ويكيليكس – حيث لا تجرؤ الديبلوماسية الاميركية
سميح صعب
لا تكشف تسريبات ويكيليكس تعالياً وصلفاً وغطرسة لدى الديبلوماسيين الاميركيين في العالم فحسب، بل هي تكشف جانباً أفظع وأدهى يتمثل في كمية الخداع الذي تمارسه واشنطن حيال من تعتبرهم حلفاءها، فلا دول اوروبا بشطريها الغربي او الشرقي ولا روسيا ولا الصين او اليابان او تركيا تخلو من لغة التوبيخ في محتوى البرقيات التي بعثها بشأنها الديبلوماسيون الاميركيون من انحاء العالم.
وحدها اسرائيل خرجت منتصرة من تداعيات التسريبات، لأنها دعمت موقف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الداعي الى إيلاء الملف النووي الايراني اولوية في النزاعات التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط. ولم يكن نتنياهو في حاجة الى التسريبات ليثبت على قناعته بأن الدول العربية التي توصف بالاعتدال ليست بعيدة عن التفكير بأن الوسيلة الوحيدة لوقف البرنامج النووي الايراني هي اللجوء الى استخدام القوة.
وهكذا استفاد نتنياهو الى اقصى الحدود من التسريبات التي لم تتضمن مطالبة أي من المسؤولين العرب لدى لقاءاتهم الخاصة بالديبلوماسيين الاميركيين بضرورة الضغط على اسرائيل كي توقف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية كي يكون في الامكان قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
وبحسب المنشور حتى الآن من التسريبات، فإن كل الاهتمام العربي ينصب على مواجهة ايران، مما قوى الحجة الاسرائيلية في هذا المجال وفتح الباب مجدداً امام مطالبات اسرائيلية بأن العقوبات وحدها لا تكفي للتعامل مع طهران.
وتتسع دائرة الفوائد التي تجنيها اسرائيل من التسريبات عندما يتعلق الامر بتركيا التي لا يتورع السفراء الاميركيون عن مهاجمة رئيس وزرائها رجب طيب اردوغان ووزير خارجيته احمد داود اوغلو ونعتهما بالعنصرية وبكره اسرائيل والتعصب دينياً او بالتعاون مع ايران.
وقد أراحت التسريبات الاسرائيليين الذين كانوا يشكون بالامس من التعرض لحملة دولية لنزع الشرعية عن اسرائيل الى حد دفع صحيفة “يديعوت احرونوت” الى الكتابة ان “العالم يفكر مثلنا”، في اشارة الى ما ورد في البرقيات الديبلوماسية الاميركية عن موقف بعض الزعماء العرب حيال ايران.
وبناء على ذلك، تحول نتنياهو رابحاً وحيداً من التسريبات بعدما أظهرت هذه قاسماً مشتركاً بين اسرائيل وبعض الدول العربية المرتابة من اتساع النفوذ الايراني في المنطقة بعد حربي افغانستان والعراق ومضي طهران في تطوير برنامجها النووي.
وحتى مؤسس موقع ويكيليكس جوليان اسانج أثنى على رد الفعل الاسرائيلي على التسريبات، معتبراً أنها قد تكون حافزاً لدفع عملية التسوية الى الامام. لكن الحاصل هو غير ما توقعه اسانج، لأن التسريبات عززت مطالبة الحكومة الاسرائيلية المتشددة بالذهاب الى خيار ايران اولاً.
والسؤال البديهي في مثل هذه الحال ان تستخدم اسرائيل التسريبات للدفع قدماً في التحضير لضربة عسكرية ضد ايران على رغم الموقف الاميركي الذي يعارض علناً حتى الآن اللجوء الى الخيار العسكري ويفضل في الوقت الحاضر الاكتفاء بسياسة العقوبات.
ومهما يكن من أمر، فإن نتنياهو نجح في دفع القضية الفلسطينية الى مرتبة ثانوية في جدول الاعمال الاميركي، لا سيما في ضوء مراوحة الجهود الاميركية لاحياء عملية التسوية مكانها في ظل عجز اوباما عن اقناع اسرائيل بتجميد الاستيطان ولو لفترة ثلاثة اشهر مقابل الحوافز الاميركية السخية.
وفي خضم اعادة ترتيب الاولويات في المنطقة، يبدو ان الضغوط ستتصاعد على الجبهة الايرانية ومحيطها. هذا ما توحي به تداعيات تسريبات ويكيليكس، فضلاً عن الجولة الجديدة من المفاوضات بعد ايام في جنيف بين ايران والغرب.
ومجدداً تعود المواجهة الباردة بين ايران والغرب لتشهد فصولاً من التصعيد في الوقت الذي تستخدم الاطراف كل اوراق القوة التي تمتلكها قبل الجلوس وجهاً لوجه.
النهار