قضية فلسطين

الإخفاق في “كيّ الوعي”

بقلم سميح صعب
منذ اليوم الاول للحرب على غزة يردد المسؤولون الاسرائيليون والاعلام الاسرائيلي ان الهدف من الحرب هو “كي الوعي” الفلسطيني، أي ان تحمل الكلفة البشرية الهائلة والدمار الواسع الفلسطينيين على عدم التفكير مستقبلاً بمهاجمة اسرائيل.
“كي الوعي” هو المرادف لقوة الردع التي كانت تحمل أي طرف عربي قبل الحرب على لبنان في تموز 2006 على عدم حتى التفكير في يوم من الايام بمهاجمة اسرائيل. عقب حرب تموز فقد الاسرائيليون قدرة الردع باعتراف لجنة فينوغراد.
في غزة يخوض الاسرائيليون حرباً تتجاوز حدود القطاع ومسألة حمل “حماس” على القبول بالتهدئة. فشرط “حماس” لم يكن تعجيزيا، بل كان يتركز فقط على فتح المعابر. واذا كانت هذه المطالبة  تستدعي من اسرائيل الخروج الى الحرب، فكم بالحري ستكون المطالبة بدولة فلسطينية مستقلة.
إطلاق العنان لآلة القتل الاسرائيلية من دون التفريق بين مقاتل وطفل وامرأة ومسن، وبين مركز عسكري ومركز انساني وآخر تابع للأمم المتحدة، لا يدل على نقص في الخبرة العسكرية الاسرائيلية على التمييز، بل هو عمل مقصود في إطار عملية اوسع أطلقوا عليها اسم “كي الوعي” ليس لدى “حماس”  فقط وليس لدى الفلسطينيين فقط وإنما لدى كل العرب.
وهذا أقل المتوخى من الحرب في نظر الاسرائيليين. حتى أولمرت الغارق في الفساد، يريد ان يتطهر بدماء غزة ويغسل الخزي الذي لحق به في لبنان عام 2006. وليفني تريد ان تظهر أنها صاحبة تجربة من طريق المجزرة التي تركّب في غزة وتريد ان تثبت انها ليست أقل قدرة من اولمرت في اتخاذ قرار الحرب. وباراك يريد ان ينقذ حزبه من الزوال بمحاولة ابادة غزة مع سكانها. وليبرمان الاتي من روسيا يريد الانتقام من الاضطهاد التاريخي ليهود روسيا بضرب غزة بقنبلة نووية. أما نتنياهو فمع اعادة الاحتلال، وأقل من ذلك ليس مقبولاً.
بهذه الذهنية التوراتية اتخذ قرار الحرب. والذريعة ان سكان جنوب اسرائيل لا يستطيعون العيش مع “القسام”. لكن السؤال هو لماذا لم يسقط “القسام” خلال فترة التهدئة التي استمرت ستة اشهر؟ ولماذا سقط 28 فلسطينياً برصاص الجيش الاسرائيلي او قذائفه خلال التهدئة من دون ان يقتل اسرائيلي واحد؟ ولماذا استمرت اسرائيل في اغلاق المعابر وتقنين ارسال المواد الغذائية وتزويد محطة الكهرباء في غزة الحد الادنى من الوقود الامر الذي عرّض حياة كثيرين من سكان غزة للخطر وزاد من معاناتهم الانسانية الى حد يفوق التصور بشهادة المنظمات الانسانية الدولية وليس بحسب الفصائل الفلسطينية.
ومع ذلك اعتبرت اسرائيل التهدئة ناقصة، وقررت إجهاضها والذهاب الى الحرب بسبب سقوط صواريخ “القسام” بمعدل صاروخ او صاروخين في اليوم، او اطلاق قذيفة هاون بين الحين والاخر رداً على الهجمات الاسرائيلية التي كان يسقط فيها ضحايا فلسطينيون اعتباراً من اوائل تشرين الثاني عندما تصاعدت الخروق الاسرائيلية على خلفية قرار متخذ بالذهاب الى الحرب.
وقرار الحرب كان الهدف منه “كي الوعي” الفلسطيني الذي لم تعد تتحمله اسرائيل. المسألة ليست متعلقة بصاروخ “القسام”، بل في أبعد من ذلك. انها مسألة رفض “الوعي” الاسرائيلي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على أي جزء من تراب فلسطين التاريخية. تسيبي ليفني كانت تفكّر بصوت عالٍ عندما قالت انها ستطرد فلسطينيي 1948 عندما تقوم دولة فلسطينية. فكيف سيكون عليه موقف ليبرمان؟
بين الشعار المعلن للحرب الاسرائيلية ودوافعها الحقيقية، فارق كبير تصعب معه تلبية المطلب الاسرائيلي فلسطينياً وعربياً حتى وان لقي حالياً مهادنة من بعض العرب. لأن المطلوب اسرائيلياً أكثر بكثير من طاقة العرب، كل العرب، على تحمله.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى