لمن “مجد لبنان”
سعد محيو
هل جاء طيب رجب أردوغان إلى لبنان ليُثبت وجود تركيا، بعد أن سبقه محمود أحمدي نجاد في نيل ما يسمى في الأدبيات المارونية “مجد لبنان”؟
ثمة إغراء للقفز إلى حصيلة كهذه . فقد استعادت زيارة رئيس الوزراء التركي الكثير من مظاهر زيارة رئيس الجمهورية الإيراني، من حيث الحفاوة الشعبية الحاشدة التي لم يحظ بها عادة في لبنان سوى قادة عرب أو بابوات روما، إلى الاستقبالات الرسمية المتواصلة التي أبرزت وحدة لبنان إزاء تركيا في ذروة انقساماته المحلية السياسية .
وإذا ما أردنا الذهاب في هذا المنحى أكثر، سنقول إن أردوغان وأحمدي نجاد، وعلى رغم حرصهما على إعلان الوقوف على مسافة واحدة من كل الطوائف والمذاهب، إلا أن المناطق الشعبية التي زاراها يغلب عليها أساساً طابع اللون الواحد .
ثم: لا يجب أن ننسى هنا أن الأفرقاء اللبنانيين الذين “أدمنوا” التبعية للخارج، لم يدعوا فرصة هاتين الزيارتين تمر من دون محاولة تجييرها، كالعادة، طائفياً أو مذهبياً .
لكن، وبعد كل شيء عن “اللوثة اللبنانية” التي ربما أصابت الزيارتين، نستطيع الجزم بأن الأتراك والإيرانيين ليسوا في وارد المجابهة أو التنافس على النفوذ في الشرق الأوسط .
صحيح أن البلدين يتباينان في العديد من التوجهات، من طبيعة النظام السياسي في كل منهما إلى جوهر انتماءاتهما الإيديولوجية والثقافية، إلا أن ذلك لا يترجم نفسه صراعاً على السلطة في المنطقة . ليس بعد على الأقل .
العكس قد يكون صحيحاً في هذه المرحلة التاريخية . فهما يعتبران، وعن حق، بأن ما يستحقان من حصص في نظام الشرق الأوسط يجب أن يأخذاه من “إسرائيل” وليس من بعضهما البعض، خاصة بعد أن سيطرت هذه الأخيرة على النظام غداة انحسار النفوذ المصري فيه .
وهذا ما يخلق الآن حالة فريدة في تاريخ الشرق الأوسط . ففي الماضي، كان صعود إحدى هاتين القوتين الإقليميتين يُحتّم هبوط الثانية . وحين يحدث أن تصعدا معاً، يكون الصدام حتمياً، كما حدث مع الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية، ثم بين العثمانيين والصفويين الذين خاضوا حروباً دامية أثخنتهم بالجراح وسهّلت اجتياح الغرب لكل المنطقة .
لكن الآن يبدو أن تركيا وإيران تصعدان معاً من دون أن تصطدما . فكل منهما حريصة على إبداء أقصى درجات التعاون مع الأخرى، على رغم أن الأولى عضو في حلف عسكري غربي (الناتو)، فيما الثانية تسعى إلى إقامة حلف عسكري “إسلامي” ضد الغرب .
بالطبع، قد لا تسير الأمور دوماً على هذا النحو السلس . إذ إن أي تطورات من نوع تدخل الجيش التركي العلماني مجدداً في الحياة السياسية التركية، سينسف بجرة قلم كل توجهات “العمق الاستراتيجي” التي وضعها حزب العدالة والتنمية الحاكم، كما أن أي سوء حسابات من جانب إيران في مجالي الأسلحة النووية أو العراق أو الأكراد، سيؤدي إلى فراق أو حتى صدام بين الطرفين .
لكن، حتى الآن، يتدبّر هذان الطرفان ذوا التاريخ الإمبراطوري المديد أمر صعودهما المشترك بشكل حكيم ومتزن .
وهذا مدعاة للتصفيق والترحيب لأنه يستعيد لنظام الشرق الأوسط وجهه الإسلامي الطبيعي، رغم أن ثمة غصّة في القلب لغياب العنصر الثالث الذي يشكّل الأكثرية السكانية في هذا النظام: الأمة العربية .
الخليج