ما يحدث في لبنان

حزب الله” في المسار الأخير

null

عبد الوهاب بدرخان

أنْ نفهم ما يجري في لبنان، يعني ألا نصدّق أن اللاعبين الحقيقيين، تحديداً إيران وسوريا، يريدون تهدئة. ذهبوا إلى حد تشويه سمعة “المقاومة”، وتلويث شرعيتها، بدفعها إلى انتهاك الحرمات والتنكيل بالمواطنين وإسكات المؤسسات الإعلامية.
تجاوزوا كل الضوابط مندفعين إلى نقطة اللاعودة، فلا يريدون الآن دولة ولا حكومة في لبنان، ويحبذون إزكاء الفتنة المذهبية وتحويل الشوارع خطوط تماس، توخياً للفوضى، وإذ لم يتعرضوا للجيش بعد، فلأنهم حَددوا له دوراً ينفذه أو يواجه خطر الانقسام والتشرذم.

اقرأوا التوجهات الإيرانية- السورية في كلام حسن نصرالله، وهو بات يستخدم النفي توضيحاً للمقاصد، كان ينفي، مثلاً، استخدام سلاح “المقاومة” ضد الداخل اللبناني، وقبل أيام جدد مثل هذا التعهد، فإذا به يعطي إشارة الانطلاق لاستباحة بيروت. تحدث باحتقار عن خصومه المفترض أنهم مواطنوه:”لو أردنا القيام بانقلاب لاستيقظوا في السجون أو في البحر”، وعن الدولة والجيش: “لو أردنا انقلاباً لكان حصل منذ زمن”… إذاً فلا أثر في تفكيره للدولة، ولا للدستور والمؤسسات والقوانين، ولا لمواطنيه الذين لا يشاطرونه الرأي والموقف.

عبثاً يُخاض الجدل في التفاصيل المباشرة للأزمة، أو حتى في الأسباب التي شكلت ذريعة لشن حرب رداً على “إعلان حرب” تبنته الحكومة ضد “حزب الله”، تراجعت الحكومة عن قرارين اتخذتهما، لكن تراجعها لم يكفِ، كما لو أن المطلوب منها أن تركع وتذلّ. أما قمة العبث، فنجدها في اشتراط الاستجابة للدعوة التي أطلقها رئيس المجلس إلى الحوار. فالذي يدفع بعناصره وبحلفائه ليعيثوا الفساد في بيروت، يأمر خصومه المستسلمين أن يمثلوا أمامه ليحاورهم. إنها اللعبة نفسها تُلعب بلا كلل، فلو كان حل الأزمة هو الهدف لأمكن حلها منذ زمن، بالسياسة طبعاً، لكن الهدف كان ولا يزال إطالة الأزمة ما دامت توظف في الصراع الإقليمي والدولي.

هناك حرب هائمة في المنطقة، متأرجحة بين الخليج والشرق الأوسط، وها هي تفشي سرها الشائع في لبنان. تحرك “حزب الله” على سبيل الاحتياط واستباقاً لاستهدافه وحشره في الزاوية، خطأه أنه يضحي ببلده تأميناً لبقائه ودرءاً للخطر على سوريا وإيران، ولا شيء يضمن أن ينجح في هذه المهمة. خطأه أنه تورط، بل سيتورط أكثر، ولا يعلم ما إذا كانت سوريا وإيران ستتمكنان من حمايته. هذا الحزب الذي بنى مجداً مستحقاً في القتال مع إسرائيل، اختار تخريب وطنه كأنه يشارك بهذه الطريقة في احتفال إسرائيل بالذكرى الـ60 لإنشائها. أخذ لبنان واللبنانيين رهائن كما لو كان يخوض آخر معاركه، تتويجاً لمسيرته التي نالت التقدير والإعجاب عربياً وإسلامياً وحتى دولياً.

قمة شرم الشيخ، بحضور جورج دبليو بوش، تبدو بالنسبة إلى السوريين والإيرانيين بالغة الخطورة، لأن بوش سيأتي من إسرائيل، ولأنها ستكون زيارته الأخيرة للمنطقة بل قبل أن يغادر منصبه، وأيضاً لأن القمة تنعقد في مناخ توتر وتأهب، وغداة وعيد أميركي بـ”صيف ساخن”. والرد على هذا الوعيد بدأ في لبنان، وينبغي أن يستكمل “الانقلاب” فيه لتضمن سوريا وإيران، ولا سيما إيران، ورقة للمساومة في حال اضطرتا لمواجهة حرب على إحداهما، والأرجح على سوريا. لكن “حزب الله”، الذي تحول إلى ميليشيا، قد يتوصل إلى سيطرة ما مؤقتة على لبنان، إلا أنه لا يضمن اليوم التالي، فهو فشل في القراءة الواقعية لدوره في الداخل كمساهم حيوي في بناء السلم الأهلي.

يختلف “حزب الله” عن سوريا، وعن إيران، بكونه جزءاً أساسياً من مكونات المجتمع اللبناني، كيف خانته ذكاؤه معرفته بحقائق البلد، فلم يدرك أن جماعة النظام السوري تمادت في الإساءات والانتهاكات لأنها ستنسحب في نهاية المطاف، وقد انسحبت. لماذا بدأ “حزب الله”، إذاً، من حيث انتهى السوريون على رغم أنه لن ينسحب، وبالتأكيد لن يستطيع مصادرة البلد أو تغيير روحه وصيغته؟ لا عجب، بعد ذلك أن يفشل “الانقلاب” طالما أنه بُني على أخطاء.
الاتحاد الاماراتية


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى