دولة الفصل العنصري… بلا عقوبات([)
جون دوغارد
إن الصراع حول فلسطين هو صراع سياسي يجري ضمن إطار قانوني، فمنذ بداية الصراع، ومع خطة التقسيم المشؤومة التي شملها القرار 181، لعب القانون الدولي دوراً مهماً في الصراع. واليوم، فإن هذا الصراع يتم من خلال الجدل القانوني أكثر من أي وقت مضى. وبالتالي، فمن المناسب ان ننظر الى هذا الصراع من وجهة نظر قانونية.
منذ اعلان «دولة إسرائيل» قبل ستين عاماً، و«اسرائيل» تنتهك القانون الدولي بشكل مستمر. فعلى مر السنين، قامت «إسرائيل»، وما تزال، بانتهاك بعض أكثر المعايير اساسية في القانون الدولي. فقد اتهمت «إسرائيل» بانتهاك القانون الدولي من قبل كل من: مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان، والأجسام والهيئات المراقبة لتطبيق اتفاقية حقوق الإنسان، ومحكمة العدل الدولية.
وفي هذا الجانب، تشبه «إسرائيل» نظام الفصل العنصري الذي حكم جنوب افريقيا، فقد قامت بانتهاك القانون الدولي من خلال ممارسة التمييز العنصري، والقمع السياسي، وتصنيع الأسلحة النووية، والقيام باعتداءات عسكرية على جيرانها. إلا ان التشابه بين الاثنين يقف عند هذا الحد. فقد فرض مجلس الأمن الدولي على دولة جنوب افريقيا حظر استيراد السلاح، وتعرضت لشتى أنواع العقوبات من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة والدول الكبرى، وعزلت عن المجتمع الدولي من النواحي التجارية والرياضية والتعليمية والثقافية، وفي النهاية، رضخت دولة جنوب افريقيا للضغط الدولي وتخلت عن نظام الفصل العنصري. أما «إسرائيل»، فقد ظلت صديقة للغرب، ولم تتعرض إلا للقليل من الضغوط لحثها على الالتزام بالمعايير الدولية… لماذا؟ وما هي عواقب هذا الأمر؟ هذه بعض الأمور التي سنتحدث عنها.
أولاً: المعايير القانونية التي انتهكتها «إسرائيل»
عن التطهير العرقي هو أحد أكبر الجرائم الدولية شناعة، وهو بالتأكيد جريمة ضد الإنسانية، وقد يشكل إبادة جماعية. لقد صورت «إسرائيل»، عند اعلان قيامها سنة 1948، عملية التطهير العرقي التي شنتها ضد الفلسطينيين على انها هجرة او رحيل اختياري قام به مئات الآلاف من الفلسطينيين الى الدول المجاورة. ومؤخراً، تم تدقيق السجلات التاريخية بتأن أكثر من ذي قبل، من قبل إيلان بابه Ilan Pappe وغيره، ولم يعد هناك شك بأن «إسرائيل» قامت بطرد ما يقارب الـ750 ألف فلسطيني من أرضهم وديارهم، بطريقة وحشية محسوبة، وباستخدام العنف والإرهاب.
وإمعاناً في الأمر، تجاهلت «إسرائيل»، وما تزال، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 491، والذي صدر في 11/12/1948، والقاضي بوجوب السماح بعودة اللاجئين الى ديارهم، ودفع التعويضات لهم في حال لم يرغبوا بالعودة. وعلى الرغم من ان «إسرائيل» ارتكبت منذ السنة الاولى لإنشائها جرائم ضد الإنسانية بطريقة ممنهجة، ورفضت الرضوخ لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحل قضية اللاجئين، فقد سمح لها بدخول الأمم المتحدة سنة 1949، كدولة محبة للسلام، قادرة على، بل ومستعدة لتطبيق ما يترتب عليها من التزامات تفرضها شرعة الأمم المتحدة. وبالتالي، فإن المجتمع الدولي غض الطرف منذ البداية عن جرائم «إسرائيل»، مما عنى انها سوف تكون محمية ولها الأولوية مهما ساءت تصرفاتها.
على سبيل المثال لقي العدوان الإسرائيلي على سيناء سنة 1956 ترحيباً داخل «إسرائيل» (وفرنسا وبريطانيا) على اعتباره عملاً دفاعياً وحرباً عادلة ومبررة، ولكن، مرة اخرى، فإن الدراسات التاريخية التي اجريت مؤخراً، واستطاعت ان تضع يدها بشكل كامل على المادة التاريخية المتعلقة بالموضوع، توصلت الى خلاصة مختلفة عما قيل في زمن الحرب. فالمؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم Avi Shlaim يرى ان كلاً من «إسرائيل» وبريطانيا وفرنسا، كانوا متورطين في «العدوان الثلاثي» الذي كان له عواقب كارثية. والمفاجئ في هذا الخصوص أنه على الرغم من تحفظات بريطانيا على إنشاء «دولة إسرائيل» في سنتي 1948 و1949، إلا انها لم تتورع عن جعل «إسرائيل» حليفة لها في حرب عدوانية.
لا يسمح لنا الوقت بالدخول في سجال حول ما اذا كانت «إسرائيل» قد خاضت الحرب في حزيران/ يونيو 1967 دفاعاً عن نفسها ام انها كانت معتدية، لكن يكفي القول بأنه بعد ان مرر مجلس الأمن الدولي القرار 242 الذي أكد فيه ان مبادئ شرعة الأمم المتحدة تقتضي بـ«انسحاب القوات الإسرائيلية المسلحة من الأراضي التي احتلتها في الصراع الأخير»، رفضت «إسرائيل» الانصياع لهذا القرار الأممي. وعوضاً عن ذلك، فقد ضمّت بشكل رسمي القدس ومرتفعات الجولان، ورفضت الانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة. وحتى هذا اليوم، لم تعترف أي دولة بما قامت به «إسرائيل». وقد سعت «إسرائيل» الى تبرير عدم انسحابها من الأراضي التي احتلتها سنة 1967 (باستثناء سيناء) على اساس الخديعة التي تقول بأن القرارات الدولية لا توجب على «إسرائيل» الانسحاب من «كل» الأراضي المحتلة. وبالتالي، فإنها تسمح لنفسها بضمّ أجزاء من الضفة الغربية، وقد أثبتت الدراسات المتأنية لهذا الموضوع مجدداً أن الحجج الإسرائيلية كانت، بكل بساطة، خاطئة.
والمجتمع الدولي موحّد في اعتقاده بأن اتفاقية جنيف الرابعة ملزمة لـ«إسرائيل» فيما يتعلق بتعاملها مع الضفة الغربية، بما فيها شرقي القدس، وغزة. وهذا الاعتقاد مبني على مبادئ قانونية سليمة، وعلى تفسيرات الاتفاقية. ولكن «إسرائيل» أثارت مجدداً حججاً واهية لتبرير رفضها تطبيق الاتفاقية في الأراضي المحتلة، مدعية بأنها لم تقم باحتلال أراضٍ دولة ذات سيادة، مما يجعل اتفاقية جنيف الرابعة غير قابلة للتطبيق على تلك المناطق. وعلى الرغم من الإجماع الدولي حول هذا الموضوع، فإن «إسرائيل» ترفض الانصياع. فحتى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لسنة 2004، لم يقنع «إسرائيل» بقبول أحكام القانون الدولي. وبالتالي، فإنه من غير المستغرب أن تقوم «إسرائيل» بتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية (وفي غزة سابقاً)، بناء على حجة عدم إلزام اتفاقية جنيف الرابعة لها. ويشكل رفض «إسرائيل» لوقف بناء المستعمرات انتهاكاً واضحاً للمادة 49/6 من اتفاقية جنيف الرابعة، والمجتمع الدولي متفق على ذلك، وليس هناك من يدعم حجج «إسرائيل» الواهية، فحتى المحكمة العليا الإسرائيلية التي عادة ما تكون مستعدة لتقديم الدعم للحكومة لم تصادق على هذا الموقف. ومع ذلك، لم يستطع المجتمع الدولي ان يقوم بخطوة ذات مغزى، على الرغم من الاستمرار في بناء المستعمرات، مما يجعل الحل القائم على إنشاء دولتين حلاً غير قابل للتطبيق أكثر فأكثر.
وتنتهك «إسرائيل» أيضاً العديد من البنود الأخرى لاتفاقية جنيف الرابعة، وذلك من خلال فرض العقوبات الجماعية، المادة 33، وتدمير الأملاك والمنازل دون ان يكون هناك ضرورة عسكرية لذلك (المادة 53). وعادة ما ينسى ان هذه الاتفاقية، وكذلك قواعد القانون الدولي العرفي، تفرض على «إسرائيل» ان توفر المتطلبات الصحية والتعليمية للناس الخاضعين للاحتلال، وان توفر لهم الطعام والدواء المناسب، المواد 50 و55 و56، إلا ان «إسرائيل» لا تفي بهذه الالتزامات، وتعتمد بشكل تام على المجتمع الدولي المانح، وعلى مهربي البضائع في الأنفاق للقيام بهذه المهمة.
في وقت ما في السبعينيات، بدأت كل من «إسرائيل» ونظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا بتصنيع السلاح النووي، وفي سنة 1990 دمرت جنوب افريقيا ترسانتها النووية، إلا ان «إسرائيل» احتفظت بسلاحها النووي. وعلى العكس من إيران، فإن «إسرائيل» ليست طرفاً في اتفاقية الحد من انتشار السلاح النووي، وبالتالي، فإنه وبعكس إيران أيضاً لا يمكن اتهامها بانتهاك التزاماتها تجاه تلك الاتفاقية. ان القانون الذي يحكم امتلاك السلاح النووي يشوبه عدم الوضوح، لكن هناك بعض الشك إذا ما كان القانون الدولي العرفي يحرّم على الدولة عدم الإفصاح او الإعلان عن تصنيعها لهذا السلاح، ان الموقف الغربي تجاه «إسرائيل» وإيران في هذا الخصوص، يعكس مدى استخدام المعايير المزدوجة. فالعقوبات تفرض على إيران، ولكن شيئاً من هذا لا يحدث لـ«إسرائيل»، التي تمتلك الأسلحة النووية، لكنها لا تقدم تقارير عن امتلاكها لمثل هذه الأسلحة (على عكس الهند وباكستان).
أما فيما يتعلق بالجدار، فقد رأيت أجزاء عديدة منه، وكمبعوث خاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد تقصّدت القيام بزيارة للجدار والحديث الى المزارعين والمجتمعات المتضررة من قيامه. وليس لديّ شك بأن الهدف الأساسي من بناء الجدار، هو الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بحكم الأمر الواقع de facto، وذلك من أجل إدخال 80% من المستوطنين ضمن «إسرائيل»، وذلك من أجل المضي قدماً بـ«تهويد» القدس. إن ادعاء «إسرائيل» الأساسي بأن هذا الجدار، هو «سياج أمني»، كان منذ البداية أمراً يصعب القبول به، خصوصاً مع القيام ببناء الجدار داخل الأراضي الفلسطينية بدل بنائه على طول الخط الأخضر. ولكن مؤخراً حتى «إسرائيل» تخلت عن هذه الحجة، وهي تعترف اليوم دون خجل بأن الهدف الأساسي من هذا الجدار هو إعادة ترسيم حدود «إسرائيل» من أجل ضم معظم المستعمرات. وقد حكمت محكمة العدل الدولية بعدم شرعية الجدار، وبأنه ينتهك اتفاقية جنيف الرابعة، تماماً كما ينتهك معاهدة حقوق الإنسان، ودعت «إسرائيل» الى تفكيكه ودفع التعويضات للفلسطينيين الذين صودرت أراضيهم، ولكن الاستجابة الدولية لهذا الموضوع كانت ضعيفة ومترددة. وبكلمات اخرى، لم تحدث أي محاولات لتعزيز رأي محكمة العدل الدولية. وسوف أتحدث أكثر عن هذا الموضوع باختصار، فـ«إسرائيل» مصممة على تغيير هوية القدس وتحويلها من مركز للحياة الفلسطينية الى مدينة يهودية، حيث يتم تهديم البيوت بطريقة غير قانونية، ويجري بناء الجدار في جوار القدس ويتم تقسيم العائلات الفلسطينية من خلال عملية البناء هذه، كما ان الدخول الى الأماكن الدينية مقيد بشكل كبير، حتى المدينة المقدسة لم تسلم من عملية الاستيلاء الإسرائيلية غير الشرعية على الأراضي.
وأخيراً وفي إطار هذا التعداد السطحي والمطوّل لجرائم «إسرائيل»، هناك توغلاتها العسكرية المتكررة في غزة والضفة منذ سنة 2000، وفي لبنان سنة 2006، وفوق هذا كله الاعتداء الذي نفذته على قطاع غزة تحت مسمى عملية الرصاص المصبوب. فبصفتي رئيساً للجنة جامعة الدول العربية المستقلة لتقصي الحقائق، والتي زارت القطاع في شباط/ فبراير 2009، كانت لي فرصة رؤية الدمار الذي أحدثه جيش الدفاع الإسرائيلي والحديث الى الضحايا. ولم تتردد اللجنة في اعلان ان «إسرائيل» قد ارتكبت جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في عملية الرصاص المصبوب. وحققت اللجنة فيما إذا كان ما حدث هو عملية إبادة جماعية في وجه من وجوهه، إلا اننا وجدنا أن الهدف من هذا الاعتداء كان إيقاع العقاب الجماعي بالفلسطينيين، وان «إسرائيل» لم تكن لديها نية القيام بتدمير الشعب الفلسطيني في إطار عملية إبادة جماعية. وقد جرت تحقيقات اخرى وصلت الى النتيجة نفسها، مثل تحقيق منظمة هيومن رايتس ووتش Human Rights Watch، وأطباء من اجل حقوق الإنسان، ومركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان (بتسيلم) The Israeli Information Center for Human Rights in the Occupied Territories (B’Tselem)، ومجلس مقر الأمم المتحدة للتحقيق في بعض الحوادث التي وقعت في قطاع غزة في الفترة من 27/12/2008 الى 19/1/2009، الذي عينه الأمين العام للأمم المتحدة للتحقيق في اعتداءات الجيش الإسرائيلي على منشآت الأمم المتحدة في غزة، وعلى رأس هذه التحقيقات كان تحقيق بعثة جولدستون التي عينها مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
لم تتحدّ «إسرائيل» بشكل جدي أي مادة من هذه التقارير، بل وجهت انتقاداتها الى مبعوثي مجلس حقوق الإنسان. ومؤخراً اقترحت «إسرائيل» تغيير قوانين الحرب من أجل السماح لـ«إسرائيل» بارتكاب جرائمها باسم الحرب على «الإرهاب»، وهذا ما يبدو إشارة واضحة بأن «إسرائيل» تقرّ بأنها ارتكبت جرائم في غزة، والأدلة واضحة وضوح الشمس.
ثانياً: ردة فعل المجتمع الدولي حيال ما تقوم به «إسرائيل»
إن الاتحاد الأوروبي ومعظم الدول الأوروبية تتبع واشنطن بطريقة عمياء، ولعل الشعور بالذنب تجاه الهولوكوست، يلعب دوراً كبيراً في عملية صناعة السياسة الأوروبية، ولكن بشكل أساسي فإن الاتحاد الأوروبي يتبع خطى واشنطن. كما ان الغرب مصمم على تجنب تطبيق سياسته تجاه جنوب افريقيا على «إسرائيل»، ففي مجلس الأمن تستخدم الولايات المتحدة حق الفيتو لحماية «إسرائيل»، مع او دون مساعدة فرنسا وبريطانيا. وفي الرباعية، وهي اللجنة التي أسست بشكل غير رسمي من قبل مجلس الأمن الدولي لتعزيز العملية السلمية في الشرق الأوسط، والتي تضمّ الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، فإن واشنطن تقود زمام الأمور لتضمن عدم اتخاذ أي موقف قوي ضد «إسرائيل». وهذا ما يفسّر موقف الرباعية تجاه رأي محكمة العدل الدولية حول الجدار، والسبب وراء ذلك واضح، فالولايات المتحدة عارضت بشكل دائم رأي المحكمة، وهي مصممة على أن تجعله غير فاعل. والأمم المتحدة بقيادة أمينها العام غير قادرة على الوقوف في وجه واشنطن، كما أن الاتحاد الأوروبي وروسيا غير مستعدّين لتحدي واشنطن، على الرغم من التزاماتهم تجاه حكم القانون وحقوق الإنسان.
يعتقد القليل بأن المصادقة على تقرير غولدستون في مجلس الأمن الدولي ستتم، على الرغم من الموافقة عليه في مجلس حقوق الإنسان. فالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا قد أشاروا الى معارضتهم للتقرير، كما أن كلاً من روسيا والصين أعلنتا أنهما سوف يعارضان أيضاً مثل هذه الخطوة. وباختصار، فإن «إسرائيل» سوف تعتمد على فيتو ثلاث دول في مجلس الأمن، وامتناع عضوين عن التصويت من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن. ومع ان الجمعية العامة للأمم المتحدة قد تصدر بيانات حول هذا الموضوع، إلا انها لا تمتلك صلاحية إحالة تقرير غولدستون الى المحكمة الجنائية الدولية. وعلى الرغم من انها من الناحية النظرية يمكنها أن توصي بفرض عقوبات مشابهة للعقوبات التي فرضت على نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا، فإنه من غير المرجح ان تقوم بذلك. ويمكن للمدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية ان يفتح تحقيقاً بالجرائم التي تم ارتكابها في غزة بناء على طلب من السلطة الوطنية الفلسطينية، وفقا للبند 12/3 من اتفاقية روما، ولكن ذلك يتطلب شجاعة حقيقية منه في مواجهة إصرار الغرب على حماية «إسرائيل».
ثالثاً: عواقب فشل الغرب في التصرف ضد «إسرائيل»
لن تكون هناك أية عواقب خارج فلسطين من امتناع الغرب عن اتخاذ أية إجراءات ضد «إسرائيل». سوف يستمر الوضع على ما هو عليه داخل فلسطين.
العواقب على المدى البعيد سوف تكون أكثر خطورة. فإذا ما سمح لـ«إسرائيل» بالاستمرار بما تقوم به حالياً، فإن الحل القائم على إنشاء دولتين سوف يصبح مستحيلاً، وسيترتب على الغرب ان يصبح في مواجهة بديل واحد ممكن، وهو دولة واحدة ذات أغلبية فلسطينية.
وحينها سوف يكون لزاماً على الغرب ان يقرر ما إذا كان يريد دعم حل قيام دولة فصل عنصري يكون لليهود الأقلية سلطة على الأكثرية الفلسطينية، او الإصرار على حكم الأكثرية في دولة ديموقراطية. وفيما لو اخذت هذه العملية طريقها للتحقق فعلاً، فإن الرأي العام في الدول العربية سوف يقوى ويتجذر أكثر، وحكومات الدول «المعتدلة» سوف تزول ليحل محلها أنظمة أكثر راديكالية.
أما العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي فسوف تتراجع أكثر نتيجة لما يرى من دعم غربي لـ«إسرائيل»، كما ان حقوق الإنسان سوف تفقد مصداقيتها نتيجة للحماية المستمرة التي يقدمها الغرب لـ«إسرائيل» وفشله في تحميل «إسرائيل» مسؤولية ما تقوم به. وقد بدأت عواقب كيل الغرب بمكيالين بهدف حماية «إسرائيل» تظهر، فالعالم الثالث، يرفض لجم من ينتهكون حقوق الإنسان في مقابل إصرار الغرب على حماية «إسرائيل» من النقد لانتهاكها حقوق الإنسان. وهذا ما يحدث بشكل أساسي في مجلس حقوق الإنسان، حيث تستعمل دول العالم الثالث مجلس حقوق الإنسان كأداة لإدانة «إسرائيل»، في حين تقوم بحماية منتهكي حقوق الإنسان فيها من المساءلة بسبب قيام الغرب بحماية «إسرائيل».
ولكن، يبدو ان هذه العواقب لن تردع الغرب، فبالنسبة لهم حماية الدولة اليهودية هي الأساس مهما كان الثمن، أما الحل القائم على إنشاء دولتين، وتحسين العلاقات مع العالم الإسلامي، وعالمية حقوق الإنسان، فهي ليست سوى خراف يمكن التضحية بها على مذبح إرضاء «إسرائيل».
([) ترجمة مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات عن الأصل الانكليزي:
International Law, Israel and palestine
([[) المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. أستاذ قانون دولي. قاض في محكمة العدل الدولية.