المسلمون العرب للتيه والإسلام للإصلاح
غسان المفلح
لسنا ضد مشروع إصلاحي للدين لكن علينا أن نرى السياق الذي تحمل عليه هذه المشاريع
… وأي تيه هذا الذي فقد تواصله مع العالم, جراء ما تراكم من هذا العالم بين المسلم وبين فرديته, تائه في عالم يوتره بشكل يومي, فيهرب من مصير يعيشه, إلى تيه بلا نهاية, ونحو عودة لن تأتي أبدا.
التيه, الانفصال عن التاريخ اليومي لفرديته, فردية تنتهكها تفاصيل القوة المنتشرة في تضاريس جسده وعقله وروحه ومحيطه, قالوا له انصدم بالحداثة, وانصدم المسلم الفرد بالحداثة, وبدأ يقيم طقوس انصدامه هذا, ملبسه مأكله وممارسة غرائزه, نمطوه داخل تلك الصدمة الحداثية بأن لا يلحق بها وهو فيها وفي قلبها كي يستمر نبضا.
عندما شاركت الامبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى حليفة لألمانيا, شاركت بوصفها دولة من دول العالم آنذاك, ودون أي صفة أخرى. كان الإسلام خارج خارطة مشاركتها, والمسلم العربي وغير العربي جندي لا أكثر ولا أقل. لم يكن يجد أي مشكلة في مشاركته بين أناه وبين إسلامها.
تأويل الإسلام أولوية أم سياق القوة المعممة? لن نهرب من القول” أن كل قراءة لنص ما هي تأويل له” من يقرأ النص الإسلامي هو مؤول.
تأويل الإسلام كدين من أجل إصلاحه, فالمؤمن يقرأ والملحد يقرأ والنص مشاع, النص الشيعي أقام كهنوته ومؤسسة لهذا الكهنوت, الولي الفقيه سواء كان يحكم” النموذج الإيراني” أو لا يحكم النموذج العراقي سابقا, واللبناني بين بين, لهذا يمكن أن يكون النص الشيعي اقرب للإصلاح وفق دعاته من خلال إصلاح مؤسسته الكهنوتية على غرار ما جرى في أوروبا. أما النص السني فلا بواقي له, كل واحد يجتهد ويقرأ ويطرح قراءته في إعلان” الصح أو الحق” مشايخ بلا مؤسسات, وبمؤسسات, تنظيمات دعوية سياسية ك¯”الإخوان المسلمين” وغير سياسية كاتحاد علماء المسلمين!
تنظيمات إرهابية بات له مشايخها الفقراء معرفة, ويضاف إلى هذا الركام, من يتبنون الأيديولوجيات الكبرى, كالماركسية والليبرالية والقومية, يدلون بدلوهم, من أجل إصلاح الإسلام عموما والسني خصوصا. لم توجد قراءة إلحادية بالمعنى الفعلي للعبارة, بينما توجد قراءات استئصالية للمسلم تحت يافطة الإلحادية.
لماذا يريدون إصلاح هذا الإسلام بالذات? هل هي غيرة على الإسلام? أم يراد من هذه الدعوة إنهاء حامليه من الوجود?
لكل مرحلة إسلامها. مرحلتنا الآن تتمحور حول” الجهاد من جهة والمرأة من جهة أخرى” أما ما تبقى فتاريخ الإسلام السني لم يكن لديه مشكلة مع الحكم.
كان هناك تصالح دائم بين السلطة وبين الإسلام السني في تاريخه. لم تخرج جماهير إسلامية على أي سلطة بوصفها ملحدة, أوعلمانية, كبقية الحضارات مرت حضارة الإسلام بذروة ثم انهارت, لماذا انهارت الحضارة اليونانية والرومانية والشيوعية?
هناك عسف وتلاعب حداثوي على حساب المواطن القاطن فيما تسمى زورا الآن الدول الإسلامية” ما كان يناسب هذا سوى الجهاد, والجهاد ظاهرة سياسية. آليات الشحن الديني منذ ولادة الأديان وهي تستخدم من أجل أهداف لادينية.
ماذا تستخدم النخب الإسرائيلية الآن من أجل التجييش اليهودي لدولة إسرائيل? وهذا التلاعب الجهادي- الحداثوي, كتبت عنه من قبل مرات…الحداثة الرأسمالية هل تريد تبريرا دينيا لنموذجها ومعاييرها, ولما تقوم به في بلدان الثروات النفطية وغيرها? والمصادفة التاريخية أنها كانت بأغلبها إسلامية!
المرأة في الإسلام حجة الحجج …المرأة مهما حاول بعضنا تمرير مقولة الحاجة للإصلاح من أجل رفع الضيم عن المرأة فإن الموضوع في النهاية, المرأة مواطن, الدولة تحمي حقوقها ومساواتها الإنسانية مع الرجل, وهذه قضية لها بحث آخر! مساواتها مع الرجل, هي قضية ملحقة بكونها قضية مواطنة, وليس العكس وهنا تكمن خطورة هذه الحجج! زحزحة المفاهيم بلزوجة ناعمة, تدفع المرأة نفسها ثمنها, لا أعتقد أن حركات الحرية كانت تهدف إلى تلك المساواة ذات الطابع الذكوري, بل تهدف إلى ترسيخ مفهوم الوطن والمواطن تحت سيادة دولة القانون والحقوق, عندما تكون هناك مواطنة للفرد, تكون المساواة القانونية تحصيل حاصل, لا العكس. إذا كانت دولنا لا تعترف بمفهوم المواطن هل ستعترف بالمرأة كمواطن? وهي لا تعترف ليس لكونها دولا إسلامية, بل هي دول أنشاتها الحداثة الرأسمالية نفسها وفق مقاسات خاصة بكل دولة على حدة. والدليل أن هناك دولا أصبحت فيها الأولوية لمفهوم المواطنة, كتونس مثلا والجزائر والكويت نسبيا الآن.
المواطن هو الهيئة الاعتبارية الفردية, وهذه الهيئة لا تهتم بجنس حاملها أو دينه أو طائفته أو قوميته, بل تهتم بحضوره القانوني, بوصفها مادة قانونية وذو صفة تمثيلية, وتهتم باستثمار المجتمع لها لصالح جمعيته المتعاقدة, تهتم بحقوقها وواجباتها. لهذا وضعية المرأة لا ترتبط بإصلاح الإسلام, بل بإصلاح الدولة من خلال تخليصها من براثن السلطات, لتقوم بدورها الطبيعي, تعبيرا عن الهيئة التعاقدية المجتمعية التي تحدثنا عنها. هذه الهيئة التعاقدية تكون بين مواطنين أحرار, سواء بقيت هذه المرأة مسلمة محافظة أو منفتحة.
الإسلام السني لكونه بلا مؤسسة كهنوتية, يصبح أيضا أكثر قابلية للتسييس المتعدد, وهذه نقطة رغم ما يمكن لبعضنا أن يراها, حاجزا بوجه دولة المواطنة, نراها بالعكس تماما. لكن أين هي دولة المواطنة, التي تبعد سياسة السلطات الاستثنائية عن التلاعب بالدين والطائفة والمرأة?
في الدول ذات السلطات الاستثنائية مسموح لك أن ترمي يوميا كتابا في السوق عن الإصلاح الديني للإسلام! لكن ممنوع عليك ان ترمي منشورا يطالب بتحويل السلطة الفردية إلى سلطة تمثيلية, كبقية خلق الله.
بل تتفاخر بعض السلطات الفردية, بحجم المسموح من هذه الكتب, وتقيم الندوات والكرنفالات للمفكرين الذين طبعوا على صدورهم أنهم أصحاب مشاريع فكرية للإصلاح الديني الإسلامي, بينما تغطي رقاباتهم الاستخبارية وجوه كل من يعمل إلى إعادة الاعتبار لمفهوم الوطن والمواطن ودولة القانون, أو كما يقال من يريد إعادة السياسة للمجتمع, ولهيئاته الاعتبارية التي تحدثنا عنها.
مسموح أن تتحدث عن جرائم الشرف لكن ممنوع أن تتحدث عن جرائم الزنازين والفساد بأسمائه البراقة.
بل يمكن لك أن تسمي القاتل في جريمة الشرف وتهاجمه وتهاجم دينه وملته وطائفته…الخ لكن ممنوع عليك أن تقارب رمزا فاسدا. النائب السابق ومعتقل الرأي السابق رياض سيف وقضية الخليوي, والصحافي معن عاقل وقضية صناعة الدواء في سورية, أو رغدة الحسن حيث ذكرت منظمة العفو الدولية في بيان لها; إنها اطلعت على وثائق رسمية للمدعي العسكري تظهر أن التهم تتعلق بدراسة مسحية زُعم أن رغدة حسن قد أجرتها حول قضايا حقوق الإنسان والفساد والديمقراطية في سورية. “وبناء على هذه المعلومات الجديدة, يبدو جلياً أن رغدة حسن تعتبر سجينة رأي, اعتُقلت وتحُاكم لا لسبب سوى أنها مارست حقها المشروع في حرية التعبير” حسب تأكيد المنظمة. واعتقلت رغدة الحسن (39 عاماً) في 10 الماضي ولازالت معتقلة.
المسلم العربي الذي بات فوق تيهه تيها آخر, وهو يرى أسباب فقره وتخلفه أمام ناظريه, ويأتي من يقول له أن سبب تخلفك وفقرك هو دينك أو طائفتك أو قوميتك! لا يمكن أن يهضمها وإن تظاهر بذلك.
نحن لسنا ضد إغناء الثقافة العربية بمشروع إصلاحي للدين كل يوم, ولكن علينا أن نرى السياق الذي تحمل عليه هذه المشاريع, وآليات تسويقها في عالمنا العربي.
* كاتب سوري