ثمن العلاقات غير المتكافئة
خيري منصور
قد تكون العلاقات غير المتكافئة بين دول أو بين أفراد وأحياناً تكون من صميم الطبيعة ذاتها عندما تضيق أرض ما بما يتساقط عليها من أمطار، لكن ما يهمنا في هذا المقام هو اللاتكافؤ في العلاقات بين الأفراد، لأن لهذه الظاهرة أبعاداً اجتماعية تقع عليها العين المجردة في حياتنا اليومية، ولهذه العلاقات غير المتكافئة أثمان قد تكون باهظة على الطرفين، لكن بطرق مختلفة، وهناك من الأشخاص من يدفع ثمن اللاتكافؤ أثناء حياته مقابل من يدفعون أضعاف الثمن بعد رحيلهم، وهنا قد يكون الصديق الخالد محمود درويش نموذجاً يستضاء به، فقد استثمرت العلاقات غير المتكافئة أو ما كان يسميه أثناء حياته الصداقة من طرف واحد على نحو يخلو من الفروسية، فمن تبادل مع الرجل جملتين وقوفاً في حفل استقبال ألف عنه كتاباً ومن شرب معه القهوة في صالة مطار أو على هامش أمسية شعرية أوشك أن يقول إنه هو الذي أوحى له بقصائده إن لم يكن قد كتب له بعضها .
محمود كشاعر مجرد مثال، لكن هناك زعماء وساسة ومشاهير في مختلف المجالات تورطوا بعلاقات غير متكافئة رغماً عنهم، فالزعيم الذي يستقبل سفيراً جديداً في بلاده لبضع دقائق لا يعرف أن هذا السفير قد يؤلف عن تلك الدقائق البروتوكولية العابرة مجلداً بعد رحيله، وهذا ما حدث للجنرال ديغول عندما كتب أحد السفراء الذين قابلوه في حياته أنه تحاور معه في كل شيء، بدءاً من خط ماجينو الشهير والجنرال بيجو حتى عبدالقادر الجزائري وفلسفة ديكارت .
إن اللاتكافؤ مسألة فيزيائية بقدر ما هي تاريخية ووجودية، فثمة عناصر تدخل إلى المختبرات وعمليات التفاعل تحت اسم عوامل مساعدة، وتخرج كما دخلت تماماً، لكن من يشبهون هذه العناصر في فيزياء التاريخ والسياسة يعطون لأنفسهم دور البطولة رغم أنهم لم يظفروا حتى بدور “كومبارس” .
الإنسان بطبعه وفطرته يميل إلى تحقيق الذات والبروز على السطح، أحياناً بمظاهر شكلية كالثياب أو السيارات أو استعراض ثقافة أشبه بطلاء سريع التلاشي، وأحياناً بأفعال وممارسات منها ما هو خيّر أو شرير، فثمة قتلة مشهورون وأسماء مثل المركيز دوساد اقترنت بالتعذيب والتلذذ بآلام الضحايا .
وقد كان اسم السفاح الذي كتب عنه الراحل نجيب محفوظ روايته الشهيرة بعنوان “اللص والكلاب” أشهر من كل مثقفي ونجوم عصره لكنها الشهرة السوداء التي قال عنها ابن المقفع إن خامل الذكر خير من صاحب الذكر الذميم .
العلاقات غير المتكافئة تقدم إشباعاً كاذباً للطرفين، فالأضعف أو الأفقر أو الأجهل يرضي نفسه ويرمم نرجسيته الجريح بهذه العلاقة التي يستعرضها بمناسبة ومن دون مناسبة أمام الآخرين . والطرف الآخر الأغنى أو الأعلم والأقوى يحتاج إلى تكريس فكرته عن نفسه، ويتعب من اللعب مع الأنداد والمنافسين، لهذا يقدم تنازلات مدروسة أو بمعنى أدق تكتيكية لمن هم دونه مقابل تصفيقهم الدائم له، حتى لو كان ما يصدر عنه سلسلة من الأخطاء والحماقات، والثمن الذي يدفعه مقابل هذا التصفيق الكاذب والنفاق المؤقت قد يأتي بعد موته، لكنه أحياناً يشهده في حياته فيعترف بأنه كان يربي ثعباناً في صدره . . ما إن أحس بالدفء ووهم الندية حتى لدغه .
ولعلّ أمثالاً من طراز “اتق شر من أحسنت إليه” أو “من مأمنه يؤتى الحذر” تعبر أفضل بكثير عن هذا اللاتكافؤ من أي تحليلات نظرية، كيف يكون هناك تكافؤ بين مسمار وقطعة مغناطيس، أو بين ماء وزيت، أو بين بندقية وعصا؟
ما لا ينتبه إليه الناس هو أن معظم ما يشكون منه ويعتبرونه طعناً في الظهر، أو نكراناً للجميل ليس سوى الثمن الذي يقدمونه لعلاقات غير متكافئة .
الخليج