صفحات العالمما يحدث في لبنان

تركيا بين “اللوبي السعودي” و”اللوبي الايراني” في بيروت

جهاد الزين
صنع “اللوبي السعودي” عبر حصانه اللبناني الذهبي آل الحريري… زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الى لبنان.
“اللوبي السعودي” صنع الزيارة… و”اللوبي الايراني” تفرّس فيها وتكيّف معها، لاسيما ان “الحصان اللبناني” يستعد سريعاً لزيارة طهران… فيقوم سعد الحريري كرئيس للوزراء بما لم يجرؤ عليه او عجز عنه، سلفه فؤاد السنيورة.
لم يكن ممكناً الا ان يرحب الايرانيون الرسميون بالزيارة حتى لو انزعج “اللوبي الايراني” اللبناني من بعض صياغاتها، وهي صياغات لبنانية لا تركية، بل هي صياغات بعض “اللوبي السعودي” اللبناني وليست صياغات سعودية قطعا.
تركيا ليست منافسة لايران على لبنان. ففي الصراع الفعلي، التجاذب هو بين ايران الممسكة شعبياً وامنياً ومصالحياً وسياسياً (وتحالفياً) بالطائفة الشيعية في لبنان، وبين المملكة العربية السعودية الممسكة شعبياً ومصالحياً وسياسياً بالطائفة السنية في لبنان.
لا نفوذ سياسياً مباشراً اذن لتركيا في لبنان. تميزها الوحيد المباشر هو في “كفاءتها” الاقتصادية وخصوصا بضائعها الصناعية ونسبياً الخدماتية وبشكل متدرج الاستثمارية. اما في الاستقطاب السياسي فتركيا تدخل لبنان – جدياً – من بواباته السورية – السعودية، الايرانية وبصورة اكثر ديناميكية عبر علاقاتها بل شراكتها الوطيدة مع سوريا.
حضور تركيا اللبناني هو امتداد لنفوذها الكبير المتصاعد في المنطقة، ولموقعها المتقدم الدولي والاقليمي في السنوات الاخيرة. حين نقول “المنطقة” اي ما يحب ان يسميه المعلقون الاتراك وزعماء “حزب العدالة والتنمية” لاسيما وزير خارجيتهم احمد داود اوغلو: الشرق الاوسط. هذه المنطقة التي هي واحدة من اربع مناطق عزيزة على الجيوبوليتيك التركي: البلقان، القوقاز، البحر الاسود… والشرق الاوسط.
في الكلام عن “الشرق الاوسط” يمكن الحديث عن نفوذ تركي مباشر: العلاقة مع سوريا، العلاقة مع ايران، العلاقة مع السعودية (ودول الخليج) وسابقا كانت العلاقة مع اسرائيل احد المرتكزات بل احد عناصر قوة هذا النفوذ. انها الخسارة – اي الخسارة التركية لاسرائيل – التي تعوّضها الآن تركيا بمظلة انخراطها الاطلسية لاسيما بموافقتها على استراتيجية الحلف الاطلسي الجديدة الواضحة والغامضة. الواضحة في عرضها الشراكة على روسيا و”الغامضة” في تحديد اعدائها الجنوبيين.
الانخراط الاطلسي لتركيا بات له معنى اساسي اضافي هو التأكيد على التزامها الغربي للحد من اضرار فقدانها للعلاقة مع اسرائيل. وهذه هي الطريقة الوحيدة في مجال اختبار غير مسبوق للسياسة التركية حيال اسرائيل للوقاية من آثار سلبية تنتج عن تدهور العلاقة الاسرائيلية – التركية.هذا هو لبنان الذي ستزداد الصادرات التركية اليه مثلما تزداد الى سوريا والعراق والاردن ومصر والخليج. منطقة نفوذ تركي غير مباشر رغم الاحترام العميق الكبير الذي حصلت عليه التجربة التركية الاقتصادية والسياسية في العقد المنصرم… احترام النخب اللبنانية (والعربية).
… حتى بالمقارنة مع العراق – والعراق ولبنان اصبحا قابلين للمقارنة بل للمحاكاة على اكثر من صعيد – يمكن القول ان النفوذ التركي مباشر في عدد من الدوائر العراقية، لاسيما في مناطق الوسط الشمالية العربية (الموصل) او في مناطق الأكراد. اما في لبنان فحتى العلاقة الخاصة مع آل الحريري لا تسمح بذلك لسببين لأن آل الحريري سعوديون اولا، مثلما حزب الله ايراني أولاً، ولأن هذه العلاقة الخاصة تأتي من كون آل الحريري هم “المجموعة الفردية” الاستثمارية الاولى في تركيا (عبر البنك العربي) بمعزل عما آل اليه توزيع الاسهم داخل المجموعة العائلية نفسها! وأتذكر في هذا المجال كيف أن سفيراً تركياً اخبرني في التسعينات ان بعض رجال الأعمال الأتراك الذين التقوا رفيق الحريري في بيروت – كرئيس للوزراء – وتوقعوا منه كما يفعل أي مسؤول في أي بلد أن يسألهم عن مجالات الاستثمار في تركيا فاذا بالجلسة تتحول الى جلسة أسئلة من رجال الاعمال الأتراك لرفيق الحريري الذي أخذ يخبرهم بدقة عن الحاجات الإستثمارية في عدد من القطاعات الاقتصادية التركية.
العراق منطقة أخطر وأهم لتركيا أمنياً وإقتصادياً وسياسياً من لبنان بكل المعايير، وربما لهذا السبب ومنذ ما قبل الانتخابات العراقية الأخيرة وخصوصاً بعدها وحتى تكليف رئيس الوزراء، وجد بين القوى العراقية من ينتقد السياسة التركية في العراق لفترة، حتى في بعض الأوساط الشيعية، ولكن في لبنان لا اساس لأي تخيلات حول السياسة التركية بمعزل عن الكيديات المتبادلة بين بعض “اللوبي الإيراني” وبعض “اللوبي السعودي”، وكلاهما لبناني حتى حين تكون العلاقات السعودية – الايرانية تشهد نوعاً من “الهدنة”، لاسباب عديدة على رأسها الدور السوري في لبنان.
سوريا هي الباب الرئيسي للحضور التركي في لبنان. لا الباب السعودي ولا الباب الايراني على أهمية وعمق العلاقة بين تركيا وكل من ايران والسعودية.
“الدولة – الأمة” التركية في تاريخها المتواصل الدقيق والسلمي مع “الدولة – الامة” الايرانية منذ إنتهت الحروب العثمانية الصفوية… تستقر على علاقة دقيقة من التوازن والمصالح التي تبلغ الآن مستوى عالياً من التشابك. كما ان العصور الحديثة تشهد إنخراطين أيديولوجيين مختلفين لكل من تركيا وايران، ومع ذلك فالدولتان – الامتان تختبران بنجاح علاقة تفاهم وتعاون عابر للخلافات… وهذا ما ينبغي فهمه بعد تجديد الانخراط العسكري التركي في المنظومة الاطلسية المعادية لايران بدون تسمية ايران. لقد انسحبت تركيا من الملف النووي الايراني بعد الصفعة الاميركية برفض اي دور لها (مع البرازيل) في هذا الملف. وتحاول احتواء خلافها غير المسبوق مع اسرائيل بمزيد من الولاء الاطلسي الاستراتيجي ايضاً، مثلما فعلت في فترة الحرب الباردة باستخدام الانتماء الاطلسي لاحتواء مشاكلها الاستراتيجية مع اليونان اذا جاز التشبيه نسبياً، فالخيار التركي الغربي هو المظلة التركية ضمن خيار عميق تحديثي سياسي، جعلها سابقاً الدرع الجنوبي في مواجهة الاتحاد السوفياتي ويجعلها اليوم، ضمن دينامية جديدة تحاول لعب دور “الدرع” و”التواصل” معاً!
يطالب الوزير احمد داوود اوغلو في كتابه “العمق الاستراتيجي” بإنهاء دور “تركيا الجسر” ويدعو إلى تغيير يجعل تركيا “دولة مركز” مؤكداً الحاجة إلى سياسة انفتاح سلمي (صفر مشاكل) عبر الحدود وليس سياسة دفاعية انكفائية جعلت تركيا في السابق هامشية في منطقة الشرق الاوسط. فإحدى الخلاصات الرئيسية في الكتاب هي التشديد على دور تركيا كصانعة استقرار في محيطها.
أما بعض “اخواننا” اللبنانيين فليهدأوا تأييداً واعتراضاً حتى لا يقعوا في سذاجة تخيل دور مذهبي لتركيا، لا تريده تركيا لا في لبنان ولا في المنطقة، تملي به عليهم مخيلتهم الآتية من نظام سياسي طائفي مريض جداً. وهو اليوم نظام طائفي سني – شيعي بتقاليد دستورية مسيحية – اسلامية.
يجب ان نتعود على بنية دولة حديثة هي تركيا حتى لو حكمها “اسلاميون” لا يحبون ان يسموا انفسهم “اسلاميين”!
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى