في هذا الغياب القسري إلا الثقة بأنّ جهودكم الطيبة ونواياكم الصادقة وعزائمكم الراسخة سوف تتكفل بإنجاح أعمال المؤتمر، وبلوغ أفضل ما يرتجيه منكم أبناء شعبنا المُبتلَى بنظام الإستبداد والفساد، وما يعلّقه عليكم العمل الوطني السوري من آمال كبيرة.
واسمحوا لي أن أتوقف، وإنْ في عجالة يقتضيها المقام، عند مشروع البيان الختامي، الذي أرى أنه نصّ جيد، بل هو ممتاز في بعض فقراته، خاصة وأنه في الغالب يقتبس، وأحياناً يعيد إنتاج، أدبيات الإعلان المقرّرة. هذا لا يعني أنّ المشروع لا يحتمل الاستزادة، في مسائل شتى طوّرتها الحياة، وعمّقتها السجالات المختلفة ومتغيّرات البلد والشارع السياسي والمعارضة.
لديّ، مع ذلك، ملاحظة أولى أساسية: ليس هذا بالضبط، أو ليس هذا وحده على الأقلّ، المطلوب من البيان الختامي؛ لأنّ الأصل في روحية نصّ كهذا أن يتوجه إلى السوريين في المهاجر أوّلاً، وأن يتناول بالتالي طرائق العمل الوطني في الخارج، مشكلاته وصعوباته ومساوئه ومحاسنه، ولا سيما الاقتراب من شرائح عريضة في أوساط الجاليات السورية، تبغض النظام ولكنها ليست منخرطة في المعارضة، وتتميّز بحسّ وطني عالٍ ولكنها لا تتحمّس للأشكال الراهنة من العمل الوطني المباشر، وأسبابها في هذا متعددة ويتوجب تفهمها.
وقد يكون من الحكمة أن نتقرّب من هذه الشرائح عن طريق دعوتها إلى أنشطة اجتماعية وثقافية، وليس إلى الاعتصامات والاجتماعات والندوات السياسية، وإقامة ملتقيات مفتوحة في المناسبات العامة، حيث من الطبيعي أن يجري التطرّق إلى المواضيع السياسية بصورة تلقائية. وليس خافياً عليكم أنّ الجاليات السورية في الخارج تعكس مكوّنات الشعب السوري، ومن الواجب استطراداً أن يجري منهجة الأنشطة على نحو يعكس بدوره الثراء الثقافي لتلك المكوّنات، كأن تنظّم لجان الإعلان معرضاً مركزياً للفنون الكردية أو السريانية أو الأرمنية، وليس تلك العربية وحدها.
الأصل، أيضاً، أن ينصّ البيان ـ استناداً إلى خلاصات مناقشاتكم ـ على كيفية استغلال محاسن وجودنا في المهاجر لتذليل مختلف العوائق، والارتقاء بطبائع علاقاتنا مع وسائل الإعلام، والمنظمات الحقوقية والمدنية، والقوى السياسية صاحبة الأرض في المهاجر التي نقيم فيها، والقوى الأخرى المهاجرة مثلنا، عربية أو أجنبية، على اختلاف مشاربها السياسية والفكرية، والبحث في أشكال انفتاحنا عليها وتعاوننا معها، واعتماد أمثل الأساليب لتقديم قضايانا الوطنية السورية إليها، والتركيز على أكثرها جدوى وفائدة.
وفي هذا الإطار، لعلّ من الخير النظر في مشروع إصدار نشرة فصلية تنطق باسم منظمات الخارج، وتتضمن موضوعات باللغة العربية أساساً، ثمّ بلغات اخرى كالإنكليزية والفرنسية والألمانية، تعتمد خطاباً سياسياً وإعلامياً عصرياً، وتهدف إلى إقامة صلة حيوية بأبناء الجاليات السورية من جهة، وكذلك الأصدقاء المتعاطفين مع قضايانا من أهل البلدان التي نقيم فيها، من جهة ثانية. أدرك أنّ وراء تحقيق هذا الطموح مصاعب شتى، ولكني أعتقد أنّ وسائل الإتصال المعاصرة، وشبكة الإنترنت بصفة خاصة، قد تسمح لنا بتجاوز الكثير من العراقيل.
أخال أننا نخدم “إعلان دمشق” أفضل هكذا، إذْ أرى أنه ليس مطلوباً منّا في المقام الأوّل أن نعقد نقاشات نظرية وتنظيرية حول أمور قد يصحّ أن نؤجل الإنخراط فيها حتى يحين أوانها، أي عندما تطلق أمانة الإعلان في الداخل مشاريع موضوعات سياسية ونظرية، أو تزمع عقد مجلس وطني، أو سوى ذلك من منابر. وهذا، بالطبع، اسمحوا لي أن أكرّر مجدداً، لا يلغي حقّ أعضاء هذا المجلس في مناقشة وإدراج أيّ اعتبار سياسي ونظري يرونه جديراً بالمناقشة، أو النصّ عليه في مختلف أدبيات المجلس.
أشدّ على أياديكم، راجياً لأعمال مجلسكم النجاح التامّ؛
وعاشت سورية وطناً ديمقراطياً حرّاً،
وحاضنة كريمة لكلّ أبناء شعبها، ومكوّناته القومية والثقافية.
موقع اعلان دمشق

البيان الختامي لأعمال المجلسِ الوطنيّ لإعلانِ دمشقَ في المهجر
إن المجلس الوطني لإعلانِ دمشقَ في المهجرِ الذي انعقد في دورته الأولى يوميْ 6 و7 تشرين الثاني بحضورِ ممثلي هيئات إعلان دمشق المتواجدة في المهجر، من قوميين ويساريين وليبراليين وإسلاميين ديمقراطيين ومُستقلّين، والذين حملوا ويحملون في غربتهم هموم الوطن وآلامه وآماله في الحرية والعزة والعيش الرغيد، قد شكل مؤشراً على حيوية الإعلان واستمراره وثباته مؤكداً على أن صعوبات العمل في الداخل لن تثنيه وتخمد نشاطه بل تفجر طاقاته في مكان آخر أيضاً.
ويذكر المجلس أنّ الإعلان دعوةٌ مفتوحة لجميعِ القوى والأفراد، لاسيما السوريين الموجودين خارج بلادهم لأسباب مختلفة بما يمتلكون من طاقات هائلة علمية واقتصادية وثقافية وسياسية، من شأنها أن تساهم في تحويل سورية إلى دولة قوية وحديثة عندما تتوفر إرادة التغيير الفعلية مهما اختلفتْ مشاربُهم وانتماءاتهُم السياسية والقوميّة والاجتماعية، للالتقاء والحوار والعمل معاً من أجل الهدف الجامعِ الموحّد، الذي يتمثّلُ بالانتقال بالبلاد من حالةِ الاستبداد إلى نظام وطنيّ ديمقراطيّ.
والمجلس الوطني في المهجر بوصفه الامتداد والجزء المكمل للمجلس الوطني في الوطن، الذي انعقد بتاريخ 1/12/2007 بمقرراته وبيانه الختامي، والذي انطلق من وثائق إعلان دمشق ومن التجربة التي مر بها منذ انطلاق الإعلان وإشهاره في 16/10/2005، وما آلت إليه أوضاع الدولة والمجتمع في بلادنا، يرى بأن سياسات النظام المغامرة مازالت تشكل المصدر الرئيس لكل الأخطار التي تحيق بسورية، من خلال استمراره في احْتكار السلطة، ومصادرةِ إرادة الشعب ومنعِه من مُمارسة حقّه في التعبيرِ عن نفسه في مؤسساتٍ سياسيّة واجتماعيّة وثقافية ديمقراطية، والاستمرارِ في التسلّط الأمنيّ، والاعتداءِِ على حريّة المواطنين وحقوقهم في ظلِّ حالة الطوارئ والأحكامِ العرفيّة والإجراءاتِ والمحاكمِ الاستثنائيّة والقوانينِ الظالمة بما فيها القانون (49) لعام 1980، والمرسوم (49) لعام 2008، والقمع الشديد الذي يتعرض له المواطنون الكرد في سورية سياسياً وثقافياً واقتصادياً، والأزمة المعيشيّة الخانقةِ التي يعيشها المواطن السوري والمُرشّحة للتفاقم والتدهور، والتي تكمنُ أسبابُها الأولى في الفساد وسوءِ الإدارة وخرابِ مؤسساتِ الدولة، يضافُ إلى ذلك قحطٌ مديدٌ طالَ الجزيرةَ السورية على وجهِ الخصوص، وترك أثراً كارثياً في ظل إهمال شديد ومتعمد من جانب النظام، وأدّى إلى الهجرة الواسعة لسكانها باتجاه المدن الكبرى ودول الجوار.
إن المجلس يذكر بمهام الإعلان وثوابته وأهدافه ويؤكد على:
– أنّ التغيير الوطنيّ الديمقراطيّ هو عملية سلميّة متدرّجة تساعدُ في تعزيز اللُحمة الوطنيّة، وتنبذُ العنفَ وسياساتِ الإقصاء والاستئصال، وتشكّلُ شبكةَ أمانٍ سياسيّة واجتماعيّة تساعدُ على تجنيب البلاد المرورَ بآلامٍ مرتْ وتمرّ بها بلدانٌ شقيقة مجاورة ، وتؤدّي إلى التوصّل إلى صِيَغٍ مدنيّة حديثة توفّر الضماناتِ الكفيلة بتبديدِ الهواجس التي يعملُ النظامُ على تغذيتها وتضخيمها.
– هدفُ عمليّة التغييرِ هو إقامةُ نظامٍ وطنيّ ديمقراطي عبر النضال السلميّ، يكونُ كفيلاً بالحفاظ على السيادة الوطنيّة، وحمايةِ البلاد وسلامتِها، واستعادةِ الجولان من الاحتلال الإسرائيليّ، والحفاظ على الاستقلال الوطني. والانفتاح على العالم والإفادة من القوى الديمقراطية والمنظمات الدولية والحقوقية.
– يقومُ هذا التحوّل الهامّ على بناء الدولة المدنيّة الحديثة، التي تتأسّس على عقد اجتماعيّ يتجسّدُ في دستور جديد، يكون أساساً لنظامٍ برلمانيّ، ويضمنُ الحقوقَ المتساوية للمواطنين ويحدّدُ واجباتِهم، ويكفلُ التعدّديةّ والتداولَ السلمي للسلطة، واستقلالَ القضاء وسيادةَ القانونِ، والالتزامَ بجميع معاهدات الشرعة العالمية لحقوق الإنسان.
– الديمقراطيةُ هي جوهرُ هذا النظام الذي ننشدُهُ، بمفهومها المعاصر الذي توصّلتْ إليه تجاربُ شعوبِ العالَمِ، والتي تستندُ خصوصاً إلى مبادئ سيادةِ الشّعب عن طريق الانتخاب الحرّ وتداولِ السُلطة، وإلى حرّيّة الرأي والتعبيرِ والتنظيم واحترام الرأي الآخر ، ومبادئ التعدّديّة والمُواطنةِ وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، واستقلالِ السلطاتِ وسيادة القانون، وتمكين المرأة من ممارسة دورها وكامل حقوقها.
– تتعلّقُ قضيّةُ الديمقراطية بشكلٍ وثيق بقضيّة التنميةِ، ويؤثّر تقدّم إحداهما مباشرةً في تقدّم الأُخرى. إنّ التنمية الإنسانية هي شكلُ التنميةِ ومفهومها الأكثرُ عمقاً ومعاصرةً، منْ حيث أنّ مركزَها وغايتها هو الإنسان وتنميته من كلّ النواحي: الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة والعلميّة والفكريّة.
– عمليّةُ التغييرِ هذه تكفل حقوق الشّعب السوري بكل مكوناته من خلال تأسيسها على مبادىء الحرية والعدالة والمساواة، وإلغاء الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 وما ترتّب عليه من نتائج، وكافة القوانين الاستثنائية والإجراءات الطارئة بحق الأخوة الكرد وإيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية بما يضمن المساواة والحقوق الدستورية والسياسية والاجتماعية والقانونية، وضمانَ حقوقِ الأخوة الآشوريين (السريان والكلدان)، في إطار وحدةٍ سورية أرضاً وشعباً.
– سورية جزء من العالم العربي، ارتبطت به في الماضي وفي الحاضر ، ونأمل أن ترتبط به مستقبلا بأشكال حديثة وعملية تستفيد من تجارب الاتحاد والتعاون المعاصرة.
والمجلسُ الوطني في المهجر والذي شكل انعقاده محطة هامة على طريق تطوير ومأسسة نشاط الإعلان في المهجر بعد إقرار لائحته الداخلية وانتخاب هيئاته، إذ يدرك بأن إعلان دمشق لا يحتكرُ العملَ المعارض وأنّ صيغاً وأشكالاً مُختلفةً للتعبير عن إرادة الشعبِ موجودةٌ وسوف تظهرُ دائماً وفي أيّ موقعٍ أو زمانٍ، يدعو السوريين في المهحر إلى التواصل والتزام مبدأ احترام الرأي الآخر ومبدأ الحوارِ وإلى العملُ الدؤوبُ لتخفيف آلام شعبنا بسبب استمرار النظام بنهجِه العاجزِ عن الإصلاح والرافضِ له، كما يدعو الشعبَ السوري إلى نضالِ سلميّ وديمقراطيّ متعدّدِ الأشكالِ، يُؤدي إلى تحسينِ أوضاعِ البلادِ وقدرتِها على استعادةِ قوتها ومنعتها، ولعب دور عربي وإقليمي إيجابي وفعال.
ويرى المجلسُ أن الحوارَ الوطني الشامل والمتكافئ، بين جميع قوى المجتمع على اختلاف انتماءاتها ومواقعها …والذي يبحثُ في آلياتِ وبرنامج الانتقالِ إلى الديمقراطيّة والعودةِ إلى سيادة الشعبِ وتداولِ السلطة، والخطى العمليّةِ اللازمة لذلك، هي الطريقُ الآمنُ إلى إنقاذِ البلاد، وعودتِها إلى مسار النهوضِ والتقدّم.
بروكسلْ ـ بلجيكا 07/11/2010
المجلسُ الوطنيّ لإعلانِ دمشقَ في المهجر

كلمة في اجتماع المجلس الوطني لإعلان دمشق ـ بروكسل
حبيب حداد
أيتها الأخوات . أيها الأخوة أعضاء المجلس. أيها الأصدقاء الضيوف المدعوون*..
ـ اليوم إذ يجتمع مجلس هيئات المهجر لإعلان دمشق في أول دورة عادية له فإن الإعلان في خارج الوطن يحقق بذلك أول خطوة نوعية على طريق استكمال بنائه التنظيمي، وتعزيز فعالياته في مواجهة المهام العديدة التي تنتظره .

أيتها الأخوات . أيها الأخوة أعضاء المجلس. أيها الأصدقاء الضيوف المدعوون..
ـ اليوم إذ يجتمع مجلس هيئات المهجر لإعلان دمشق في أول دورة عادية له فإن الإعلان في خارج الوطن يحقق بذلك أول خطوة نوعية على طريق استكمال بنائه التنظيمي، وتعزيز فعالياته في مواجهة المهام العديدة التي تنتظره .
ـ هذه الخطوة، في الوقت الذي تعتبر فيه إنجازاً مهماً في مسيرة الإعلان في المهجر وديار الاغتراب . إنجازاً يجسّد، وإلى حدّ كبير، تصميمنا على مواصلة تحمّل مسؤولياتنا الوطنية، فإنها تتطلب من هيئات الإعلان : بمؤسساته وأعضائه ومؤيديه، مستوى نوعياً آخر، سواء على صعيد الوعي والمواقف، أم على صعيد العمل والممارسة .
أيتها الأخوات ـ أيها الأخوة ..
ونحن نجتمع اليوم في المنفى محرومين من أبسط حقوق المواطنة .. ينبغي ألا يغيب عن بالنا أن شعبنا، ومنذ أكثر من أربعين عاماً، يواجه نظاماً شمولياً شاذّاً لم يعد له مكان في عالمنا المعاصر . نظام الاستبداد والفساد والطغيان الذي دمّر قدرات شعبنا الذاتية، وعرّض نسيجه الوطني والاجتماعي لأفدح الأخطار المحدقة به في كل وقت . النظام الذي أتقن لعبة المناورة والتضليل، وأمسك بالعديد من الأوراق الداخلية والإقليمية والدولية يحرّكها متى شاء خدمة لهدفه الأساسي : ألا وهو استمرار اغتصاب إرادة شعبنا وتأبيد بقائه في السلطة .
ينبغي ألا يغيب عن بالنا أن خيرة أبناء شعبنا من أصحاب الرأي ورجال الفكر والقانون، سواء منهم الذين غادروا سجون النظام على دفعات متلاحقة، أو الذين ما يزالون يقبعون في السجون ينتظرون منّا ـ من هذا المجلس لأن يقدّم لهم دفعة من الأمل وشحنة من العزيمة، والوقوف إلى جانبهم دوماً، وتعريف الرأي العام العالمي بمعاناتهم وقضيتهم العادلة التي هي في أساسها قضية شعب صابر صامد في كفاحه من أجل التغيير وإنهاء ليل الظلم والاستبداد، وانه الشعب الجدير بالحياة الحرّة الكريمة مثل بقية شعوب العالم .
أيتها الأخوات ـ أيها الأخوة ..
علينا، ونحن نجتمع اليوم في هذا المجلس بحماس وتفاؤل ملحوظين، متطلعين إلى الغد بأمل موضوعي، ومؤكدين ثقتنا بشعبنا وتصميمنا على مواصلة تحمّل مسؤولياتنا الوطنية.. علينا أن نضع نصب أعيننا دائماً جملة من الحقائق الأساسية التي تستحق، من وجهة نظري، التوقف عندها، وإيلاءها المزيد من الاهتمام والاستيعاب ..
ـ أول هذه الحقائق أن المعارضة الوطنية الديمقراطية في بلادنا، بوصفها البديل للسلطة القائمة، إنما تحتاج إلى تأكيد مصداقيتها وتثبيت مشروعيتها في أنها البديل التاريخي المنشود وذلك بتقديم الأدلة الملموسة : السياسية والفكرية والأخلاقية، على أهليتها تلك، هذا من جهة، ومن جهة أخرى : أنها في مواجهة التحديات والصعوبات تستطيع إنجاز مهمات مرحلية وانتقالية ولو في مستوى الحد الأدنى المطلوب .
أما حين تعجز المعارضة، في السلوك والممارسة، عن تقديم تلك الأدلة، وعن إنجاز تلك المهمات تكون قد استفحلت أعطابها ودخلت منحدراً من التراجع والانكفاء والعطالة، وعاشت حالة من الأزمة التي تتداخل أسبابها الذاتية والموضوعية. الأزمة التي تؤدي بالنتيجة إلى طرح السؤال الأساسي حول دور المعارضة وشرعية وجودها أصلاً، وهذا الأمر يتعلق بجميع أطياف المعارضة بصورة عامة .
ـ وثاني هذه الحقائق : أنه لا بدّ للمعارضة وهي تلتقي على هدف مركزي مرحلي : إنهاء حالة الاستبداد، والانتقال إلى حياة ديمقراطية، لا بدّ لها، في سيرها نحو تحقيق هذا الهدف، من مشروع سياسي ـ اجتماعي يعبّر عن تطلعات وهموم الشعب الأساسية، وإلا تحوّلت ممارساتها إلى حالة من التآكل والمراوحة وإثبات الوجود الشكلي . أي ممارسة السياسة السياسوية، كما يقال .
الديمقراطية، إذن، مشروع مجتمعي متكامل، وهي الصيغة الملائمة لحياة شعبنا وتطوره . لكي تنجح آلياتها السياسية التنفيذية في تداول السلطة، وتحقق أغراضها لا بدّ لها من أرضية تستند إليها . لا بدّ لها من عملية تثوير وإصلاح ثقافي شامل، وفي المركز منها : الإصلاح الديني من أجل تحرير العقل العربي من تركة ورواسب الفكر الغيبي الظلامي للعصور الوسطى .
ـ أما ثالث هذه الحقائق التي يجب علينا أن نصارح أنفسنا بها، وبكل شجاعة ومسؤولية، فهي أن مهمة تحقيق الديمقراطية تحتاج إلى ديمقراطيين، ونحن كلنا، أو في معظمنا، أبناء أحزاب تنكّرت سابقاً للديمقراطية أو حاربتها واعتبرتها أداة البرجوازية في استمرار تسلطها واستغلالها لمجتمعاتها، واستمرت تلك المواقف حتى عقد السبعينات من القرن الماضي . كما أن أكثر من سبعين في المائة من أبناء شعبنا الذين ولدوا أو عاشوا في ظلّ النظام الحالي قد نشأوا مشبعين بثقافة الاستبداد والخوف . ثقافة الاستلاب والتنكّر لأبسط حقوق المواطن والإنسان . وإضافة إلى ذلك، وما زاد في إشكاليات العمل الوطني الديمقراطي متاعب فوق متاعب، وما يسترعي الاندهاش والاستغراب أنه ما زال هناك العديد من الحركات والأحزاب السياسية التي تدعو إلى طريق خاص لتحقيق الديمقراطية . الطريق الذي يتفق، حسب رؤاها، مع خصوصيتنا وأصالتنا وتقاليدنا.. ملتقية بذلك مع طروحات ومواقف أنظمة الاستبداد العربية. كما لا نزال، حتى الآن، ونتيجة تواضع الدور الذي يلعبه الإسلام التنويري، نستمع ، بين الحين والآخر، إلى ما يردده البعض بأن الديمقراطية هي الشورى في تطبيقاتها المعاصرة . لا بل إن الشورى أشمل وأوسع إطاراً من الديمقراطية، وأنها، أي الشريعة، هي المرجع الأساس لقيام حكومة ديمقراطية .. !!! . نحن إذن، أيها الأخوة مشروع ديمقراطيين . هذه حقيقة لا مراء فيها، وعلينا، من خلال الممارسة وعبر سيرورة الكفاح الوطني، أن نتغيّر حتى نستطيع أن نفعل ونُغيّر . علينا أن نطور وعينا وسلوكنا على صعيد الفكر والتنظير، وكذا على صعيد العمل والتدبير، وأن نتسلح بالعقلانية ومنظومة القيم الديمقراطية، وفي مقدمها : احترام الحقيقة الموضوعية والرأي الآخر والحق في الاختلاف والتنوّع، وللقناعة الأكيدة أن ليس هناك حقيقة مطلقة ونهائية في عالمنا الأرضي، سواء في عالم السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع، وحتى في العلوم الطبيعية .
ـ أما آخر هذه الحقائق التي أودّ أن أعرضها أمامكم أيتها الأخوات ـ أيها الأخوة أعضاء المجلس، فهي المتعلقة بعمل هيئات إعلان دمشق في بلدان المهجر التي توالى تشكيلها على امتداد السنوات الثلاث الماضية .. لنصارح أنفسنا أنه ومن خلال التجربة المحدودة لهيئات الإعلان كانت هناك أخطاء كثيرة ومتنوعة : تنظيمية، وعلى صعيد العمل والممارسة، وإذا كان المجال هنا ليس مجال الغوص في تلك الأخطاء والمشاكل، بغض النظر عن دوافعها التي ربما كان معظمها بحسن نيّة، لكن كما يقال : ” فإن طريق جهنم مفروشة بالنوايا الحسنة..” ، فإذا لم يجرِ تدارك مثل هذه الأخطاء بعد الآن، وإذا لم نقلع بوعي وقناعة عن انتهاج تلك الأساليب الخاطئة في حل المشاكل الطارئة، فستكون لذلك نتائج سلبية على مستقبل عملنا، وسيؤدي ذلك، بالتأكيد، غلى نزيف متواصل، وإلى خسارة الكثير من أعضاء هيئات الإعلان ومناضليه .
إن روح التوافق التي نأمل أن تسود بُنية وعمل جميع مؤسسات الإعلان، سواء في الداخل أم في الخارج، ينبغي ألا تكون على حساب الأسس الديمقراطية السليمة وإلا انقلب الوضع إلى شكل ما لظاهرة المحاصصة وهيمنة عقلية الاستئثار والإقصاء بديلاً لقيم ومناهج العمل الجماعي المنتج التي يجب أن يطبّقها الفرد برضى وقبول واندفاع ذاتي لا أن يتمّ فرضها وتطبيقها بإجراءات فوقية وإدارية زاجرة .
ـ باسم تجمّع البعثيين الديمقراطيين الوحدويين الذين كانوا الهدف المباشر لهذا النظام : حقداً وتنكيلاً واضطهاداً، والذين وقفوا في وجه طغيانه واستبداده منذ اليوم الأول لقيامه . هذا النظام الذي كان حزب البعث نفسه أول ضحاياه بعد أن انقلب على مبادئه وعطّل مؤسساته واضطهد قياداته ومناضليه الحقيقيين . والأدهى من ذلك أنه استمر يرفع لافتة الحزب لتغطية طبيعته كنظام فئوي، شمولي، سلطاني، وذلك باستبدال تركيبته بتنظيم هلامي يضمّ الآن الملايين من أبناء شعبنا الذين جمعتهم دوافع متباينة كالخوف من الاضطهاد وتأمين لقمة العيش والعمل والوظيفة، أو بدوافع استمراء حياة الذلّ والمهانة والانتهازية وخيانة أهداف الشعب . تلك كانت خديعة كبرى ما كان لها أن تنطلي على أحد، وما زالت مستمرة، وإلى حدّ كبير، على الصعيدين الإقليمي والدولي ..
إننا ونحن نحاول تبيان حقائق التحولات التي حدثت، وجوهرها : الارتداد والتقويض، والإفساد والتفريغ المنهّجين، فإننا لا نرمي الدفاع عن حزب ما أو تبرير تجارب الحزب الواحد أو الحزب القائد . تلك التجارب وأشباهها التي أسدل الستار عليها تقريباً، والتي لم تجلب للبلدان التي أخذت بها وطبّقتها سوى النتائج الكارثية، وسوى التراجع والركود والتخلف في مضمار التقدّم الحضاري وفي كافة الميادين .
باسم تجمّع البعثيين الديمقراطيين الوحدويين الذين وقفوا منذ اليوم الأول لإعلان دمشق إلى جانب إخوانهم ورفاقهم المؤسسين من الأحزاب والحركات السياسية وهيئات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية في بلادنا، يحملون رسالته ويدافعون عن مبادئه وأهدافه، هذا في الوقت الذي استغلّ فيه الكثيرون غياب هيئات رسمية للإعلان في خارج الوطن فراحوا يشكّلون الجبهات ويصطنعون التنظيمات التي تدّعي انتسابها للإعلان، والتي كانت نشاطاتها، من حيث المآل الأخير، تشويهاً لصورة الإعلان وأهدافه، وتعميماً للانقسام والشرذمة في العمل الوطني الخارجي، وخدمة ومهادنة لنظام الاستبداد الممضي في اغتصاب إرادة شعبنا وانتهاك ومصادرة حرياته وحقوقه، علماً بأن إعلان دمشق لم ينصّ في نظامه الداخلي، ولم يعلن يوماً في أيّ من وثائقه الرسمية على أنه يختصر أو يحتكر العمل الوطني الديمقراطي في شخصه، بل سعى دائماً، وقدّم المبادرات المتواصلة من أجل تشكيل أوسع تيار وطني ديمقراطي يجسّد إرادة شعبنا، ويوحّد طاقاته على طريق إنجاز هدفه البعيد .
ـ باسم تجمّع البعثيين الديمقراطيين الوحدويين أحيّي انعقاد مجلس هيئات الخارج لإعلان دمشق في دورته العادية الأولى متمنين له كل النجاح في أعماله، وفي وضع الخطط والبرامج العملية التي تكفل تعزيز دور هيئات الإعلان ومضاعفة نشاطاتها في تكامل وانسجام مع هيئات الداخل . ونحن، أيتها الأخوات والأخوة، على ثقة أكيدة بأننا نستطيع تحقيق هذه المهمة، وأنه بتعاوننا واتحادنا في إطار إعلان دمشق نستطيع أن نغيّر الصورة الراهنة لوضع السوريين خارج الوطن، وبخاصة من حيث تواضع ومحدودية مساهمتهم في نضال شعبهم من أجل التغيير الجذري . من أجل الحرية والديمقراطية وكسر جدران السجن الكبير الذي يعيش فيه منذ أكثر من أربعة عقود .
ـ بتعاوننا واتحادنا داخل إطار إعلان دمشق نستطيع أن نفعل الكثير، فهناك طاقات وكفاءات ضخمة ومتنوّعة تمتلكها الجاليات السورية والعربية في المهاجر .
ـ بتعاوننا واتحادنا داخل إطار إعلان دمشق نستطيع أن نغيّر الواقع الذي لا نرضاه جميعاً، وأن نتجاوز القول الشائع بأن هناك وطنيين ديمقراطيين سوريين كثر في خارج الوطن لكن حجم العمل الوطني الديمقراطي قليل .. !!!..
نعم أيتها الأخوات ـ أيها الأخوة .. نحن على ثقة كبيرة بأننا نستطيع تحقيق هذه المهمة وأن نحظى بتأييد وتفهّم كل قوى الحرية والتقدم في العالم، وبخاصة في الساحات التي توجد فيها هيئات الإعلان، ووقوفها غلى جانب كفاح شعبنا العادل من أجل إنهاء حياة الظلم والقهر والاستبداد .

ـ تحية الوفاء والتضامن مع معتقلي إعلان دمشق، وجميع معتقلي الرأي والضمير في سجون النظام .
ـ المجد والخلود لشهداء شعبنا الأبرار، وعاش كفاح الشعب السوري في سبيل الحرية والتقدّم والوحدة ..
* كلمة لم يسمح الوقت بإلقائها للناطق الرسمي باسم البعثيين الديمقراطيين الوحدويين
عضو القيادة القطرية ـ وزير الإعلام السابق

ملاحظات حول لقاء الامانه العامه لاعلان دمشق في بلجيكا
علي الاحمد
عقد في العاصمه البلجيكيه بروكسيل يوم السبت والاحد 6-7 2011 لقاء الامانه العامه لقوى إعلان دمشق للتغيير الديموقراطي ، وقد توافد عدد كبير من الناشطين من المعارضه السوريه من أوربه وأمريكا وكندا من مختلف أطياف المعارضه والمستقلين الممثلين لفروع الاعلان في تلك الدول ، وعدد من الضيوف المدعوين .
وقد كانت فرصة سانحة لي لحضور هذا التجمع المختلف عرقيا وأيديولوجيا وثقافيا ، والذي يجمعه شيء واحد فقط هو كون الجميع من أصول سوريه ، وكونهم جميعا معارضين للنظام الحاكم ويعملون على تغييره بالطرق السلميه ، وقد شهدت ربما للمره الاولى في حياتي طريقة تفكير الكردي وهمومه وإختلافها عن طريقة تفكير العربي ، وكذلك طريقة تناول بن الريف للامور بشكل يختلف عن إبن المدينه ، في جو من التنوع الغريب والمثير للدهشه .
وقد كان عقد اللقاء بحد ذاته تحديا كبيرا ، إذ كيف يمكن تصوّر جلوس كل تلك الاطراف المختتلفه المتنوعه من شيوعيين ويساريين وإسلاميين وأكراد وآشوريين أو سريان ، كيف يمكن تصوّر أن يضمهم محفل واحد وتحت سقف واحد ويعملون بإتجاه تحقيق هدف واحد هو  معارضة هذا النظام ومواجهته وتغييره .
وبإستثناء ترديدهم جميعا للنشيد الوطني السوري ووقوفهم دقيقة صمت على أرواح الشهداء السوريين الذين قتلهم  النظام من جميع المدن والقرى ومن مختلف الاطياف الفكريه ، فإن الاختلاف والتنوع كان السمه الاوضح أثناء مناقشة مختلف المواضيع مما حمّل القائمين على إدارة اللقاء جهدا غير عادي للوصول به الى آخر محطة وإختتامه اعماله  بشكل مقبول ، دون السقوط في فخ الفشل الذي كان يخطط له البعض على ما يبدو .
وبصراحة تامه ووضوح شديد ، لا بد من القول أن إدارة وتسيير أمور لقاء بهذا الحجم وبهذه المواصفات لم يكن أبدا أمرا سهلا وميسورا ، خاصة إذا علمنا أنّ روح التعدديه والقبول بالاخر وإحترام رأيه وموقفه ، كل هذا ليس من الامور المتأصله والمتجذره في العقليه والتفكير السوري او الشرقي بشكل عام ، لذلك فقد واجهت إدارة اللقاء المتمثله في الهيئه المنتخبه لادارة المجلس ، وأعضاء الامانه المنتهيه ، واجهوا صعوبات جمّه في تأليف وتنظيم هذا الخليط غيرالمتجانس من الناس ، وفي إرضاء من يزعل وتطييب خاطر من لا تعجبه نتيجة التصويت، او تخالف ما كان يأمله من توقعات لصالحه او لصالح حزبه ، وربما كان هذا هو أكثر الامراض إيلاما في تلك التجربة الفتيّه من تاريخ العمل السوري خارج حدود الوطن المحكوم بالنظام الدكتاتوري .
لذلك فقد كان من الطبيعي أن ترى إنسحاب البعض القليل ، بشكل معدّ مسبق أو أنه جاء كرد فعل على بعض المجريات التى لم تكن تروق لهذا البعض الذي فضّل ترك القاعه والانسحاب على مبدأ : إما أنا أو الخراب والفوضى لكل هذا الجهد الكبير .
في البدايه تم  إنتخاب هيئة رئاسة المجلس  ، حيث حصل السيد عبد الرزاق عيد على أعلى أصوات المشاركين مما فجّر وضعا قاسيا لان بعض من يعارضون وصوله الى ذلك المنصب يبدو أنهم يسيرون وفق تعليمات صارمه لجهة ما ، تعليمات تقول أنه لا يجوز أبدا أن يكون السيد عيد رئيسا للمجلس بسبب طروحاته المتحرره جدا والتى تصف الوضع الحالي في سوريه بكل ما فيه من قسوة ومراره ، وتشرح الطبيعه الطائفيه المحضه للنظام بلا رتوش أو تقية سياسيه أو خوف من أجهزة الامن السوريه .
ولكنّ حرص السيد عيد على الوفاء للاصوات الغالبيه التى إختارته للموقع ، وحرص الافراد الذين إنتخبوه على قيمة أصواتهم وأنهم ليسوا مجرد أحجار يتمّ تحريكها عن بعد من خلال إتصال هاتفي من هذا الجانب او ذاك ، كلّ ذلك أدى الى تفويت الفرصه على المحاوله اليائسه لتخريب أعمال المؤتمر وإفشاله ، حيث مضى المؤتمر الى نهايته وإنتخب أعضاء مجلس الامانه الدائم بشكل صحيح وشفاف وبعد مشاروات وتنسيق بين مختلف الكتل لايصال ممثليها الى الامانه العامه وقد بدا واضحا وجليا ان هناك تباين في وجهات النظر بين إدراة الاعلان في الداخل ، وإدارته في الخارج ، والحقيقه أنه لامر صعب ومهمة شبه عسيره أن تخلق هذا التوافق والتواؤم بين فئتين وفريقين كل يعيش ظروفا محتلفه ويتعايش مع واقع مختلف ويحكمه سقف مختلف ، فالاعلان في سوريه محكوم بظروف النظام والمخابرات والمزايدات الكاذبه  التى يفرضها النظام  على الناس والتى يعتبر من يخالفها من العصاة الذين يستوجب سجنهم ، والاعلان في الخارج يعيش حياة البحبوحة والحريه والقدره على التعبير تحت سقف مرتفع جدا لا يحتمله أعضاء الداخل ، وهذا ما يفسر التناقض الواقع بين إرادة الداخل وما يمكن أن يقبله ، وبين تصرفات الخارج ومن يمكن أن يحققه .
الخطوة الحاسمة الاولى إنتهت بنجاح ، لا أقول نجاحا باهرا مفعما بالامل ، ولكنه أيضا ليس فشلا كان يتمناه الكثيرون سواء المتربصون من أزلام النظام وأعوانه ، أو الشامتون ممن يريدون لهذا العمل أن يتفسخ . التحدي الان هو في إمكان القيام بالمزيد من الجهود لتحقيق الحد الادنى المطلوب من التنسيق بين تلك الفئات المتنوعه للوصول الى ما يشبه النواة الاولى لعمل سوري حقيقي متناغم تغلب فيه المصلحة العامه للبلد على النظرة الحزبية الضيقة للافراد ، وهذا ما ستثبته الايام لنعرف مدى قدرتنا كسوريين نعيش في الخارج بلا خوف ولا سجون ولا فقر ، كيف يمكننا أن نخطو الخطوة الاولى في وجه ذلك النظام الاثم ، أم اننا سنقف مجددا عاجزين حتى عن خطو تلك الخطوه.

المجلس الوطني لإعلان دمشق في المهجر رافعة جديدة
شكّل انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق في المهجر ببروكسل يومي السبت والأحد المنصرمين في تشرين الثاني الجاري ، خطوة جديدة على طريق استكمال بناء مؤسسات إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، وتعزيزا لمسار المعارضة السورية، وتلاحم رجالها ونسائها في المهجر والوطن، على العمل من أجل مستقبل سوريا الد يمقراطي.
فبعد الأزمات التي عاناها ائتلاف الإعلان في الداخل إثر انعقاد مجلسه الوطني في 1/12/2005 ، والتي نجمت في جزء هام منها، عن قمع الأجهزة الأمنية ، وامتناع سلطتها عن الاعتراف بالرأي الآخر، أتى نجاح أعمال المجلس الوطني في المهجرــ بدءا من تمكين لم شمل الأحزاب والمنظمات والمؤتلفة فيه من مختلف التيارات القومية واليسارية والليبرالية والإسلامية الديمقراطية إلى جانب المستقلين المنضوين في إطار لجانه، وبمشاركة بعض الضيوف من الشخصيات الوطنية، والذين تجمعوا من مختلف أصقاع الدنيا ومغتربات السوريين، إلى مناقشة تقاريره و إقرار لائحته الداخلية، وصولا إلى انتخاب هيئاته القيادية ــ أتى هذا النجاح، ليبرهن قدرة الديمقراطيين السوريين على متابعة طريقهم الشاق والطويل في التغيير والإصلاح الاجتماعي من جهة، وفي مواجهة ممانعة الدولة السلطانية وأخطبوط أجهزتها في الداخل والخارج، والتي لاتخفى على أحد.
في هذا السياق، أتى تذكير البيان الختامي لمجلس المهجر بمهام الإعلان وأهدافه، وتأكيده حاجة سورية إلى التغيير الوطني الديمقراطي، والذي رأى أنه عملية سلمية تدرجية آمنة وعلنية في آن معا. كما ذكّر مجددا بدعوة الإعلان المفتوحة لجميع القوى والأفراد، لاسيما السوريين الموجودين خارج بلادهم لأسباب مختلفة بما يمتلكون من طاقات هائلة علمية واقتصادية وثقافية وسياسية. ونظرا لإدراكه بأن إعلان دمشق لا يحتكر العمل المعارض، وأنّ صيغاً وأشكالاً مختلفة للتعبير عن إرادة الشعب موجودة وسوف تظهر دائماً وفي أي موقع أو زمان، فقد دعا السوريين في المهحر إلى التواصل والتزام مبدأ احترام الرأي الآخر ومبدأ الحوار وإلى العمل الدؤوب لتخفيف آلام شعبنا بسبب استمرار النظام بنهجه العاجز عن الإصلاح والرافضِ له. كما دعا الشعب السوري إلى نضالِ سلمي وديمقراطي متعدّد الأشكالِ، يؤدي إلى تحسينِ أوضاع البلاد وقدرتها على استعادة قوتها ومنعتها، ولعب دور عربي وإقليمي إيجابي وفعال.
وإذا كان من الطبيعي أن تكون هناك نواقص وثغرات وانتقادات في هذه التجربة الأولى لانعقاد المجلس المذكور، كما في أي عمل جماعي ائتلافي كبير على مثاله وظروفه، وبخاصة أن اجتماعه كان محاصرا إعلاميا ولم يحظ بتغطية إعلامية مباشرة ومتعددة كما تقدمها الفضائيات الشائعة، بل عرضته روايات فردية محدودة بطبيعتها، فإن نجاحه المشهود سيكتمل في إمكانية تشكيله رافعة جديدة، على طريق تطوير تحالف قوى وتيارات المعارضة السورية وعملها في الداخل من جهة، الشائعة، بل عرضته روايات فردية محدودة بطبيعتها، فإن نجاحه المشهود سيكتمل في إمكانية تشكيله رافعة جديدة، على طريق تطوير تحالف قوى وتيارات المعارضة السورية وعملها في الداخل من جهة، وعلى طريق تفعيل عملها الاجتماعي والثقافي وعدم قصره على الجانب السياسي والإعلامي وسط مجتمعات المغتربين السوريين من جهة أخرى، كما أشارت إلى ذلك إحدى كلمات التحية التي تلقاها المجلس.

هيئة التحرير 13/11/2010
موقع اعلان دمشق

هوامش أولية حول انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق في بروكسل
بين (وطنية المواطنة وأولوية الحرية الفردية) و(الوطنية السديمية وأولوية إسقاط الامبريالية!)
د. عبدالرزاق عيد
إن الانجاز الأول لانعقاد هذا المجلس ، يكمن في عملية انعقاده في ذاتها، بعد حرب باردة وساخنة شنتها وتشنها الأجهزة الأمنية على المجتمع المدني والمجتمع السياسي فدكتهما دكا … هذه الأجهزة الأمنية تعتبر – أيضا في ذاتها – المنجز الوطني والقومي الوحيد والممّيز للنظام في تاريخ سوريا!
لن نتحدث عن تاريخ هذه الحرب فيما يسمى بفتنة الثمانينات التي تم استثمارها لخوض حرب إبادة ضد السياسة باسم الحرب ضد مجموعة عشرات منشقة عن الأخوان المسلمين فيما سمي بالطليعة المقاتلة، حيث تم تتويج سوريا منذ لحظتها بوصفها مملكة أمنية للصمت ولثقافة الخوف … لتبدأ منذ هذه اللحظة حالة التطابق بين سوريا الواقع والخيال الروائي الذي دشنته رواية جورج أورويل الشهيرة 1984، حيث سيبرز الواقع السوري أشد خصوبة وكثافة من الرعب التخييلي الروائي، حيث قرئت -حينها- هذه الرواية، وكأن الكاتب كان يستحضر –هجائيا عنيفا- مستقبل فاشية زمنه في روايته، في صورة سوريا السجن الكبير الذي أبدعه الفعل الأمني في الثمانينات وهو يرسم صورة (سوريا الحديثة /سوريا الأسد) …
هذه الحرب الساخنة التي حرقت زرع المجتمع السياسي وضرع المجتمع المدني، ستتحول تدريجيا الى حرب باردة تمكن المجتمع السوري منذ بيان 99 أن يطل برأسه ويقول : أيها العالم نحن ما زلنا أحياء تحت الأنقاض … جمرا تحت رماد الحريق …
كان هذا البيان الذي وقعت عليه نخب المجتمع السوري : مفكرون وكتاب وأدباء وفنانون ومثقفون تكنوقراط ، كان إيذانا بأن المجتمع السوري المتفرد في تاريخ مواجهته للاستعمار وأسبقية تحرره منه عربيا ،لا يمكن أن يموت … عقب ذلك كان قيام لجان إحياء المجتمع المدني فيما سمي بوثيقة (الألف) وانتشار المنتديات في معظم المحافظات السورية، حيث مثلت نهوضا مدنيا سلميا ممتلئا بالحلم والطموح لاستعادة الشرعية الدستورية، واستعادة الممكنات التاريخية للانتظام بسيرورتها التي توقفت منذ عقود …وذلك تزامنا وتحايثا مع تحول العالم الى الديموقراطية التي حلت محل الاشتراكية بوصفها (سمة العصر)، بعد أن قامت الشرعيات (الثورية والانقلابية) بالانقلاب على كل مقومات كيان الدولة والمجتمع ،حتى وصلوا بسوريا لاستقطاب ثنائي حاد : لتكون ثنائية : سلطة/ورعايا -وثنا وعبيدا – عصابة/ورهائن، فقوضوا كل المكتسبات المدنية: الحقوقية والسياسية والإدارية التي أرغمت الحركة الوطنية الاستعمار على بناء انجازاتها الإدارية والقانونية ،حيث يعتاش المجتمع السوري إلى اليوم على بقايا النظام الإداري والحقوقي والقانوني الذي خلفه الاستعمار، من الذي تبقى و لم تطاله يد الفساد والخراب (الوطني والقومي) … والذي لا يزال يستمر تقويضه فسادا، وإلغاءاً للقضاء والقوانين بما فيها (القوانين الاستثنائية) ذاتها التي تتوفر على منظومة ما –وإن كانت غير طبيعية ولا أخلاقية ومتوحشة- لكنها لا يمكن أن تنصاع لـ(الاعتباطية المقيدة) التي تزعجها أية قوانين حتى ولو كانت (قوانين الطواريء)، وذلك في ظل النظام التوتاليتاري من نوع عسكري متخلف –حيث قتل الأنا القانونية وهلاك الأنا الأخلاقية- سيما عندما ينحل النظام الشمولي الى مستوى العصابة ..حيث كل شيء ممكن وكل شيء مستحيل في المجتمع الشمولي ذي البعد الواحد على حد تصوير حنة أرندت.
هذه السيروة التي بدأت (ببيان 99)، وتبلورت ونضجت في صيغة (لجان إحياء المجتمع المدني)، كانت قد شكلت نواة نظرية للخطاب الوطني الديموقراطي المدني المعارض في سوريا ،والذي سيتوج في إعلان دمشق من خلال تحقيق أعلى وأوسع وأرقى صيغة تنظيمية للمعارضة في سوريا، في كونه تمكن من أن يكون سقفا وطنيا للجميع ، للخلاصة الوطنية ذات الكثافة النوعية التي لم يطالها الخراب .. إنه عصارة سوريا المعنى المنتهك على مدى خمسة عقود ،المعنى الذي لم تفسده الفهاهة والرثاثة والرياء والنفاق والتدليس وروح العبودية ..
إن مسيرة الآلام الطويلة جمعت وأحاطت ولفت حولها كل التنوع والتعدد السياسي والثقافي والإثني، لقد استقطبت خلاصة التعدد والتنوع في معنى نوعي جديد لسوريا، مما كان يصعب جمعه واستقطابه حتى في مرحلة الاستعمار، حيث ظلت التيارات السياسية والفكرية تتنوع وتتعدد خارج الكتلة الوطنية الكبرى لحزبي (الشعب والوطني )، لقد كان الحزبان الوطنيان الشعبيان بأفق ثقافي ليبرالي ممثلان للنخب العليا المدنية الصناعية والأعيان الريفية… وذلك قبل أن تنحل النخب المدنية والريفية، كما ستتبدى في الزمن الشمولي الديكتاتوري … الكتلة الوطنية قائدة معركة الاستقلال لم تتمكن من تحقيق حالة (الإجماع الوطني على مستوى التعدد السياسي)، إذ ظلت تيارات كثيرة خارج الكتلة الوطنية : التيارات القومية اليسارية والإسلامية …كما وظلت الإثنيات القومية كالأكراد والآشوريين خارج هذا التكتل -الذي لم يستقطبها- الذي قاد سوريا برلمانيا وجمهوريا منذ قيامها 1920 حتى 1958 …
بينما مع إعلان دمشق سيتحقق الإجماع التعددي المتنوع المشار إليه، إذ لم يبق تيار فكري أو سياسي أو إثني لم يجد نفسه وبرنامجه في إعلان دمشق ..لقد تكثفت في الإعلان إذن الخلاصة المجتمعية النوعية لكل ما بقي واقفا خارج حالة الدمار الوطني والاجتماعي والأخلاقي والنفسي ..أي أن درجة المعاناة الشاملة للشعب السوري في ظل الشمولية الأمنية “الوطنية السديمية ” وحدت الناس ضدها بكل تياراتهم ومشاربهم السياسية وانتماءاتهم القومية ،بأكثر مما كانت عليه حالة المعاناة الشعبية والمجتمعية في ظل الدولة الكولونيالية الاستعمارية التي لم تتمكن فيه الكتلة الوطنية من دمج المجتمع السوري التعددي في إطار سياسي تنظيمي واحد كما سيفعل إعلان دمشق …
ولعل لحظة الإعلان هذه منذ تخلقها وإشهارها في 16/10/2005 مرورا بانعقاد مجلسه الأول 1/12/ 2007 ، تتويجا بانعقاد مجلسنا الوطني في المهجر -بروكسل 6/7/2010 .
نقول: إن لحظة الإعلان هذه بمحطاتها الثلاث ستكون الدينامو الاجتماعي لإعادة إنتاج “الوطنية السورية” التي وأد النظام الشمولي الأمني الأسدي – المفترض أنه بعثي قومي – تبرعمها وحوّلها الى (سديم )أغبر يتلاشى ويزداد كل يوم تآكلا وتفككا وانكفاء وهبوطا من الانتماءات السوسيولوجية – السياسية الأفقية، إلى الانتماءات الأهلية: الطائفية والعشائرية والعائلية العمودية التي يحكمها نظام القرابة على أسس روابط الدم …
ولعل البداية التأسيسية لعملية تفكك الوطنية السورية تبدأ من لحظة الانتقال من الشرعية الدستورية إلى الشرعية (الثورية /الانقلابية)، حيث إلغاء الحياة السياسية المدنية هي دعوة صريحة لإحياء الحياة الاجتماعية الأهلية القائمة على نظام القرابة … حيث التعبير الأكثر حضورا لنظام القرابة هذا، يتمثل بهذا التضافر والتواشج بين (الطائفية والعائلية)… إن إلغاء الأحزاب بل ورفض صدور قانون للأحزاب خلال الحقبة الشمولية التسلطية لا يمكن أن يرد عليه وفق قوانين الاجتماع البشري إلا عبر البحث عن البديل في صيغ التجمع الطائفي فالعشائري فالطائفي ما قبل المدني.
لقد ساهمت الأحزاب العقائدية التي تريد أن تحل أوطانها ( اليوتوبية/الطوبى : أممية شيوعية –أو أممية إسلامية – قومية عربية أو قومية كردية ) محل الوطنية السورية ،أي حلول الايديولوجيات ما بعد الوطنية ،ونقصد بالوطنية السورية في هذا السياق ،هو الانطلاق من مفهوم : سوريا أولا قبل أي اعتقادية ايديولوجية قومية عربية أو قومية كردية، عقائدية إسلامية أم علمانية، يمينية أم يسارية .. فكل هذه المنظومات هو تجاوز للوطنية المحددة والملموسة في نموذج (الدولة الوطنية) الحديثة، حيث كلها تحيل إلى أوطان يوتوبياها العقائدية ما بعد الوطنية من جهة ، مثلما يحيل نظام القرابة إلى (الوشائجية) ما قبل الوطنية من جهة أخرى، لكن التأكيد على أولوية الدولة الوطنية الديموقراطية الدستورية، لا يحيل أبدا دون العربي أو الكردي أن يعتز بقوميته وأن يحلم بطوبى مشروعه القومي العربي أو الكردي، لكن هذه الوطنية الدمجية والاندماجية لا تتيح للعربي السوري أن يعتبر أن العربي الموريتاني أو العراقي …الخ أقرب له من الكردي السوري … والعكس صحيح أيضا بالنسبة للكردي السوري، حيث مفهوم الدولة الوطنية والاندماج (المواطنوي) لا يتيح معرفيا وثقافيا أن يعتبر الكردي أخوته الأكراد الآخرين في كل أنحاء كردستان في (ايران –تركيا-العراق …الخ) أقرب له من العربي السوري…كما ولا يمنع الإسلامي من التطلع إلى عالم إسلامي يشكل قوة راجحة في الميزان الإقليمي وعالم المصالح الدولي ،لكنه عالم التكامل والتعايش مع الآخر العالمي بوصفه آخر في الإنسانية، من خلال اعتبار أن ثقافة حقوق الإنسان هي ثقافة كونية ليس خاصة بالغرب أو بالشرق، أي رؤية الآخر بوصفه محددا ومعرفا ومكملا للأنا، وليس (فسطاطا للحرب) أو تطلعا لأسلمة العالم، هذه المشروعية لأفق إسلامي عالمي يتكامل مع الآخر لا يتيح في منظور الدولة الوطنية أن يعتبر المسلم العربي أن الباكستاني المسلم أقرب له من القبطي المصري أو المسيحي السوري …!!!الخ
إننا عبر مفهوم (الوطنية/المواطنة) نتطلع إلى الوطنية التي تنكب على مفهوم المواطنة والحقوق في التساوي بغض النظر عن الدين أو الجنس ..المواطنة التي تعني تخطي التكسير الاجتماعي ما قبل الوطني : طائفي .. مللي نحلي من جهة، ومن جهة رفض التلاشي السديمي ما بعد الأنا الوطنية، باسم مواجهة بلاغية شعارية صوتية لفظية يعرف الوطنية بدلالة التناقض مع الآخر وضد الآخر الخارجي كغطاء لقمع وقهر الآخر الوطني من جهة أخرى …
فالوطنية السديمية بهذا المعنى ليست سوى الايديولوجيات الشعبوية التعبوية الشعارية ما بعد الوطنية ذات الضجيج البلاغي، حيث خمسة عقود من هذه (السديمية الوطنية المعدومة ملامح الهوية الوطنية) بما تتعرض له من الامتهان والقهر والتسلط والفساد، الذي مآله : تفكيك الدولة الوطنية إلى هويات عتيقة ، وقد أشرنا من قبل إلى أن إلغاء الحياة السياسية والمدنية والديموقراطية هي دعوة صريحة لإحياء الهويات العتيقة القاتلة ، بتعبير مباشر إن إلغاء الحياة الحزبية في سوريا كان من شأنه بعث هذه الهويات القاتلة المشار إليها، وشحن الحياة السياسية والثقافية بثقافة الكراهية عبر شيوع التوتر الطائفي الذي تستثمره إيران في محيطها الإقليمي العربي لخلق جيوب طائفية غير وطنية تنتمي للطائفة قبل الانتماء إلى الوطن ،ومن ثم تسعير الكره الإثني والقومي في صورة الحرب اليومية ضد الأخوة الأكراد (قتل شبابهم في خدمة العلم …ومسيرات الإعتقال اليومي )حتى بات خبر اعتقال الشاب الكردي حدثا عاديا كما كنا نسمع أخبار اعتقال الفلسطيني في الأراضي المحتلة ….ناهيك عن حالة التهميش والاقصاء للأشوريين السريان بما بات يغدو ظاهرة نزوح جماعي عن الوطن الأم الذي (يشكلون فيه الابن الأول لهذه الأم التي اتخذت من اسمهم ملفوظها (سوريا)، حيث السلطة السادية لا تكتفي بالإفقار المادي والسياسي والثقافي والأخلاقي لمجتمعاتها، بل تعمل على اجتثاث عمق ذاكرة التاريخ والجغرافيا السورية….
لقد شكل إلغاء الحياة (السياسية /الحزبية ) دعوة صريحة لقيام نظام حياة يحكمه التعصب ومن ثم تسلطية الطغم بوصفها (عصابات) استيلاء واستيطان، فعندما يحال بين الكائن الاجتماعي أن يمارس اجتماعيته عن طريق القنوات المؤسساتية الحديثة : الحزب – النقابة – النادي ..فانه سيبحث عن كائنيته الميالة عضويا (بوصف الإنسان حيوانا اجتماعيا سياسيا ) عبر الانشداد الغريزي للجماعة، فعندما تحرم الإنسان من حرية الاجتماع والسياسة ،فلن يبقى منه سوى الحيوان : (الغريزة الوحشية – العنف –السادية والإرهاب) التي يتم احتكارها –بدورها- تسلطيا وفئويا من قبل السلطة المافيوية ،فتغدو مجتمعات قطعان شاردة في مواجهة وحش السلطة الوثن، حيث العقل الغريزي التوحشي العنفي والإرهابي يتحول إلى سلوك نحو الآخر في الداخل الوطني وفي الخارج الاقليمي والدولي ، وباعتبار الخارج أقوى ،فإن إشباع النهم الغريزي التوحشي سيقع على عاتق الداخل، في مثال ما انحطت إليه الدولة السورية من النموذج الوطني الدستوري في المرحلة الليبرالية البرلمانية حتى أواخر الخمسينات،إلى تسلطية عارية في ظل الدولة الشمولية.
هذا الفهم للمسألة الوطنية بين المواطنة :حريات – مجتمع مدني – حقوق إنسان من جهة ، أي أولوية ولاية الذات على ذاتها، وبين –من جهة أخرى- فهم المسألة الوطنية بوصفها كيانا سديميا غائما بلا وجوه ولا ملامح ولا سيماء فردية ،حيث ولاية (الجهاز) على الفرد، من خلال طمس فرادة الأنا داخل هويات (جمعوية) وظيفتها أن تمارس وطنيتها وفق ثقافة الكراهية للآخر والبحث دائما عن عدو في الداخل أو الخارج : وهو دائما عدو لفظي( الاستعماروالامبريالية )، وباعتبار أن هذا المنظور للعالم غير واقعي وغير ممكن مع ازدياد وحدة العالم …حيث بمقدار تعولمه ،بمقدار ما تبدو هذه الأفكار كاذبة وزائفة وشعارية صوتية.
في المجلس الوطني في دمشق 1/12/2006 انسحب العقائديون الذين يفكرون بالوطنية بوصفها (سديما كليانيا) موجها للعداوة وكره الآخرين والحرب المؤبدة مع عدو دائم مفترض قابع في الخارج ..
إن بعض هذا التيار لم يتردد أن يخون رياض الترك ورياض سيف لقبولهما تلبية دعوة احتفال بالعيد الأمريكي القومي ..لكن مع ذلك -وربما بسبب ذلك – كانت الأغلبية مع التيار الوطني الديموقراطي الدستوري أي التيار المؤسس على مفهوم (الوطنية /المواطنة) في المجلس الوطني الأول لإعلان دمشق في دمشق 1/12 2007 …
إن الصورة ذاتها ستتكرر في مؤتمر المجلس الوطني لإعلان دمشق في المهجر المنعقد في بروكسل يومي 6/7/2010 ، حيث سينتج ذاته لصالح (الوطنية/ المواطنة) ،التي تعول على أولوية الحرية الفردية بوصفها أساس أية حرية اجتماعية، وليس ثمة تعارض، أي الوطنية المؤسسة على الشرعية الدستورية للدولة الوطنية الحديثة، دولة الحق والقانون والحريات السياسية وثقافة حقوق الإنسان بوصفها ثقافة كونية وتتأسس على منظومة قيم كونية قائمة على قبول الآخر في صيغة شرعية التعدد والتغاير والاختلاف ،وحيث لا حريات وطنية بلا حريات سياسية، وبهذا المعنى أتى المجلس الوطني في بروكسل مكملا ومتمما للمجلس الوطني في دمشق، يكرس أفقاً مدنياً ديموقراطياً وعقلانياً قادراً على تقبل الآخر والتعايش معه.
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى