الحريري في طهران وواشنطن في بيروت
سعد محيو
ماذا فعل سعد الحريري في طهران؟ الكثير .
فهو قام برحلة في المكان إلى دولة إقليمية كبرى باتت تلعب دوراً سياسياً وأمنياً كبيراً في بلاده كما في بقية الشرق الأوسط . وهو فعل ذلك في الزمان المناسب، أي عشية صدور القرار الظني بين يوم وآخر من الآن وحتى الشهر الأول من العام الجديد 2011 .
المكان والزمان، إذاً، ممتازان وربما يثبت اختيارهما على هذا النحو أنه كان خطوة ممتازة، خاصة إذا ما أسفرت الرحلة عن ترتيب اجتماع لاحق بين الحريري والسيد حسن نصر الله .
طهران وحزب الله، كما قال مسؤول إيراني سابق، يريدان التوصّل إلى تسوية لمنع القرار الظني من تفجير الوضع في لبنان . صحيح أن الحكومة الإيرانية، كما الحزب، يتمنيان أن يتبنى لبنان الرسمي موقفاً رسمياً يتنصّل فيه من القرار الظني بصفته اتهاماً “إسرائيلياً” وأمريكياً ظالماً ضد أعضاء في حزب الله، إلا أنهما قد يرضيان بأقل من ذلك في مقابل حماية الحزب من الانزلاق إلى فتن أهلية تخطط لها تل أبيب منذ نهاية حرب عام 2006 .
هذا الموقف يتقاطع مع الجهد السعودي السوري المستمر منذ نحو ثلاثة أشهر، والهادف هو أيضاً إلى تجنيب لبنان خضات أمنية كبرى، عبر التعاطي مع القرار الظني بطريقة تُرضي حزب الله وطهران ولاتغضب أنصار المحكمة الدولية في مجلس الأمن الدولي .
لكن، هل يمكن لهذه المعطيات أن تعزز التفاؤل بفرصة خروج لبنان من مغطس القرار الظني، بأقل الخسائر الممكنة؟
الأمر يحتاج إلى بعض الحسابات . فثمة أطراف لبنانية، على رأسها قوات سمير جعجع، تريد الذهاب إلى المجابهة حتى خواتيمها المُتفجّرة لسببين: الأول، لأنها قد تفيد من أي صدام مذهبي إسلامي لزيادة الوزن السياسي المسيحي في المعادلات السياسية . والثاني لأنها، في حال فشل مخطط الفتنة، ستسعى إلى طرح القرار الظني ومداولات المحكمة الدولية على طاولة المفاوضات لمقايضتهما بتنازلات من حزب الله حول سلاحه .
ولذا، سيكون على الحريري أن يحمي أولاً خاصرته الداخلية، عبر إجراء تعديلات جذرية في مواقف تيار 14 مارس/آذار، في حال قرر المضي قدماً في مسار التسويات مع حزب الله . وهو قادر على ذلك إذا ما منح الأولوية في هذه المرحلة للاستقرار لا للاستنفار .
ثم: هناك الوضع الدولي، فواشنطن، كما أكدت “فايننشال تايمز” قبل يومين، لم تنظر بعين الرضى البتة إلى زيارة الحريري لطهران، وبالتالي فهي قد تسعى لاحقاً إلى عرقلة نتائجها الإيجابية المحتملة بشتى الوسائل . وهذا الموقف الأمريكي المتوقع سيمكننا من التدقيق في طبيعة الموازين الدولية والإقليمية الجديدة في المنطقة . فإذا ما تمكّنت السعودية وسوريا، بدعم من تركيا وإيران، من “الصمود” في وجه الضغوط الأمريكية الدافعة نحو المجابهات والتصعيد، فإن فصلاً جديداً من التاريخ الدبلوماسي سيكتب في الشرق الأوسط . فصل تبقى فيه الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في المنطقة، لكنها لا تكون قوة “فرعونية” بالكامل ولا مطلقة الصلاحيات في تقرير مصائر وأقدار شعوبها .
الحريري قام بالخطوة الصائبة . والسعودية وسوريا وإيران وتركيا تتصرف بروية وعقلانية . لكن من الحصافة والحكمة الانتظار لنرى، فاليد الأمريكية لا تزال طويلة وقادرة على العرقلة و”الخربطة” .
الخليج