اسرائيلصفحات العالمقضية فلسطين

من هو الطائفي؟

حسام عيتاني
تلفت الاهتمام تلك الصرخة التي أطلقها رئيس الجمعية الدولية للناجين من المحرقة، نوح فلوغ، بإدانة قرار مجموعة من الخامات الإسرائيليين حظر تأجير أو بيع مساكن لغير اليهود.
المقصود بالقرار المذكور هم العرب من فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 48، بطبيعة الحال. وقد رأى فلوغ أن على الحاخامات سحب قرارهم المشابه لما كانت تصدره الإدارة النازية في ألمانيا لطرد اليهود من منازلهم وتجميعهم في الغيتوات. كما حذر من ضعف رد فعل حكومة بنيامين نتانياهو على القرار الذي وقعه رجال دين يهود ينتمون الى الجناحين الحريدي والقومي الديني وينتشرون في بلدات ومستوطنات تمتد من المطلة على الحدود اللبنانية الى إيلات على البحر الأحمر.
كلام فلوغ الذي أيده عدد من الناجين من المحرقة النازية، يشير إلى استمرار وتفاقم الانزياح صوب اليمين المتطرف بين الجمهور الإسرائيلي وتراجع نفوذ التيارات السلمية فيه. وهو ما اعتبر فلوغ أنه يمهد لفقدان دولة إسرائيل السمة الليبرالية –الديموقراطية.
يمكن المجادلة طويلاً في اصل التطرف اليميني داخل الحركة الصهيونية منذ ما قبل جابوتنسكي و «جداره الحديدي» الذي يجب أن تتحطم عليه رؤوس العرب الساعين الى إزالة إسرائيل، بحسب قوله. ويمكن، كذلك، الحديث عن ازدواج في الشخصية السياسية الإسرائيلية تجسده الممارسات الدموية والعنصرية ضد الفلسطينيين والعرب الآخرين منذ نكبة عام 1948، من جهة، والتمسك بأهداب حكم القانون والعدالة عند التعامل مع المسائل الداخلية الإسرائيلية (مع الإشارة الى حالات التمييز التي تعرض لها اليهود الشرقيون والفالاشا على مدى عقود من الزمن). لكن الجلي في صعود التيارات المتطرفة والعدوانية في المجتمع والسياسة الإسرائيليين، والذي يجعل من كل حكومة جديدة «الحكومة الأشد يمينية في تاريخ إسرائيل»، هو ذاك اللقاء مع النزعات العدمية المتفشية في العالمين العربي والإسلامي.
ويخطئ كثيراً من يركز نظره على تفاقم الميل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين ويغض الطرف عن الحملات التي تستهدف الأقليات الدينية والقومية في البلدان العربية. فليس معلوماً ما هو العلاج الذي تقترحه السلطات العراقية، على سبيل المثال، للاعتداءات شبه اليومية التي تنال من المسيحيين، باستثناء بعض الإجراءات الأمنية. ولا يبدو أن الحكومة المصرية تبدي الاهتمام المطلوب بقضية الأقباط والحدة التي باتوا يواجهون بها أي تجاوز يستهدفهم، بعد أعوام من التحمل والصبر.
علاقات الطوائف في لبنان ليست، بدورها، من الأمثلة التي تحتذى. أما السودان فيبدو سائراً في طريق حرب أهلية جديدة بين الشمال والجنوب بعد أعوام قليلة من الهدنة التي أعاد كل من الطرفين فيها شحن مخازن أسلحته وذخائره.
زبدة القول أن إسرائيل، على رغم محاولاتها تمييز نفسها عن المنطقة ومناخاتها، تبدو غارقة إلى الأذنين في الطائفية والعنصرية، مثلها في ذلك مثل جميع دول ومجتمعات الجوار. بل من الصواب الاعتقاد أنها تستفيد من تجربة التمييز الذي تعرض له اليهود لتصدير بعض أكثر المواقف إيذاء لنسيج مجتمعات المنطقة.
ندخل هنا في دائرة مغلقة أخرى من الأفعال والردود عليها والممارسات العنصرية والثأر منها، ونفتتح جولة جديدة من لعبة تبادل اللوم والتساؤل: من هو العنصري؟ ومن هو الطائفي؟
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى