لماذا علينا أن نتشظى إلى ما لا نهاية فيما الآخرون يتجمعون و يتوحدون
حازم العظمة
“الأطراف” التي تجهد لتقسيم السودان والعراق هي نفس الأطراف التي كانت وراء “بلقنة” البلقان أي : تفكيك يوغوسلافيا السابقة هي نفس الأطراف التي تدبر لتقسيم لبنان و روسيا و العراق و السودان و سورية – هذا ما يخططون له على الأقل في زمن قادم ( هذا إن عاشوا.. ) سيتدبرون تفكيك الهند في سيخ وهندوس وشيعة ..وتفتيت الصين ، إبتداءً من الزعيم ” الروحاني” الدالاي لاما …
أي مكان في العالم ، مرشح للتفكيك والتفتيت فيما الإمبراطورية تحتل براياتها الأجزاء التي تفتتت
راياتها هذه ليست بالضرورة العلم الأمريكي ، قد تكون إحدى الرايات ” الوطنية” ، أو قد تكون – هذه الرايات – العلامات التجارية لـلمتعددة الجنسيات ، لا تستغربوا فثمة جمهوريات بأكملها في أمريكا اللاتينية كانت تحكمها شركات الموز .. وجمهوريات تحكمها ITT .. وثمة جمهوريات نفايات نووية .. وكيميائية ..
ثم هنالك كنتكي تشيكن التي تبيع دجاجاً مسموماً إلى فقراء العالم المسمى الثالث ( بعد أن يقنعوهم بالتخلص من كل دواجنهم )، وهناك BMW التي تنتج سيارات فارهة مقاومة للرصاص لجلاديه ( هم نفس الجهة : الجلادون المحليون و الذين وراء البحار )
فيما الإمبراطورية تتوسع على الأطراف أن تتفكك فيما تتوحد المراكز الإمبراطورية – و المراكز الثانوية في هذه الإمبراطورية – و أعني الإتحاد الأوروبي – و تلحق “الأطراف” بها ، مثل دول أوروبا الشرقية ,ومؤخراً اليونان والبرتغال ، على الآخرين أن يتبعثروا و أن يتشظوا إلى ما لا نهاية ..
دارفور الجائعة و الفقيرة وأبيي الجائعة والفقيرة و الغنيتان بالنفط سيكون ضرورياً فصلهما عن السودان الذي بدوره جائع و فقير ( جائع و فقير بسبب أنظمة الإستبداد التي أتوا بها هم أنفسهم تباعاً إلى السودان – “إسلامية” كانت أو غير ذلك )تماماً كما كان ضرورياً فصل الكويت عن العراق : مكان فيه بضعة عشرات الآلاف ، حينها ، يطفو على محيط من النفط ، رأوا أنه من “السياسة ” و ” الإستراتيجية ” أن يفصلوه عن عراق فيه ملايين الفقراء و الكثير من ” المتمردين” و ” المتعلمين”…غزو صدام حسين للكويت لم يؤد إلا لترسيخ و تعميق هذا الإنفصال بين الكويت و العراق …
فيما بعد سيذهبون إلى تفكيك العراق نفسه ( إبتداءً من 2002 )
جنوب السودان ودارفور و الكويت ليست الأمثلة الوحيدة … لبنان منذ أكثر من ثلاثين سنة يحاولون تفتيته في دول – طوائف ..
الآن بذريعة الدفاع عن الأقليات ، يمولون و يرعون تفكيك مصر و شقها في ” أقباط” و ” إسلام” ، و المغرب العربي كله بين أمازيغ و عرب .. ، و نحن من هذا كله لسنا سوى مرددين في الجوقة ، بلاهتنا لم يخترعوها لنا ، هي ما نساعدهم به ضدنا ، لم يخترعوا إسلاميين في العراق و لا ” سنة” و شيعة” نحن الذين تبرعنا بتخلفنا ليستخدموه
نهاد الغادري الذي دعى من واشنطن لـ ” عودة العلويين إلى قراهم و جبالهم ” لم يكن إلا ترديداً لدعوات موجودة بالفعل في العقول الأشد إنحطاطاً ، ترديداً لعقل ما يزال في مرحلة ما قبل المواطنة و ما قبل المدنية ، عقل الطوائف و العشائر و ” الحمولات”
بعد أن دمرت الأنظمة البعثية و ” نظيرة البعثية ” فكرة الوحدة العربية ، أي بعد أن استخدمتها و لوثتها ، أصبحنا نجد الفكرة مخجلة ، بل و مضحكة … ، هكذا ربطوا فكرة الوحدة العربية بالإستبداد و بـ ” أنفال “صدام حسين ، بنزع الجنسية عن أكراد سورية ، بمنع الأمازيغ من لغتهم و ثقافتهم و هويتهم ، هذا هو الإنجاز الأهم الذي أتى به ” القوميون” : تدمير فكرة الوحدة و ربطها بالإستبداد … فيما لم ” ينجزوا ” أية وحدة … ، بل بالعكس أمعنوا في التقسيم ، متنازعين على الكراسي و الإقطاعيات : قطاعات التهريب و قطاعات السلطة- التسلط ، أرصدتهم ، مصالحهم …
الإستبداد لم يكن خاصاً بالأقباط المصريين أو بالأكراد أو بالأمازيغ أو بغيرهم من النسيج المتعدد حقاً الذي تتكون منه مجتمعاتنا ، الإستبداد كان يطال الجميع و العسف كان يطال الجميع ، هذا هو ” الإنجاز” الذي أتى به ” القوميون” ..و كما أن ” الوحدة الأوروبية ” لا تعني هيمنة الفرنسي أو الألماني كذلك الوحدة ” العربية” يجب أن لا تعني سيطرة العرب و أن لا تعني إضطهاد أحد ، و خاصة إضطهاد العرب أنفسهم ، الوحدة العربية ، أية فكرة حقيقية عن الوحدة العربية يجب أن تتضمن إعتزازاً بالتعدد ، و إغناء للمجتمعات و الأوطان إنطلاقاً مكوناتها القومية و الثقافية التاريخية جميعها لماذا تبدو فكرة الوحدة الأوروبية بالغة الجدية ، بين شعوب خاضت حروباً مميتة فيما بينها حتى تاريخ قريب ، و تتحول هذه الوحدة الآن إلى واقع ، و تشكل كتلة مؤثرة في العالم إقتصادياً و ثقافياً ، بينما الوحدة العربية مضحكة …الذين يهزأون من هذه الوحدة و يعتبرونها سراباً هم أنفسهم من يحرصون على أن تظل التجارة الخارجية لهذه البلدان بحدود 10% فيما بينها و 90% مع الغرب تحديداً ،و لحماية ذلك ، بما في ذلك ” مصالح” استمرار تدفق النفط … بشروطهم هم و ضمن مفهومهم للـ ” المصالح” التي لا تمس ، أي مصالحهم … يشنون الحروب و يخططون لشن المزيد ، و يحرصون بإستخدام أدواتهم ، أنظمة الإستبداد التي هم أنشأوها و هم يحمونها ، على أن تبقى هذه البلدان فقيرة و متخلفة و جاهلة و ممعوسة …
لننظر ثانية إلى أمريكا اللاتينية ، سيمون بوليفار الثائر الأسطوري تتحقق اليوم فكرته و حلمه اللذان بدأهما منذ قرنين : حرية شعوب أمريكا اللاتينية .. و وحدتها
تتحقق على الرغم من أنف الإمبراطورية