ماذا يُطْبَخ في دمشق ؟!.
د.نصر حسن
العائم على سطح الأحداث في سورية هو ببساطة شديدة مثل الطافح على سطح طوفان هائج جرف في طريقه الكثير ورست الصورة التي تبدو عليها دمشق الآن , حزمة من الملابسات والمغالطات السياسية تتفاعل , أولاها أن دمشق الصيرورة تملك حركية المشهد السياسي الاقليمي سلباً وإيجاباً , هذا مايقوله التاريخ والجغرافيا السياسية في منطقة حرجة لم تعرف أسس الاستقرار حديثاً , وثانيها أن دمشق التي قيل عنها أنها تملك مفاتيح السلام ,أراده نظامها السلام المحمول على سياسة الممانعة اللفظية , يناور (أي نظام دمشق) بدعم جهنمي غير منظور وتفرد على هذا الحد , بقرع طبول الحرب وهو مسرعاً زاحفاً للسلام , وثالثها أن نظام دمشق يدرك جيداً أن حظه في الاستمرار ضمن بنيته الحالية وأسسها ومنهجها وآلية عملها ضمن النظام الدولي الجديد , الذي تجاوز تناقضات الحرب الباردة ورموزها ورواسبها,هو حظ قليل إذا لم يبرره بلعب دور كبير وخطير على مستوى المنطقة ,وهذا مايدركه ويعمل عليه كافة اللاعبون على الساحة الدمشقية الشرق أوسطية .
فعزلة نظام دمشق الظاهرية في السنوات القليلة الماضية التي رافقت ولاية الأسد الابن , كانت في بعض دوافعها إعطاؤه حرية تنفيذ الدورالوقح ليقوم ماقام به في سورية من قمع الحراك الديمقراطي الداخلي بقوة وعنف وحسم احتمالات التغيير أو عدم الاستقرار الداخلي في حده المباشر أولاً , وماقام به في لبنان بحرية ملتبسة من فوضى الاغتيالات وتقديم الدعم العلني لحزب الله المغضوب عليه, وبالتالي خربطة الحياة العامة الديمقراطية والسياسية والأهلية والاقتصادية وتوريط لبنان في حرب تدميرية أرجعته إلى وراء النظام السوري ثانياً , وشق وحدة الصف الفلسطيني سياسياً وجغرافياً ولأول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني ثالثاً , واللعب بالجرح العراقي النازف وعرقلة الاستقرار الداخلي في العراق رابعاً , وحمل المشروع الإيراني الفارسي على ظهره إلى نسيج الشعوب العربية وجر المنطقة إلى الصراعات المذهبية خامساً , وزعزعة التضامن العربي بكسر أضلاع مثلثه الاستراتيجي ( مصر –السعودية – سورية) في زمن الحرب الباردة سادساً , وجملة تلك الأفعال المارقة, يقوم بها نظام شرق أوسطي عربي وبتحدى المجتمع الدولي !.
والظاهر على السطح أنه بدون سند خارجي ومحاصر من المجتمع الدولي , مع انهيار وضعه الشعبي الداخلي !, وأيضاً مع فقدان شبكة القوى الأمنية والسياسية أهم ركائزها الداخلية من (انتحار غازي كنعان ) أحد أعمدته الأمنية إلى تجميد ( العليين ) جلادي آلته الأمنية , إلى انشقاق عبد الحليم خدام ومارافقه من تصدع سياسي داخلي , إلى اغتيال ( عماد مغنية ) في حصن دمشق الأمني إلى اغتيال محمد سليمان مستشار الرئيس ومسؤول المعلومات والعمليات الميدانية لديه على المستوى الاقليمي!! .
لاشك أن في الأمر إن غامضة كبيرة جداً , بعض كبرها هو دور النظام السوري الخطير في الحسابات البعيدة المدى على مستوى المنطقة , وأن مايطفوعلى السطح من مواقف عزل وحصار وجعجعة شكلية لفظية تجاهه, لايعكس حقيقة ماجرى, ومايجري ,وماسيجري !.
فدور النظام السوري في لبنان تحديداً كان هو المهماز الذي سوق به المجتمع الدولي عزلة النظام الموهومة تلك , والتي استطالت كثيراً لترتيب أمور أساسية في هيكلية المنطقة لتتقاطع أدوار الفاعلون في قمة الدوحة التي أعادت النظام السوري إلى حيث هو , إلى قلب الخطيئة التي لم يخرج منها عملياً سوى بالكلام , تزامن مع تنشيط مباحثات السلام عبر الوسيط التركي مشفوعاً بليونة المجتمع الدولي المفاجئة أو بشكل أصح استدارته إلى موقع ودور النظام السوري , وبدء مرحلة لتسويقه من جديد على أنه عراب المنطقة ومحلحل عقدها وتعقيداتها , ورغم أن النظام السوري علنياً قولاً وفعلاً لم يقطع عملياً مع نهجه القمعي الداخلي والمشاغب على المستوى الاقليمي والدولي , وجهره وثباته على علاقاته مع إيران ودعمه اللامحدود لحزب الله ونقل المعركة في لبنان إلى شماله وبلون واضح الهدف والوسيلة , وفجأةً يعود نظام دمشق ليكون نابض الحركة السياسية الاقليمية في المنطقة !!.
ماالذي تغير في النظام ,أو في مفردات المعادلات الاقليمية التي فرضت على اللاعبين تغيير الأداء والمراهنة مجدداً على اللاعب الوحيد المخضرم بالعنف , النظام السوري ؟!.
لاشك أن انعقاد قمة دمشق الرباعية ( فرنسا – تركيا – قطر – سورية ) هي مرحلة جديدة في المنطقة , يقع مسار السلام بين سورية وإسرائيل في متنها السياسي والبقية على أطرافها , والمعادلة الجديدة التي تشي بتباشير عودة نسمات الحرب الباردة التي أتت من أحداث جورجيا الأخيرة وزيارة بشار أسد إلى موسكو وتأييدها ولم يجف بعد حبر معاهدات التوبة التي وقعها في باريس ووعد تنفيذها على الأرض في لبنان , رجوعاً إلى تكليفه بدور الوسيط مع إيران النووية , وصولاً إلى زيارة الرئيس الفرنسي إلى دمشق , التي ستكون أكثر نتائجها وضوحاً هو كسر الحصار العربي الأمريكي الدولي المزعوم عنه , وزرق النظام بإبرة التقوية الاقليمية والاقرار بنهجه وخطابه الغوغائي بأنه غير قابل للحصار ,وبالتالي إعطاؤه دور العراب عن حق وحقيقة , وتعويم نهج النظام وإعلامه بأنه قد نجح في امتحان حصار خانق لمدة خمس سنوات على خلفية عناده للمشروع الأمريكي الدولي والتغلب عليه في العراق وفلسطين ولبنان وبالتالي الرجوع إلى الاعتراف بدوره الاقليمي !.
عودة على بدء , إن فرنسا التي قادت الحملة اللفظية على النظام السوري على خلفية عدم وفاء النظام السوري بوعوده في إعطاء حصة من الكعكة الاقتصادية والاستثمارات للشركات الفرنسية , وفضل منحها للشركات الأمريكية والمتعددة الجنسية وخاصة المتعلقة في الاستثمارات النفطية أولاً , وعلى وقع اغتيال رئيس وزراء لبنان المرحوم رفيق الحريري وجملة المصالح التاريخية الفرنسية في سورية ولبنان ثانياً , تلك الحملة التي نقلت النظام السوري من حال باطني إلى آخر سافر ظاهري ,أولى نتائجه فرط هيكلية التضامن العربي وإخراج سورية من محيطها العربي , وتنفيذ دوره في لبنان بغياب مهين للموقف العربي الدولي وعدم قدرتهما أو رغبتهما في وقف سياسة النظام السوري هناك , يضاف له تمديد ساحة الحرب على الإرهاب إلى حدود المتوسط وتسهيل انخراط إيران في المنطقة وتقوية دورها الإقليمي , وصولاً إلى تكبير دور النظام السوري بطعم الحرب الباردة من جديد التي لم تصطد من قديمها سورية والمنطقة غير الهزائم والتخلف والتطرف والفقر الذي يشكل حطب وقود محرقة ” لعبة الأمم ” في منطقة من أغنى دول العالم ثروة ً وأفقرها إنساناً ….!.
أهي مفارقة التاريخ أم دور السياسة ؟! فمن ضحى بقيم الحرية والديمقراطية وشرعة حقوق الإنسان ودعم أعتى الديكتاتوريات في سورية وسكت على الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان وغطى الطغيان البشع بحق الشعب السوري وشعوب المنطقة , هم من تظاهروا بأنهم قادرون على غلق الباب الدولي أمام النظام ومحاسبته , وهم أيضاً الآن يفتحون له نفس الباب ….أهي سياسة الباب الدوار وتكرار الأدوار ؟! أم ماذا ؟!.
فعلى هدى ” الدور عمود الطمأنينة ” قد يطمئن ويفرح النظام السوري ويتنفس الصعداء قليلاً …ومعه طبول إعلامه التي تعزف مزامير نصره الموهوم على المجتمع الدولي …لكن مايشي به المشهد الحقيقي أن موسم الحصاد السياسي في نهاياته ,وحان الوقت لحساب البيدر , البيدر بأطرافه الاقليمية والدولية , هنا تتعطل لغة الكلام … ويصبح الوزن سيد الموقف !.
خاص – صفحات سورية –