ارحمونا .. فلا تزر وازرة وزر أخرى: بخصوص حديث الشيخ البوطي
ميشال شماس
الحقيقة كنت أجهل أن عرض مسلسل ” وما ملكت إيمانكم ” تسبب في موجة الجفاف التي تتعرض لها سورية منذ عدة سنوات..!! وفوجئت بأن قرار السيد وزير التربية بنقل عدد من المعلمات والمعلمين من سلك التعليم ساهم في شح المطر..!! ولم أفهم سر العلاقة بين عدم فصل الذكور عن الإناث وعدم وجود سجادة صلاة في المدارس، وبين شح الأمطار الذي تعاني منه سورية..!!
أعترف أنني كنت أجهل كل تلك الحقائق لولا قيام موقع ” كلنا شركاء” يوم أمس بنشرها نقلاً عما تحدث به الشيخ الدكتور العلامة محمد سعيد رمضان البوطي في درسه الأسبوعي الذي ربط فيه بين عدم توبة المخرج نجدت أنذور والممثلين في مسلسل “وما ملكت إيمانكم” وعدم تراجع وزير التربية عن قراره، وعدم الفصل في المدارس وعدم وجود سجادة صلاة وبين استمرار شح الأمطار في سورية يقول الشيخ البوطي في الخبر الذي نقله مراسل “كلنا شركاء” : (” إن زالت هذه الأسباب بإذن الله ستجدون الرخاء قد عاد، وان بقيت هذه الأسباب، فالأمر خطير .. هذه هي سنّة ربّ العالمين، استمرار هذا الأمر بهذا الشكل ينذر اكبر معين للماء بالنضوب” ويؤكد البوطي محذراً بقوله : “هناك أسباب لهذه البلية إذا ارتفعت ستنهمر الأمطار بدون صلاة الاستسقاء.. وإذا بقيت ستجدون أن هذه الحالة ستستمر وتتطور..).
ليسمح لنا حضرة الشيخ البوطي أن نسأله عن أسباب شح المطر في لبنان الأردن وفلسطين ومصر والعراق ومعظم الدول العربية، هل هي يا ترى نفس الأسباب التي ذكرها..؟ أم أن هناك أسباب أخرى نجهلها؟ وما علاقة الاختلاط في المدارس بنزول المطر؟ لا زلت أذكر كيف كان المطر يهطل بغزارة وكان الثلج يزورنا أكثر من مرة في العام عندما كانت مسألة الاختلاط في المدارس غير مطروحة كما هي اليوم. وما علاقة الإيمان بالله بنزول المطر ؟ فعلى حد علمي أن المطر يهطل مدراراً طيلة أيام السنة في دولة مثل بلجيكا أو الدانمرك مع أنهما أكثر الدول إلحاداً في العالم..!
وعذراً حضرة الشيخ، فهل يؤخذ الشعب السوري بكامله بجريرة قرار صدر عن فرد واحدا ؟ ثم يا شيخنا ما ذنب أربعة وعشرين مليون إنسان سورية وسوري بمسلسل ” وما ملكت إيمانكم”.. إن كان هناك ذنباً قد ارتكب فعلاً..؟ أم أن العقوبة أصبحت بنظر كم عند الله تشمل الصالح بالطالح ؟ ألم يرد في القرآن ” ولا تزر وزارة وزر أخرى” ..؟ وهل أصبح الله بنظركم كالضابط الذي يوقع العقوبة الجماعية على جنوده إن ارتكب أحدهم مخالفة…؟ أم هل أصبح الله يتعامل مع عباده من البشر بمبدأ المعاملة بالمثل، فكل ذنب يرتكبه البشر سوف يصيبهم الله بكارثة بحجم الذنب المرتكب..!؟
مشكلتنا ليست بالتأكيد مع نجدت أنزور ولا مع ممثلي ” وما ملكت إيمانكم ، ولا مع وزير التربية ولا مع عدم الفصل بين الجنسين في المدارس ولا..، بل هي مع معظم رجال الدين الجدد منهم والقدامى والذين يستغلون الدين من أجل إقناع الناس بأن حدوث الكوارث هو تدبير نابع من حكمة إلهية لا يمكن للعقل البشري استيعابها أو حتى تفسيرها، فقط رجال الدين متاح لهم معرفة وتفسير الحكمة الإلهية من حدوث أية كارثة أو مصيبة في هذا البلد أو ذاك. ويستغلون ذلك لبث الرعب في قلوب الناس وإجبارهم على الطاعة والخضوع والتسليم في النهاية إلى مقولتهم الدائمة “أن كل ما يحدث في هذا الكون من كوارث وغيرها هو نتيجة ضعف الإيمان بالله”، مستغلين انخفاض الوعي الاجتماعي والمعرفي لدى أغلبية الناس.
وعلى حد علمي البسيط أن السبب في انحباس المطر وانتشار الجفاف يعود إلى نشاط الإنسان نفسه على هذه الأرض من زيادة في النموّ الصناعي وزيادة الملوّثات التي تقذف بتراكيز عالية في مقومات البيئة الأساسية (الهواء -المياه –التربة)، وكذلك النشاط الزراعي المتمثّل في القطع الجائر للأشجار وزيادة الغابات الإسمنتية على حساب الأراضي الزراعية والمساحات الخضراء والتزايد السكاني.. ممّا انعكس ومازال ينعكس سلبياً بصورة واضحة على دورة المياه في الطبيعة ابتداء من مرحلة تبخّرها من الأرض وانتهاء بعودتها ثانية إليها محمّلة بالملوّثات المختلفة بدل أن تكون نظيفة.
لقد تحول الدين في هذه الأيام بكل أسف على أيدي معظم رجال الدين من مصدر للعزاء والراحة والمواساة وتخفيف آلام الناس الدنيوية، إلى مصدر للخوف الأبدي من العقاب الذي قد يأتي من السماء في أية لحظة كلما أقدم البشر على ارتكاب الذنوب. وذلك في محاولة لإبقاء الناس دائماً في حظيرة الخوف الأبدية.
ومع ذلك يبقى الأمل موجوداً ، مادام هناك أناس يعملون بيننا كالمخرج المتميز نجدت أنزور والكاتبة هالة دياب من أجل مستقبل سوي وصحي لنا ولأبنائنا ليس في سورية بل في العالم العربي، من خلال العمل المتميز ” وما ملكت إيمانكم” الذي نجح في تسليط الضوء على حقوق الإنسان، في الحرية والبقاء، وحق المرأة والطفل، وفي أن يعاملوا كبشر ويحصلوا على حقوقهم الإنسانية، وأن المجتمع العربي والسوري في الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الحالية وفي ظروف التحديات التي تواجهه لا يمكن له التقدم نحو الأمام دون رؤية تغييرية لوضع الفرد العربي في داخل المجتمع وتغيير البنية التحتية وخلق التوازن بين رغبات الفرد ورغبات المجتمع..
فالمجتمع العربي في النهاية لن يتطور ويتحرر إلا إذا استطاع أن يأخذ الخطوة الأولى نحو الإقرار بحقوق الإنسان والاعتراف نهائياً بحق الإنسان الأخر المختلف.
كلنا شركاء