صفحات ثقافية

‘الشيء الذي يخنقك’ لتشياماماندا نغوزي أديتشي: اهتمام جديد بالقصة القصيرة يعكس حالة التوزع والهجرة

null
إبراهيم درويش
وصف الكاتب الروسي ايفان تورجينف (1818 – 1883) القصة القصيرة أنها خرجت من معطف غوغول وهي التي تعود في تاريخها الى عام 1842. والوصف ان ادى الثناء، حيث يجب أن يوضع، الا ان هذا اللون الادبي دائما ما تعامل معه القراء كلون ادبي اقل من الرواية والشعر، فالقاص والاسم الذي يحمله كاتب هذا النوع من الاجناس الادبية يتعامل مع شخصيات غير الشخصيات الروائية وقد يتأهل احد افراد القصص القصيرة لان يلعب دور القيادة في عمل روائي قادم وهذا لا يعني ان الادب خلو من الاسماء فهناك قائمة من الرواد تبدأ بتشيخوف وتمر بـ’أو هنري’ ولا تنتهي عند القص والحكاية. وفي اصول الاجناس الادبية الحديثة في الادب العربي في الغالب ما تعارك النقاد حول الصالح والاصلح والاول والثاني. وفي رأي الناقد المعروف الدكتور احسان عباس ان الادب العربي لديه قصة وليس رواية، وفي مقابلة له قال انه يقرأ يوميا الكثير من المجموعات القصصية المهمة. والاسماء القصصية المعروفة عربيا كثيرة تبدأ من محمود تيمور (1894 – 1973) ويوسف ادريس (1927 – 1991) الذي عرف بتشيخوف القصة العربية. وما يجلب عادة المترجم الاجنبي للادب العربي هو هذا اللون ففي الاونة الاخيرة اطلعت على مجموعة من القصص تحت عنوان ‘قصة’ لمجموعة من القاصات الفلسطينيات المعروفات من تحرير جو غلينفيلد، وقدمت حكايات عن فلسطين، التاريخ والانتفاضة والمعاناة والمخيم بعيون نساء فلسطينيات.
إحياء أم موضة؟
وفي دور النشر البريطانية هذا العام ملمح هام يشير لعودة وإحياء لهذا النمط الادبي الذي ظل على جانب الرواية التي أكدت حضورها منذ عقود، هناك جوائز خاصة بالقصة القصيرة جائزة فرانك اوكونور (1903- 1966) والجائزة الوطنية للقصة القصيرة وهناك مهرجان واحد مكرس لهذا الفن. اضافة لاهتمام بمجموعات من القصص تعبر عن مظهر عالمي لها قاصات وقاصون من نيجيريا وزيمبابوي واوكرانيا ومن باكستان وبريطانيا يقدمون تجارب الهامش والاستبعاد وتجربة التوتر بين عالمين، الهجرة والوطن، ابطال يعانون من الرفض والعنف والتهميش، يمارسون الخداع والتمظهر بمظهر الحضارة هاربون من حقيقة انهم عمال ومنظفون او هاربون من الحروب. ما يميز التجارب الادبية الجديدة انها جاءت من كتاب يعيشون بين عالمين، في الغرب والشرق وهناك ثنائية واضحة في خيارات الابطال فهم اما يتحركون بين البنغال وبوسطن او لاجوس/نيويورك وهراري/ أوروبا واكرانيا/ نيويورك. كما اشير اعلاه فما يجمع هذه الاعمال هي قضايا تتعلق بالهجرة والتوزع بين مجتمعين، اي المنفى والرغبة بالخروج، والتهميش ومظاهر التوتر والتمرد عند الشباب، والعنف المحلي والعالمي. أبطال القصص في العادة متعلمون تجبرهم ظروفهم على خيارات غير جذابة. وفي داخل نفسيات اللاعبين نلاحظ خوفا وعدم استقرار، ومحاولة للتكيف داخل المركز. في العادة ما يقدم الابطال رؤاهم السياسية والثقافية بناء على مركزيتهم ووعيهم بما تكون لديهم عبر التجربة والملاحظة. ولا يعرف ان كان هذا الاهتمام بالقصة القصيرة مرتبط بالنجاح الذي حققته مجموعة جومبا لاهيري التي ترجمناها في حينها ‘أرض خصبة’ حيث احتلت المجموعة قائمة الكتب الاكثر مبيعا لدى ‘نيويورك تايمز’ أو مجموعة ايتجار كيرت التي تقدم صورة عن قلق حمل هوية الاسرائيلي. فقد لاحظ جيمس لاسدون في مقال في الملحق الادبي للغارديان نشر في الرابع من نيسان (ابريل) من هذا العام ان هناك اشارات عن تقبل دور النشر الكبرى لهذا الجنس الادبي الذي ظل يعيش على الهامش. كما ان هناك اهتماما من القراء بمعرفة حيوات كتاب قصة قصيرة في سير ذاتية صدرت عنهم ثلاثة وجدت رواجا عن حياة كل من بارثليمي وتشيفر وفلارني اوكونور. وصدرت هذا العام مجموعات قصصية لكتاب مهمين. هل هذا الاهتمام يعني ان القصة القصيرة اصبحت ظاهرة عالمية؟ في هذا السياق نقدم عرضا لمجموعة تشياماندا نغوزي اديتشي ‘ الشيء الذي يخنقك’ او الخناق. واديتشي صوت من الاصوات الروائية الجديدة في روايات الهجرة والمنفى فقد قدمت في السابق روايتها ‘نصف شمس صفراء’ والتي حازت على جائزة اورانج للرواية. وهي مجموعة من 12 قصة قصيرة والتي تدور معظم احداثها بين نيجيريا والولايات المتحدة، تظهر الكاتبة اقدار الابطال الذين يختارون المراوحة بين حياتين وحسهم بالخيانة الذي يظهر على طبيعة العلاقات بين الافراد، الابطال، الزوج والزوجة. لكن عين الكاتبة مفتوحة على المفارقة الساخرة بين الوضع في البلد الهارب منه الابطال، الفاسد، المتردي، الفقير سكانه، الا من حفنة، الذين يعانون غياب الحرية. المفارقة بين بلد لم تكتمل أدوات تقدمه وبين واقع منفتح متوفرة فيه كل الرفاهيات مما يجعل هم الابطال، سكانه يتوجه نحو مشاكل اخرى، الحد من السمنة، الحساسية الزائدة عن الحاجة تجاه العلاقة بين الاب والابن، والخوف من الشاذين الذين يتحرشون بالاولاد في الاحياء الهادئة.
مواجهة إسلامية – مسيحية في ظل العنف
في المجموعة قصة ‘تجربة خاصة’ ملاحظة عن العنف المحلي والديني الظاهر دائما في شمال نيجيريا بين المسلمين والمسيحيين. وهي وان حاولت في المظهر العام تقديم رؤية عن دفء العلاقات الانسانية حينما لا يتم ادخال الدين فيها، الا انها تقدم واقعا كئيبا في كانو، المدينة مركز العنف. والاصل في العنف هنا مبدؤه المسلمون ضد المسيحيين لكن الطرف الاخير يبدأ احيانا عمليات القتل والانتقام. في كل الحالات يتم تدمير الاسواق والحياة العامة، والجثث المرمية والمحروقة على الشوارع وحوافها. تشيكا طالبة متعلمة في كلية الطب تحضر مع اختها لزيارة عمتهما العاملة في سكرتارية المدينة وفي غياب العمة تقرر تشيكا واختها الخروج الى قلب المدينة التاريخية ليندلع العنف. وتجد البنت الشابة نفسها منفصلة عن اختها التي ضاعت في زحام الفوضى الناجم عن العنف في حضرة سيدة مسلمة تبيع البصل في السوق. وتجلس معها في غرفة في محاولة للاحتماء من الخطر. هنا في هذا الجو المعزول والغريب تبدو المفارقات واضحة بين امرأة تشكو من تشقق في حملتي ثديها بسبب الرضاعة وتشكو للطالبة المتدربة التي لا تعرف الكثير وتضطر للكذب ووصف نوع معين من الدهون لمساعدة المرأة. اديتشي في وصفها للمواجهة الانسانية والحميمية بين تشيكا والمرأة المسلمة تبدو واعية بتفاصيل الوضع والخوف والنمطية التي تبدو في مواقف البنت المتعلمة من امرأة لا يهمها من تكون الا ان توفر الحماية لها، وان تتأكد من ان ابنتها حليمة التي ضاعت في فوضى العنف سالمة وهي في بساطتها اي المرأة لا تجد حرجا من الدعاء لسلامة الابنة الضائعة والاخت ايضا لكن الشابة المتعلمة ذات المفاهيم المقولبة تجد من الصعوبة التعامل مع الواقع وحتى عندما تقوم المرأة البائعة في السوق للصلاة تحاول ان تتجنب النظر لحركاتها. المرأة تبدو متماهمية مع سياقها فيما تفشل تشيكا المتعلمة التواصل مع الواقع الذي اجبرتها الظروف عليه التكيف معه رغم تعليمها. طبعا هناك في الخلفية صورة عن فقر المسلمين في الشمال ونسبة تعليمهم القليلة فيما في الجانب الاخر تبدو فكرة التعلم لدى اليوروبا والايبو مظهرا من مظاهر تفوقهم على المسلمين، ولهذا نجد ان الجيش في نيجيريا يسيطر عليه الجنود من الشمال فيما يملأ التكنوقراط المتعلمين مراكز الدولة الاخرى من اليوروبا والايبو. وثمة حادثة يمارس فيها الطرف المسلم وحشيته على سائق سيارة يسحب من سيارته ويقطع رأسه بطريقة بدائية ويؤخذ للسوق من اجل تهييج الرعاع لكي يشتركوا في الحفلة. تيشكا لا تعرف شيئا عن طبيعة الوضع سوى ما تقرأه في الصحف الناطقة بالانكليزية او ما تسمعه من ‘بي. بي. سي’ عن مظاهر العنف الديني المندلع في الشمال. ثنائية العنف المسلم /المسيحي هي جزء من ثنائية الزمان والمكان في معظم القصص نيجيريا/ امريكا، ذكر/ انثى، ابيض/ اسود، عبد/سيد. وفي كل هذه الثنائيات تلعب الكاتبة على فكرة القوة والضعف حيث تتراوح درجة القوة لدى كل طرف من وقت لآخر.
مشكلة التكرار والخاطبة
مشكلة القصص ان كانت هناك مشكلة انه في حالة طرحها إشكالية التوزع والتمزق التي يعيشها الابطال تكرر الكاتبة نفس الموضوعات ونفس الانطباعات من قصة الى اخرى وتضطر لأن تلعب على نفس النمطيات، ففي قصة ‘الخاطبة’ او مرتبة الزيجات مثلا نرى طبيبا يحضر زوجة لم يرها معه الى نيويورك ليس لسبب الا انه يريد زوجة نيجيرية، الزوجة تأتي بالرزمة التي يحضرها القادمون معهم الى بلد العجائب، تنتظر بيتا وحياة مثل ما شاهدتها في افلام امريكا، لكن القصة تكشف عن دهشة المواجهة وتناقضها بين المتوقع والواقع، هنا الزوج الذي نعرف لاحقا انه غير اسمه النيجيري (اوفيديل اوديناوا) حتى يندمج كاملا في الحياة الامريكية الى ‘ديف’ ولان اسمه الافريقي صعب على السنة الامريكيين. في الرحلة الطويلة الى أمريكا تكتشف تشيانزا وهذا اسم العروسة اشياء لم تقلها لها الخاطبة، عن راتب زوجها وعن المقابلة التي عانتها أمام بوابات الهجرة، حيث تم فحص كل مادة طعام احضرتها معها وبطريقة تشي بتقزز موظفة الهجرة من الرائحة الحادة المنبعثة من انواع الطعام المجفف. في البيت تكتشف العروسة الجديدة كذب ما توهمته الخاطبة واوهمتها به عن الشقة التي تقع في حي المهاجرين. وتعرف عن عادات زوجها الطبيب الذي لم ينه تخصصه وانه ما يزال في المراحل الاولى من امتحاناته، وتكتشف حرصه في الانفاق وفوق كل هذا تواجه الصورة الحقيقية لتمزقه بين كونه نيجيريا وبين اعتقاده بامريكيته التي لا تأتي الا من خلال تقليد حياتهم في المطعم والملبس، فهو في اليوم الثاني يطلب منها التخلي عن طبخ الخضار والوان الطعام ذات الرائحة الحادة، منتقدا طريقة طبخ اهل بلاده ومؤكدا على ان ‘الامريكيين هم الذين يعرفون كيف يعملون الامور بطريقة صحيحة’ مع انه يستمتع بالرز المطبوخ بحليب جوز الهند الا انه يقبل مثل المتعبد الملتزم بصلاته على تناول المأكولات السريعة التي تقدم في اطباق من الكرتون. المهم في شخصية صديقنا ‘ديف’ انه مع اعتقاده ان طريق الاحترام في المجتمع الامريكي لا تكون الا من خلال محاكاتهم الا ان جارتهم في المجمع السكني، الامريكية التي تتصرف بطريقة عفوية تعامل الدكتور بصفته سباكا تطلبه ان يعدل حرارة مكيف بيتها. ديف، يغير اسم زوجته في الاوراق الرسمية الى اغاثا، ويطلب منها التحدث في البيت وخارجه بالانكليزية ويؤكد على ضرورة فهمها للمصطلحات الامريكية، صاحبنا لم يعد يشرب الشاي كما السابق بالحليب ويقول انه تعود على شربه اسود بالسكر، ويطلب منها ان تتوقف عن استخدام بسكويت واستبدالها بكوكيز وهو ما يستخدمه الامريكيون. المشكلة التي تطرحها القصة وبطلتنا لماذا اتعب الطبيب نفسه وطلب من امه ترتيب زواجه، يجيب الدكتور انه كان يبحث عن نيجيرية من اجل اولاده وفي عقله كان هناك شوق للزواج من عذراء. قصة الدكتور ديف مثل غيرها من القصص الخادعة التي تقع فيها العائلات عن رجال يأتون من الخارج يبحثون عن الاصالة بالزواج من بنات قومهم ثم يهربون بهن الى حيث يعيشون لتكتشف الفتاة الحقيقة المرة، الكذب والفقر والخداع والخيانة، تكتشف تشينازا أن زوجها متزوج من امريكية من اجل الاوراق حسب قوله وانه اقام علاقات مع جارته مزينة الشعر نيا. وتهرب من البيت لتعود اليه لأنها بحاجة اليه حتى تكتمل اوراقها وعندها يمكن ان تقرر البحث عن مصيرها.
حاضنة بمؤهل ماجستير
نفس الامر نجده في قصة ‘في يوم الاثنين من الاسبوع الماضي’ فتاة تضطر لان تتزوج مرة اخرى من زوجها حتى يتمكن من الابقاء على زوجته معه، وتضطر وهي الحاصلة على شهادة الماجستير العمل مثل الحاضنة في بيت يعكس كل التناقضات في البيت الامريكي، ام فنانة من اصل افريقي، واب موظف في وكالة ويهودي، وولد يقع في النصف بين التناقض هذا، المهم في قصة كامارا هي حس الخديعة في اكتشاف الكيفية التي تحول فيها زوجها الى شخص اخر غيرالذي عرفته في الجامعة، لا يتورع عن استخدام لغة الشارع معها حتى في سرير النوم. ان كان ديف في علاقته مع تشينازا يكشف عن التوزع والاضطراب في مواقف المهاجر من ابناء قومه وغياب تعاطفه مع المهاجرين من امثاله، فقصة كامارا تعكس ما يجري في البيت الامريكي من ناحية القلق على تربية الطفل والبرودة وغياب العلاقات الانسانية بين الاب/ نيل- الابن/ جوش، والا/تريسي، كامارا القادمة من افريقيا هي القادرة على اضافة نوع من الحرارة على البيت أما ما يجري بين الثلاثة فهو قائم على الحب الزائف، الحنان المصطنع والمادة، الابن لا يتجرأ على السؤال عن امه او النزول اليها في مرسمها لانها مشغولة. القصة تقدم اضاءة ناقدة على الحياة الامريكية بكل تناقضها وحسها المادي، كل شيء متوفر الا الامان الروحي.
افريقيا .. افريقيا
ديف، المهووس بكل ما هو امريكي يجد معادله في شخصية ‘الشيء الذي يخنقك’ عن فتاة تحصل على بطاقة اليانصيب المعروفة وتسافر الى امريكا للدراسة والعيش وتنتهي في ‘مين’ ومنها حيث تعمل في محطة بترول وتنتقل منها الى كونيكتيكت وفيها تعمل في مطعم، حيث تقابل معادلا امريكيا مهتما بها كافريقية، سافر وشاهد ويعرف الحدود الاثنية واللغوية والتاريخية لافريقيا على خلاف الامريكيين العوام الذين يربطون كل اسود بجامايكا ويربطون افريقيا بالايدز فهو يحب الحياة الشعبية التي جربها في بومبي وشنغهاي ولاغوس.

زنزانة 1
في القصة الافتتاحية للمجموعة ‘الزنزانة -1’ ملاحظة عن القمع والرشوة والفساد داخل نيجيريا يساق اليها والدان متعلمان ومدرسان في الجامعة بسبب تصرفات ابنهما ‘نانمبيا’ فهو يدبر سرقة بيت والدهما في لاغوس. لكن القصة ليست عن السرقة بل عن الثقافة الهامشية بين طلاب الجامعة، والعصابات التي ينغمس فيها الولد وتنتهي به للسجن. وهي ايضا عن نظام القمع في عهد اباتشا وتحول التهمة الصغيرة الى كبيرة تؤدي للموت، زنزانة واحد هي رمز عن القمع الذي ينتهي بمن يدخلها كجثة هامدة. تلعب القصة على وتر العلاقة الابوية والتصاق الاب والام بالابن المتمرد والسارق وفيها لحظات درامية خاصة عندما تحضر العائلة لاخراج الابن من السجن لتجد انه نقل لمكان آخر مما يعني موته، لكن ما يكتشفه القارئ هو خطأ في التواصل بين الحراس والمسؤولين، مما يعطي صورة عن فوضى نظام السجن في عهد اباتشا، المشكلة ان كانت هناك مشكلة ان الابن المتمرد لا يتم رفضه من العائلة ففي داخله صلاح عندما يهب الى نجدة عجوز في السجن كان محلا للسخرية. لكن القصة لا تتجاوز في استعراضها الا حيوات المتعلمين والذين يعيشون حياتهم بعيدا عن المجتمع الذي حوله العسكر الى ثكنة. ‘محاكاة’ هي حكاية عن التوزع والشك في علاقة زوج سافر الى نيجيريا من امريكا في رحلة عمل وشك زوجته التي تركها في امريكا بزواجه في هذه الرحلة. محاكاة هي قصة عن التوزع بين البقاء في أمريكا والعودة الى نيجيريا والصوت العالي فيها ليست صوت الانثى بل صوت الرجل اوبيورو الذي يعتقد ان بيده مفتاح الامر.في قصص الهجرة تبدو اديتشي اسيرة للنمطيات التي يحملها كل عن الاخر، لكن القصة الاولى التي اشرنا اليها مع قصة ‘أشباح’ محاولة لاستكشاف نيجيريا سياسيا فهي عن مواجهة بين مقاتلين شاركا في حرب بيافرا، يعتقد واحد منهما ان من يقابله مات منذ زمن طويل.
أبطال حالمون ومتعلمون وهاربون
أبطال وبطلات اديتشي متعلمون حالمون متناقضون لكن الصوت الحاضر في كل القصص هو المرأة والصوت ليس متعددا فهو من اتجاه واحد، يتم بحكاية الانا او هي وهو وينفتح الافق على خيارات متعددة واشكال من الحياة الباحثة عن مصيرها. وتبدو اديتشي في اتم وعيها عندما تبحث في واقعها ولكنها قد تقع في اسر النمطيات وتدخل بطلاتها في حوار حول كونراد وثقافة ما بعد الاستعمار ونقد تشينو اتشيبي لكونراد وكونه لم يقدم جديدا في هذا النقد. لكن جمالية القصص التي تنتهي احيانا بنهايات مفتوحة هي بساطتها واصالتها التي تبدو في امتناع الكاتبة عن ترجمة المصطلحات بلغة اليوروبا والايبو تاركة المجال امام القارئ لحدس معنى الكلام او اسم وجبة الطعام ومحتوياتها. فالطعام هنا ذو رائحة حادة، ومعه رائحة السوق الشعبي الذي يلف اللحم المتطاير حوله الذباب باوراق الجرائد القديمة.
قصص… قصص
مع مجموعة اديتشي هناك مجموعات اخرى منها للكاتبة الاوكرانية سانا كراسيكوف المولودة في اوكرانيا، تربت في جورجيا وتعيش في نيويورك انعكاس عن هذه الجوانب في مجموعتها ‘عـام آخر’. وفيها انعكاس لهموم الكتـــابة الجديدة حكاية ‘اصال’ المسلمة، امرأة متعلمة تجد نفسها تواجه خيار العمل كمنظفة حمامـــات في نيويورك.
وهناك مجموعة ‘عجائب اخرى’ لدانيال محي الدين، و ‘مرثية لايسترلي’ لبتينا غابا (زيمبابوي)، ‘كل شيء نهب كل شيء احترق’ لويلز تاور اضافة الى مجموعة كازو ايشيجورو ‘المقطوعات الحالمة’. كل هذا اشارة احياء للاهتمام بالقصة القصيرة التي كانت دائما موجودة ولم تختف وربما جاء الاهتمام بمثابة المودة او تغيير المزاج لدى دور النشر.
كاتب من اسرة ‘القدس العربي’
عنوان المجموعة بالانكليزية
The Thing Around Your Neck
By:Chimamanda Ngozi Aichie
Fourth Estate
London/2009
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى