صفحات العالم

ويكيليكس – فضيحة عربية أيضاً

ساطع نور الدين
حتى الآن لا يمكن العثور على نص واحد من برقيات السفارات الاميركية المسربة يستحق التوقف عنده، عدا برقية كتبها السفير الاميركي السابق في انقرة، والحالي في بغداد، جيمس جيفري، عن تركيا والتحولات الكبرى في سياستها الخارجية، وهي تعتبر بحق واحدة من اهم وثائق السياسة الخارجية الاميركية وادقها واغناها، وقد صاغها عقل استراتيجي لا شك في قدرته على التحليل والتقدير.
معظم ما نشر حتى الآن، هو اقرب الى النميمة منه الى المعلومة. والفارق بسيط بين ما كتبه السفراء والمسؤولون الأميركيون عن لقاءاتهم وحواراتهم في مختلف انحاء العالم، وبين ما كانوا يعلنونه على الملأ في بيانات صحافية لا تخفي سوى ما يمكن أن يسبب حرجاً شخصياً، لا سياسياً. كان حافزهم ولا يزال هو الحرص على التعامل مع الجمهور الأميركي بصدق ونزاهة وعلنية، كما هو الشعور بالمسؤولية والخوف من الحساب والعقاب يوماً ما.
لكن النمّ على الآخرين الذي لا يخلو من الطرافة عادة، يكون معبراً بصراحة مفرطة عن مواقف جدية جداً، قد تؤدي الى اضطراب العلاقات الثنائية، وتترك أثراً لا يمحى بسهولة، هو ما تعاني منه واشنطن اليوم التي تسعى جاهدة الى احتواء الاضرار الفادحة التي خلفتها البرقيات المسربة على روابطها مع جميع العواصم والشخصيات المذكورة في النصوص.. متجاهلة حقيقة ان دبلوماسييها لا ينتمون الى تقاليد الدبلوماسية الدولية العريقة التي كانت تنتج سفراء وقناصل يرتقون الى مستوى المفكرين والمؤرخين والباحثين وحتى الادباء العالميين الذين راكموا تجاربهم الثقافية من خلف اسوار سفاراتهم.
باستثناء تلك الوثيقة التاريخية التي كتبها السفير جيمس جيفري، عن تركيا وتوجهاتها نحو الشرق العربي والإسلامي واسبابه وتحدياته ومتطلبات نجاحه غير المتوافرة حالياً، فإن معظم البرقيات كانت صادرة عن سفراء كتبوا ملاحظات وشائعات وتكهنات لا ترقى حتى الى مستوى التحليل الصحافي. جاذبيتها الوحيدة انها تفضح بعض المواقف الاميركية الخاصة من الحلفاء، وتكشف في المقابل عن مستوى متدن جداً، الى حد الفضيحة احياناً، لاولئك الذين كان الدبلوماسيون الاميركيون يستمعون اليهم ويدونون اقوالهم ويرسلونها الى واشنطن.
النماذج العربية المنشورة حتى الآن في البرقيات، تثير إحساساً بالخوف فعلاً: ثمة مسؤولون عرب كبار يعرضون امام محاوريهم الاميركيين تحليلات وتقديرات لا يمكن ان تصدر الا عن جهلة او مبتدئين في السياسة وفي السلطة. كلام بني على شعارات قديمة ومشاهدات تلفزيونية وخصومات شخصية، تبرر للاميركيين تعبيرهم الصريح في البرقيات المسربة عن الاستهزاء او الاستخفاف بجميع محاوريهم العرب من دون استثناء.. لا سيما الذين وضعوا جداول زمنية لسقوط حركة حماس في غزة، او مواعيد محددة للحرب على ايران، او توقعات غريبة للوضع في العراق او سوريا او لبنان!
ثمة فضيحة اميركية لا شك فيها، لكنها ليست أكبر من الفضيحة العربية التي لا تزال في بدايتها، والتي تكشف عن عيب مذهل حتى في تكوين المسؤولين العرب وثقافتهم ووعيهم وقدرتهم على تحمل مسؤولية محاورة العقارب والأفاعي الأميركية.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى