صفحات العالم

من يربح العراق ؟

سميح صعب
بعد نتائج الانتخابات العراقية التي لم تفرز فائزاً واضحاً، تشتد المنافسة داخلياً وإقليمياً لرسم ملامح المرحلة المستقبلية في هذا البلد، لا سيما مع التقدم نحو استحقاقات مهمة ابرزها الانسحاب العسكري الاميركي بحلول نهاية 2011. ويعكس التعقيد الاقليمي نفسه على الداخل العراقي المتشابك والمعقد أصلاً بسبب تركيبته الطائفية والمذهبية والعرقية.
ويلقي الصراع الاميركي – الايراني بثقله على العراق هذه الايام. فواشنطن التي تستعد للرحيل عسكرياً لا تريد ان يؤثر ذلك على نفوذها في هذا البلد، في حين لا يبدو سهلاً اقتلاع النفوذ الايراني بحكم العلاقة التي تربط طهران بالاحزاب التي حكمت العراق بعد الغزو الاميركي.
وكما تسعى واشنطن الى بقاء أي سلطة تنشأ في العراق صديقة وحليفة لها، فإن أي حكم في بغداد لن يكون في امكانه الانقلاب على ايران والتحول خصماً لها. لذلك فإن الولايات المتحدة اليوم تحشد تأييداً دولياً لفرض عقوبات جديدة على طهران ليس بسبب برنامجها النووي كما هو معلن، بل ان العقوبات تتعدى ذلك الى محاولة الضغط على ايران كي تحد من نفوذها في العراق.
ويكتسب الالحاح الاميركي على فرض العقوبات على ايران في الوقت الذي يجري البحث في التشكيلة الجديدة للحكومة العراقية، بعداً مهماً في سياق الضغط الاميركي لمحاصرة النفوذ الايراني سواء في العراق او في افغانستان حيث يتصاعد الحديث عن دور في تهريب الاسلحة الى افغانستان.
ثم ان الولايات المتحدة تسعى الى محاصرة النفوذ الايراني بوسائل شتى. فرئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي جون كيري يزور لبنان وسوريا “للبحث في افاق عملية السلام” في الوقت الذي يشتد الضغط الاميركي على طهران. وفي هذه الخطوة رسالة اميركية مفادها ان واشنطن تسعى الى تحريك عملية السلام في المنطقة على كل المسارات وليس على المسار الفلسطيني فقط.
ولا يمكن فصل المطالب التي تقدم بها الرئيس الاميركي باراك اوباما الى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من اجل تحريك المفاوضات على المسار الفلسطيني، عن سياق الحملة الاميركية لكسب تعاطف العرب في سياسة الضغط الاميركي على طهران. وكان نسف اقتراح الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى باجراء حوار عربي مع ايران، تعبيرا واضحاً عن ملاقاة بعض الدول العربية اميركا في الضغط على ايران ليس بسبب برنامجها النووي وإنما بسبب نفوذها الاقليمي من العراق الى غزة.
ولئن كانت ايران تدرك ان اتساع نفوذها الاقليمي هو السلاح الاقوى في مواجهة الضغوط الاميركية، فإنه من غير الوارد تقديم تنازلات للولايات المتحدة، خصوصاً في ما يتعلق بتركيبة الحكومة العراقية المقبلة، لذلك ليس وارداً ان تتخلى طهران عن دعم الاحزاب الدينية الصديقة لها. وهذا الامر يضيّق هامش المناورة امام واشنطن للاتيان بوجوه جديدة الى رئاسة الحكومة العراقية المقبلة.
واحتدام المنافسة الاميركية – الايرانية في رسم الخريطة السياسية الجديدة للعراق، يجد تعبيراً له في التأزم الحاصل في الملف النووي الايراني، بحيث تتبدد مساحة الحوار من امام الاتجاه مجدداً الى اعتماد سلاح العقوبات للتعامل مع هذا الملف. وكل هذا الحشد الغربي للعقوبات والتنازلات الاميركية لروسيا والصين من اجل الحصول على دعمهما للعقوبات، يفسر رسالة الضغط الاميركية على ايران.
ويزيد التأزم الاقليمي الذي يرخي بظلاله على المشهد السياسي العراقي الهش، من شرذمة الوضع الداخلي، ويجعل مسألة تأليف حكومة جديدة في وقت قريب عملية صعبة جداً. فالصراع بين واشنطن وطهران هو صراع على العراق، البلد الذي كان يملك في يوم من الايام وزناً ونفوذاً اقليميين قبل ان يتحول هو نفسه ساحة للصراع.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى