مرشح “التغيير” الذي يكرس الواقع
ألكسندر كوكبرن
استحق باراك أوباما يوم الثلاثاء، الموافق الثالث من يونيو/ حزيران، أعظم جائزة يمكن أن يقدمها الحزب الديمقراطي، وأعني بذلك ترشيح الحزب له للرئاسة. وفي اليوم التالي تماماً، سارع بياع “التغيير” عائداً من مينيسوتا إلى واشنطن، وارتمى بصَغار عند أقدام منظمةٍ مهمتُها الأوليةُ هي ضمان ألا تضغط حكومة الولايات المتحدة باتجاه إحداث أي تغيير لا تستسيغه دولة “اسرائيل”. وتطايرت شروط استسلام أوباما في أرجاء الشرق الأوسط، مثل شظايا قنبلة عنقودية خطابية. وكانت الإشارة التي أوصلتها إلى “اسرائيل” وجيرانها العرب، تفيد بأنه لن يكون هنالك أي حيدة عن دور بوش كضامن للتعنت “الإسرائيلي”، بصرف النظر عن هوية الرئيس الذي يدخل البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني المقبل.
لقد أصبحت مؤتمرات اللجنة العامة الأمريكية “الإسرائيلية”، “إيباك”، صناديق عرض زجاجية، تُبرز سطوة جماعة الضغط هذه. وسطوتها حقيقة واقعة. فأي سياسي يثير غضب اللوبي “الاسرائيلي” في الولايات المتحدة، سيرى بأم عينيه، الموارد المالية لحملته الانتخابية تجفّ، وسيشهد مفاجآت من معارضين له مموّلين تمويلاً جيداً.
ومع ازدحام خلفية مركز المؤتمر بأعضاء مجلسيْ الشيوخ والنواب الأمريكيين ومساعديهم، كانت الشخصيات التي تحضر المؤتمر، وعددها سبعة آلاف، والتي قدِمت من أرجاء الولايات المتحدة المختلفة، تضج بالبهجة، وهي ترى الساسة يتقدمون واحداً تلوَ الآخر، ليعتلوا المنصة ويقدموا فروض الطاعة والولاء ل “اسرائيل”.
أمّا أوباما، فقد أولى عناية كبيرة لكسب تأييد اليهود الأمريكيين المتنفذين في شيكاغو مثل عائلة كراون، المرتبطة بشركة الصناعات الدفاعية، جنرال دايناميكس، قبل أن يبدأ سعيه للترشح. ومع شعوره بالقلق من الشائعات التي روجتها عائلة كلنتون، والتي ذكرت أنه لا يزال مسلماً ولكنه يخفي إسلامه، أصرّ أوباما، على أن تنشئ حملته قبل انتخابات 22 ابريل/ نيسان الأولية في بنسلفانيا، الولاية التي تضم عدداً من الأصوات اليهودية المهمة على الصعيد السياسي، مدوّنةً باللغة العبرية في “اسرائيل”.
وهكذا جاء أوباما إلى مؤتمر “إيباك” لهذا العام، عاقداً العزم على تبديد كل ما تبقّى من الشكّ في أنه صديق ل “اسرائيل”. وأكّد لإيباك، قائلاً: “سوف نستعمل كل عناصر القوة الأمريكية للضغط على ايران.. وسوف أفعل كل شيء تحت سلطتي لمنع ايران من الحصول على السلاح النووي. كل شيء تحت سلطتي. كل شيء، وأنا أعني كل شيء”. وأقسم على ألا يتحدث مع ممثلة الفلسطينيين المنتخبة، حركة حماس. وأعلن ضمن عاصفة من التصفيق الهادر، “القدس، ستبقى عاصمة “إسرائيل”، ويجب أن تظل غير مقسمة”.
وقد اعترض الكاتب “الإسرائيلي” المخضرم، وناشط السلام، يوري افنيري، في أعقاب هذه الجملة الأخيرة، قائلاً بغضب: “ها هو أوباما يتقدم وينبش مخزن الخردوات القديمة، ويستخرج الشعار “الاسرائيلي” البالي، شعار “القدس غير المقسّمة، عاصمة “اسرائيل” إلى الأبد”، فمنذ مؤتمر كامب ديفيد، أدركت جميع الحكومات “الاسرائيلية” ان هذا الشعار يشكل عقبة لا يمكن تجاوزها في طريق أي عملية سلام. وقد اختفت بهدوء، وبطريقة سرّية تقريباً من ترسانة الشعارات الرسمية. فلا يوجد أي فلسطيني، أو عربي أو مسلم مستعد لصنع السلام مع “اسرائيل”، إذا لم يُسَلّم الحرم القدسي الشريف، وهو أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وأبرز رمز للوطنية الفلسطينية، إلى السيادة الفلسطينية. وتلك هي إحدى القضايا التي تشكل لُب الصراع. وبسبب هذه القضية بالذات، انهار مؤتمر كامب ديفيد سنة 2000”.
وكان مستشارو أوباما للسياسة الخارجية يشدون شعورهم خارج المؤتمر، وفي اليوم التالي، أصدرت حملته توضيحاً، ذكرت فيه أن “قضية القدس، من القضايا النهائية، ما يعني أنه ينبغي التفاوض عليها بين الطرفين”، كجزء من “اتفاقية يستطيع الطرفان التعايش معها”. وبالرغم من ذلك، فإن القدس في نظر أوباما يجب أن تكون عاصمة “اسرائيل”.
وعلى الرغم من أن تصريحات أوباما في مؤتمر “إيباك” لقيت تغطية واسعة في الشرق الأوسط، من صحيفة هآرتس “الإسرائيلية” إلى قناة الجزيرة، فإن ما كان واضحاً هنا في الولايات المتحدة، هو الغياب المطلق للتعليق في وسائل الإعلام السائدة. وكان من الواضح أنه قد اعتُبر من المسلمات، التي لا تستحق أي إشارة في افتتاحيات الصحف، أن الرجل الذي من المحتمل جداً ان يصبح الرئيس القادم، كان يعطّل سياسة “التغيير”، تماماً في المجال الذي هو في أمس حاجة إلى التغيير.
إن موهبة أوباما الشائنة، هي مقدرته على تكييف خطابه بسرعة تنذر بالشؤم، لتبديد أي ظن لدى الأقوياء، بأنه سوف يهزّ القارب فعلاً بطريقة قد لا تروق لهم. فقد انتُقد في وقت سابق من حملته لعدم تثبيت عَلم أمريكي على طية صدر سترته. وفي مؤتمر إيباك ثبّتَ على صدر سترته عَلَماً أمريكياً وآخر “إسرائيلياً”. فهل هناك “أوباما حقيقي” يُنتَظَر ان يبرز، عندما تنتهي حكاية إدخال السرور إلى نفوس الناخبين؟ ذلك غير مؤكد. إن تكوين أوباما “الحقيقي” مشروع قيد التنفيذ، وخطابه في مؤتمر إيباك، علامة مهمة في مراحل تطور شعار حملته، من “نعم، نستطيع” إلى “كلاّ، لا أستطيع”، على حدّ تعبير افني
محرر نشرة “كاونتر بانش