ما يحدث في لبنان

إعادة تأسيس العلاقات السورية- اللبنانية

توفيق المديني
حظي الإعلان عن إنشاء العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وبيروت بترحاب كبير من قبل مختلف الأطياف السياسية والروحية في لبنان، باعتباره أمرا طال انتظار اللبنانيين له من أجل تنظيم العلاقات بين البلدين، ووضعها في إطارها الصحيح، كما بين كل الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية ثنائية مبنية على الاحترام المتبادل لاستقلال كل منهما وسيادته.
وعلى الرغم من سيطرة الحرب الروسية الأميركية في القوقاز وتداعياتها، فإن الأطراف الدولية، وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا المنشغلتان بالحرب في القوقاز وتحدياتها،كانتا تتابعان الوضع اللبناني بأدق تفاصيله وليس فقط الوضع الأمني، رحبتا أيضا بإعلان إقامة علاقات دبلوماسية بين لبنان وسورية، الذي يحقق انفراجاً ملموسا بين البلدين.
ويعتقد المحللون المتابعون للشؤون اللبنانية-السورية، أن خطوة الرئيس الأسد بإقامة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق و بيروت،ستفتح أبواب أوروبا كلها أمامه، و أن اتفاق الشراكة المجمد بين سورية والاتحاد الأوروبي سيرى النور خلال الفترة القليلة المقبلة. ولاشك أن هذه الخطوة تنسجم مع ما وعد به الرئيس الأسد نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي سيزور دمشق في النصف الأول من شهر سبتمبر المقبل.
من المنظور الدولي تأتي خطوة إقامة العلاقات الدبلوماسية بين سورية ولبنان تنفيذا لقرارات مجلس الأمن بدءا من القرار 1680 المتخذ عام 2006 في فقرته الرابعة التي ورد فيها: «يشجع (مجلس الأمن) بشدة حكومة سورية على الاستجابة في شكل إيجابي للطلب الذي قدمته حكومة لبنان تماشيا مع الاتفاقات التي تم التوصل إليها في الحوار الوطني اللبناني، بتحديد حدودهما المشتركة، وخصوصا في المناطق التي تعتبر فيها الحدود غير مؤكدة أو محل نزاع، وإقامة علاقات وتمثيل دبلوماسي كاملين (…)».
من المنظور السوري، تعتبر دمشق أن إقامة العلاقات الدبلوماسية بين سورية ولبنان،يعكس مصداقية ما قالته سورية دائما من أنها جاهزة وراغبة ومستعدة للتعامل مع لبنان سيداً حراً، ومع رئيس يمثل كل لبنان. لكن دمشق ترفض أي وصاية أيا كان مصدرها على العلاقات بين البلدين. هذا ما أكدته افتتاحية صحيفة الثورة بتاريخ 15/8/2008، حين كتب أسعد عبود يقول:«لا واشنطن ولا غير واشنطن… لا نداءات الكراهية ولا اتهامات التزييف والقذف والشتم.. لا الارتماء في أحضان القوى العالمية ولا التفسيرات الساذجة لمجريات الأحداث، يمكن أن تشكل ضغطاً على سورية بوجه علاقاتها بلبنان.. بل هو ضغط التاريخ والجغرافيا والأخوة.والعروبة.. والمصالح.. والعقل.. والإرادة النبيلة.. أبعد كل ذلك نحتاج إلى ضغط أو تصفيق من أحد؟».
خلاصة الموقف السوري، أن هذه الخطوة، تنسجم مع مطلب الشعبين السوري واللبناني، اللذين يربطهما تاريخ مشترك واحد، وانتماء واحد للعروبة، ولديهما مصير واحد، أولا، وتنسجم أيضا مع مطلب الشارع العربي، الذي يقدر عاليا التضحيات الكبيرة التي قدمتها سورية ولبنان عبر المقاومة ضد الكيان الصهيوني.
ثانياً: من المنظور اللبناني، يجمع اللبنانيون أن قمة دمشق التي أرست «قاعدة انطلاق» نحو مستقبل جديد في العلاقات بين سورية ولبنان، وأطلقت إشارة البدء لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، التي ستأخذ طريقها إلى التنفيذ في غضون أسبوع بإقرارها في مجلس الوزراء هذا الخميس، ومباشرة وزارتي خارجية البلدين الإجراءات التنفيذية لها، تعتبر قمة تاريخية بامتياز، لأنها تضع حداً للمشكلة القائمة بين سورية ولبنان، منذ 65 سنة من تاريخ نشوئها باستقلال لبنان عام 1943، و33 سنة من تفاقمها منذ بدء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975.
ولما كانت المشاكل المتراكمة بين سورية ولبنان معقدة وتحتاج إلى نفس طويل، فلا يتوقع أي إنسان عاقل أن يتم حلها دفعة واحدة.ولهذا السبب، كانت وجهات النظر اللبنانية متباينة،بشأن المشاكل التي تراكمت بين البلدين على امتداد الثلاثين سنة الماضية، إضافة إلى صدور القرار 1559، واغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وخروج القوات السورية العاملة في لبنان بطريقة لاتليق بطبيعة علاقات الأخوة بين الشعبين الشقيقين، والتي اسهمت جميعها في إحداث شرخ عميق في العلاقة بين الدولتين، وفي التباعد بين العاصمتين، حيث بات ترميمها يحتاج إلى معالجة من نمط مختلف.
والحال هذه، لم تتوقع العديد من القوى اللبنانية، ولاسيما من قوى 14 أذار مفاجآت من قمة دمشق الأخيرة. فالقضايا الخلافية بين البلدين معروفة للجميع. فهناك أولا موضوع مزارع شبعا الذي أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم رفض ترسيمها تحت الاحتلال الإسرائيلي، رغم تأكيد الأمم المتحدة وسفراء دول غربية عدة أنه يمكن للأمم المتحدة أن تقوم بذلك، وليس مطلوبا من سورية ولا من لبنان التدخل في هذه العملية. وهناك ثانيا قضية المعتقلين والمفقودين اللبنانيين. وهناك ثالثا، المجلس الأعلى السوري-اللبناني، الذي يعتقد قسم كبير من اللبنانيين أنه لم تعد له أي حاجة مع الاتفاق على إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين. وهناك رابعا: موضوع السلاح في المخيمات الفلسطينية، والمراكز الفلسطينية خارج المخيمات، سواء في قوسايا أو في حلوة أو غيرها، والتي لاتعتبرها دمشق مشكلة سورية، وإن تكن قريبة من الحدود معها بل مشكلة لبنانية.
وعلى الرغم من أن هذه المشاكل لا تزال عالقة، ومن دون حل، فإن اللبنانيين مقتنعون أن العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين السورية واللبنانية هي من مسؤولية اللبنانيين بالدرجة الأولى، إذا أرادوا أن تكون هذه العلاقة متساوية وندية. والسؤال الذي يطرحه المحللون، هل يتمكن اللبنانيون من صوغ رؤية موحدة للعلاقة مع سورية، تكون نقيضة للرؤية القديمة، التي جوهرها إقامة سورية علاقات مع دويلات لبنان الرسمية (رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس الوزراء، رئاسة مجلس النواب، وقيادة الجيش) وبين دولة سورية الشعوب والطوائف والمذاهب في لبنان، هذا فضلا عن الأحزاب اللبنانية، والشخصيات اللبنانية؟.
كاتب من تونس

أوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى