صفحات العالمفايز سارة

الحرب ضد «ويكيليكس»

فايز سارة
تبدو عملية اعتقال جوليان أسانج مؤسس وصاحب موقع ويكيليكس مؤخراً في بريطانيا، فصلاً جديداً من فصول الحرب على موقع يستحق بالفعل اسم موقع الفضيحة، بسبب ما قام به من نشر وثائق، اماطت اللثام عن اتجاهات وتفاصيل في سياسات وممارسات دول، ومواقف وآراء مسؤولين كبار في دول، لا يجرؤ كثير منهم على قول آرائه وبيان مواقفه بصورة علنية، سواء في الاحداث او الاشخاص الذين قال كلماته فيهم.
وبسبب اهمية وخطورة ما قام به ويكيليكس من دور، ما زال مستمراً في فضح وتعرية السياسة الدولية ورجالها، فقد بدا من الطبيعي، اندلاع حرب ضده، يشنها متضررون اساسيون، تقف الادارة الاميركية في مقدمتهم، ليس بسبب ما أدت اليه عملية نشر الوثائق من فضائح لهذه الادارة ودبلوماسييها فقط، بل باعتبار ان الموقع اخذ الوثائق اصلاً من ارشيف الادارة الاميركية، بمعنى انه شكل خرقاً فاضحاً لخصوصياتها واسرارها المحفوظة بعيداً عن اعين الجمهور.
وقريباً من خصومة الادارة الاميركية، تتموضع خصومة دول وحكومات كثيرة في العالم مع ويكيليكس، نتيجة قيامه بفضح سياسات تلك الدول ومواقف زعمائها وقادتها، وتندرج في هذا السياق حكومات ومسؤولون كبار في افغانستان والعراق ولبنان واسرائيل وتركيا وفرنسا وروسيا وغيرها، اضافة الى قادة وشخصيات عامة في دول أخرى، تناولتهم الوثائق الفاضحة، التي نشرها الموقع.
ورغم تعدد جبهات الحرب وتنوع مجرياتها واسلحتها، فقد بدت حرب الادارة الاميركية ضد الموقع وناشره الاهم والأكثر أثراً وتأثيراً، بل إنها مازالت تتصاعد مع استمرار الموقع في نشر الوثائق. وتندرج الحرب في سياقين، أولها هجوم على الموقع ذاته، والثاني هجوم على ناشر الموقع جوليان بول أسانج.
وتندرج جبهات الحرب الاميركية على الموقع في اربعة محاور، اولها حرب دعاوية اعلامية، تضمنت التنديد بما قام به الموقع، والذهاب الى اتهامه بالتجسس، وتعريض حياة الجنود الأميركيين للخطر وصولاً الى وصفه بـ«الارهاب» ومساعدة «القاعدة». والمحور الثاني، تضمن شن هجمات الكترونية متوالية ضد الموقع هدفها تعطيله ومنعه من الاستمرار في بث الوثائق، والمحور الثالث، أخذ على عاتقه التضييق على الموقع بالاشتغال على طرده من الخادم الالكتروني الأميركي العملاق «أمازون»، بحجة تخوّفه من أن نشر الوثائق «قد يضرّ بأبرياء»، ثم اخضاع الشركات الأميركية لضغوط سياسية مكثفة تفرض عليها وقف دعم الموقع أو حتى الاتصال به، والانتقال الى ملاحقته في الفضاء الالكتروني خارج الولايات المتحدة، مما دفع شركة «إيفيري دي. إن. إس» البريطانية لتعليق قدرة الجمهور على دخول الموقع، بحجّة أن الهجمات الإلكترونية التي تستهدف الموقع، قد تؤثّر على ملفّاتها الأخرى، ثم انضمت فرنسا الى الحرب على الموقع من خلال سعي وزير الصناعة والطاقة الفرنسي اريك بيسون لمنع استضافة «ويكيليكس» على المواقع الالكترونية الفرنسية، بحجة أنه «لا يمكن إيواء مواقع على الانترنت توصف بمواقع إجرامية، وترفضها دول أخرى بسبب انتهاكها حقوقها الأساسية».
والمحور الرابع في الحرب على ويكيليكس، يظهر في شكل حرب اقتصادية هدفها تجفيف مصادر تمويله التي تعتمد أساساً على التبرعات، وجاء في هذا السياق قيام موقع خدمة العملة الالكترونية «باي بال» بالإعلان عن وقف تلقي التبرعات للموقع بسبب «انتهاك شروط الاستفادة من هذه الخدمة»، وباعتبار ويكيليكس يعمل على تشجيع «أنشطة غير شرعية»، وتبع ذلك تسريب أنباء عن قيام مسؤولين في أحد المصارف السويسرية بالتوجه نحو إغلاق حساب مصرفي فتحه مؤسس الموقع في سويسرا.
ويُضاف الى محتويات الحرب على الموقع تفاصيل في الحرب على ناشره اسانج، والتي تضمنت فتح ملفاته الشخصية والعائلية في كل الاتجاهات بهدف إثارة الرأي العام ضده وارهابه.
ان مجريات وحيثيات الحرب ضد ويكيليكس، تؤكد أنها حرب حقيقية وشاملة، يجري خوضها بكل قوة وتصميم من أجل تدمير الموقع وتدمير صاحبه اذا امكن، والسبب في عنف وتصميم الادارة الاميركية واصدقائها على هدفهم، لا يتمثل فقط بما تركه نشر مئات آلاف الوثائق التي فضحت سياسة واشنطن وممارساتها في العراق وافغانستان، وطرق تعامل دبلوماسييها في العالم ومعه، ولا في قيام الموقع بانتهاك سرية خزائن السياسة الأميركية. بل لان الادارة الاميركية راغبة في منع حصول ما حصل مرة أخرى، بحيث لا يجرؤ أي كان على تكرار ما فعله ويكيليكس وناشره اسانج او حتى التفكير به.
واذا كانت نتائج الحرب، تبدو وكأنها محسومة لمصلحة الادارة الاميركية، فان ذلك يؤشر الى التغول الأميركي المقبل، والذي من شأنه احكام القبضة الاميركية على شبكة الانترنت، ومنع أي نشاط يمكن ان لا يتوافق في محتواه مع المصلحة الاميركية او يؤثر على بعض مساراتها، وغالباً فإن ذلك يكمن في خلفية مساعي موقع ويكيليكس وداعميه في عدم الاستسلام، والإصرار على الاستمرار في نشر الوثائق، وفي توليد عشرات المواقع التي تأخذ على عاتقها ما كان ويكيليكس قد بدأ فيه.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى