تهدئة أوسع من غزة
سميح صعب
تأتي التهدئة بين “حماس” واسرائيل في قطاع غزة في سياق تهدئة أشمل في المنطقة. من اتفاق الدوحة بين اللبنانيين، الى المفاوضات غير المباشرة بين سوريا واسرائيل، فالى الحديث عن وضع مزارع شبعا اوروبياً وأميركياً، الى قرب صفقة تبادل الاسرى بين “حزب الله” واسرائيل، والعرض “السخي” الذي قدمه الغرب الى طهران لحل الملف النووي الايراني، الى ترسيخ الحكومة العراقية برئاسة نور المالكي أقدامها في مناطق لم تكن قد دخلتها بعد في ظل حوار جدي مع دول الجوار، الى نية دول عربية ارسال سفرائها الى بغداد في أول اشارة اعتراف بالنظام الجديد في بغداد.
هكذا تسير هذه التطورات حزمة واحدة مترافقة بعضها مع بعض مستفيدة من ارتخاء قبضة ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش على المنطقة في أشهرها الاخيرة. فالأطراف الاقليميون هم اليوم أقوى من القوة العظمى الوحيدة في العالم التي ثبت بالملموس فشل سياساتها في الاعوام الثمانية الاخيرة. ولا تجد وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس سوى النأي بنفسها عن سياسة “بناء الامم” التي انتهجتها ادارة بوش في ظل هيمنة المحافظين الجدد ومشروعهم الامبراطوري الذي حاولوا فرضه انطلاقاً من افغانستان والعراق متخذين من هجمات 11 ايلول 2001 ذريعة للتقدم بهذا المشروع.
في أواخر عهده، ها هو بوش يتصالح مع الاوروبيين الذين اختلف معهم بسبب قراره غزو العراق. فهو يريد استرضاءهم كي يساعدوه في افغانستان التي تربح فيها “طالبان” يومياً على رغم “سخاء” الدول المانحة في باريس. وأثبتت عملية اقتحام سجن قندهار قبل أيام ان القوات الحكومية الافغانية لا تزال بعيدة جداً من امكان الامساك بالارض وحدها من دون مساعدة التحالف الدولي، والتحالف الدولي لا يمكنه الصمود اذا لم يعزز قواته هناك، وتعزيز القوات في حاجة الى موافقة أوروربية على ارسال المزيد من الجنود الى افغانستان.
ويظهر سير الاحداث في الشرق الاوسط ان ابتعاد ادارة بوش عن التدخل المباشر تحت وطأة الفشل وقرب انتهاء الولاية في البيت الابيض، قد سمح بإنجاز تسويات في الملفات الساخنة سواء في العراق او لبنان او فلسطين.
والسؤال المطروح الان: هل يمهد هذا النهج الارضية أمام سياسة أميركية جديدة بعد رحيل إدارة بوش؟ لا شك في أن الرئيس المقبل، جمهورياً كان ام ديموقراطياً، لا يستطيع إلا ان يقارب قضايا الشرق الاوسط بطريقة مختلفة عن الخط الذي انتهجته الادارة الحالية بدءاً بالعراق، الى فلسطين وايران.
فالتهدئة اليوم في فلسطين تساعد على انطلاقة جديدة في المفاوضات مع اسرائيل، ولا سيما ان التهدئة تأتي مقرونة بالعودة الى الحديث عن حوار فلسطيني داخلي يعزز موقف الفلسطينيين في التسوية المفترضة، لأن الحوار في ظل الانقسام الفلسطيني أضعف في طبيعة الحال موقف الرئيس محمود عباس.
كما ان التفاوض المباشر بين اسرائيل و”حماس” من أجل إطلاق الجندي الاسير لدى الحركة، هو بمثابة اعتراف اسرائيلي واقعي بما باتت تمثله الحركة الاسلامية على الساحة الفلسطينية.
لكن كل الايجابيات التي يبدو الان ان المنطقة تسير في اتجاهها يمكن ان تتحول سلبيات في حال عدم اتخاذ الادارة الاميركية المقبلة قراراً بالمشاركة الفاعلة والاقل انحيازاً الى اسرائيل.
لقد تحولت ادارة بوش في الاعوام الاخيرة أسيرة لحرب العراق وافغانستان، وأهملت عملية السلام التي انطلقت في مدريد عام 1991. ولكن ترتب على هذا الاهمال وقائع جديدة افسحت المجال واسعاً امام اسرائيل للتنصل من كل التزاماتها حيال العملية السلمية ونقض الاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين.
وفي ضـــــــوء مـــا جرى في العراق، لعل الادارة الاميركية المقبلة تتنبه الى ان أساس أي حل في المنطقة يبدأ بفلسطين.