المعارضة مسؤولية وطنية
شاع مصطلح المعارضة في الأدب السياسي الحديث ، فاعتبر من وقائع الحياة السياسية اليومية في النظم الديمقراطية، واندرجت تجلياته في مختلف مؤسساتها الرسمية والقانونية، كما أصبح دليلاعلى مستوى نضج الكيان الوطني للدولة، ومعيارا على توفرالتداول والمشاركة في قراراته، لدرجة أن الأحزاب المعارضة كثيرا ما تشكل حكومات ظل في بعض البلدان، وتتلقى دعما رسميا من موازنة حكوماتها .
وإذا كانت المعارضة السياسية حقا من حقوق المواطن والحركات الاجتماعية، كفلته القوانين والنظم الدستورية ، فإنه واجب أيضا تمليه مسؤوليات المواطنة ودورها في بناء النظم وخدمة المجتمعات. وهو باختصار ليس إلا تطبيقا لحق التعبير عن الرأي الذي نصت عليه الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وقد برزت خاصية الاعتراض فيه من اتخاذه شكل الجهر بالرأي الآخرفي مقابل الرأي الأول الرسمي أو السائد، والرد عليه بالحجة والبرهان، واقفا له في طريق الخطأ، ومبينا لجمهورالمواطنين الطريق البديلة .
لذا كان من المشروع لحق الاعتراض أن يتبدى في أرقى أشكال الصراع الاجتماعي، ومن ثم أن يتخذ من السياسة والاهتمام بالشأن العام أسلوبا وطريقة. الأمر الذي لايجعل الاعتراض هوية ثابتة مغلقة على حاملها، بل يجعله مجرد مرحلة تتداولها الأحزاب والجماعات في سبيل تحقيق أهدافها وبرامجها. فمن يكون معترضا منها اليوم قد يصير مواليا غدا ، وبالعكس سينقلب الموالي معارضا. وذلك دواليك في إطار مشاركة وطنية مفترضة، لايزعم فيها أي فريق امتلاك الحقيقة والمعرفة المطلقة، كما لا يمكن له تبرير حيازة السلطة ومصادر القوة باستمرار، فالكل مشاركون في تجربة تاريخية تخضع دوريا لتقويم عامة المواطنين، وتصويتهم في الانتخابات مصدر كل شرعية وتداول.
وعلى الرغم من الوضع الشاذ للعلاقة بين الحكم والمعارضة في أغلب البلدان العربية ، فإن من المفترض أن يخضع الطرفان لنفس معايير الدولة الدستورية الآنف ذكرها، والتي لا يكف الجميع عن التغني بها نظريا على الأقل . ما يعني، أن مسؤولية المعارضة، في كل مكان وفي بلدنا سوريا أيضا ، لا تقل عن مسؤولية الحكام وفريق موالاتهم بل هي أكبر، إذ أنها تزعم فشل الأخيرين في تحمل مسؤولية الحكم وسياسته الصالحة ، وتدعي توفر بدائل مستقبلية كامنة لدى جموع السوريين المقيمين منهم والمغتربين، يمكن لبرامج تغييرديمقراطية الطابع وحدها، أن تفتح الباب أمام استثمارإمكاناتها المضيّعة في التنمية وإصلاح مشاكل البلاد والعباد.
ومن المفهوم هنا، أنه لايمكن للشتائم والتعابيرالقيمية أن تسهم في صياغة برامج التغييرالمأمولة، مهما دعمتها الاستعارات اللغوية والجمل الثورية، فتلك أمور لا تنفع إلا في شجار الشوارع أو حلبات المصارعة، ووحده الخطاب العقلاني يمكن أن يكون مفيدا ويؤهل المعارضين للقيام بمهامهم بجدارة. كما أن ردات الفعل ونزعات السخرية والتنفيس عن الغضب والمزاج الشخصي، لا تبني سياسة ومواقف مسؤولة، فالعواطف كما الحقد موجه سيء في السياسة، حسب قول شهير.
وهذا يفترض من مختلف فصائل المعارضة الوطنية السورية، الانصراف إلى الدراسة العلمية للمجتمع ومشكلاته، واستخدام الخطاب الهادئ في عرض البرامج والحوار حولها، ودعوة السوريين إلى الالتفاف حول مطلب التغيير الوطني الديمقراطي، الذي دلت التجربة التاريخية إلى ضرورة أن يكون سلميا وآمنا وتدرجيا وعلنيا، فذلك ما تستحقه مسؤولية المشاركة في العمل من أجل سوريا المستقبل.
هيئة التحرير 27/11/2010
موقع اعلان دمشق