“المسعى السوري – السعودي” أُرجئ أم توقّف؟
سركيس نعوم
لا يزال “حزب الله” يؤكد رسمياً استمرار رهانه على المسعى الذي بدأته المملكة العربية السعودية وسوريا قبل اسابيع عدة لحل الازمة السياسية الحادة الناشبة بين فريقي 8 آذار و14 آذار. ومعروف ان السبب الرسمي للأزمة هو ملف شهود الزور الذي يرفض فريق 14 الاعتراف بأي وجود له، رغم إقرار زعيمه رئيس الوزراء سعد الحريري في حديث صحافي الى “الشرق الاوسط” السعودية بوجوده وبالضرر الذي احدثه لعائلته وللبنان والعلاقات اللبنانية السورية، والذي يصر فريق 8 آذار على احالته على المجلس العدلي. لكن معلوم في الوقت نفسه ان السبب الرسمي الآخر للأزمة نفسها هو إصرار فريق 8 آذار على إبطال “المحكمة الدولية” بقرار لبناني رغم علمه ان ذلك لن يؤثر على استمرارها في عملها كونها نشأت بقرار عن مجلس الامن. ولا يزال “حزب الله” يقول ان تقدماً حققته السعودية وسوريا لحل الأزمة المذكورة اعلاه. لكن وسائل الإعلام القريبة منه بدأت تتساءل اذا كان هذا المسعى لا يزال قائماً، او اذا كان العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز لا يزال ملتزماً اتفاقه مع رئيس سوريا بشار الاسد ايجاد حل لها. علماً ان هذا الالتزام قضى يوم قرره صاحبه بـ”إقناع” زعيم “تيار المستقبل” الرئيس الحريري بالمخارج الممكنة من الازمة الناشبة التي اقترحتها سوريا حليفة الحزب، والتي تدعو بكل بساطة التيار المذكور الى الانقلاب على نفسه على الطريقة الجنبلاطية. وقد اكد هذا التساؤل مساء اول من امس نائب “حزب الله” نواف الموسوي عندما اشار، وفي معرض تأكيد استمرار رهان حزبه على المسعى السعودي – السوري، الى عقبة تعترض نجاح الاخير، وهي “العقبة الاميركية”. طبعاً يعرف النائب الموسوي وقيادة حزبه ان لا فصل بين اميركا والعربية السعودية الدولتين الحليفتين منذ عقود طويلة، رغم ان ذلك لا يعني تطابقاً كاملاً في مواقفهما كلها. لكنه شاء ان يوحي بجدية المسعى، رغم عدم اقتناعه ربما بذلك، لأن حزبه لا يريد ان يتحمل مسؤولية اجهاض المسعى السعودي – السوري لاسباب كثيرة بعضها محلي وبعضها الآخر اقليمي وتحديداً سوري.
كل ذلك يدفع اللبنانيين الى اثارة اسئلة كثيرة تتعلق بحقيقة الموقف السعودي اليوم من المسعى الذي بدأه الملك عبدالله مع الرئيس الاسد لحل ازمة ملف الشهود الزور واستطراداً ملف المحكمة الدولية في لبنان. لكن هل من اجوبة مفصّلة ودقيقة عن اسئلتهم؟ طبعاً الاجوبة المفصّلة والشاملة والدقيقة، ستبقى غائبة، لأن “طبع” العربية السعودية ليس منفتحاً كفاية للتحدث علناً عن سياساتها وديبلوماسيتها. وهذا امر لمسه اللبنانيون والعرب منذ عقود. ولأن براعة سوريا تقضي بتسريب ما يلائم مصالحها ومخططاتها من اخبار ومعلومات وتحليلات وان كانت مجتزأة، وخصوصاً اذا كان قصدها إبقاء مسعاها مع السعودية مستمراً اقتناعاً منها بقدرتها على تحقيق المزيد من المكاسب بواسطته. الا ان القليل من المعلومات المتسرّبة عن الموقف السعودي وخصوصاً عن “المسعى المشترك” ومدى استمراره، من جهات عربية واجنبية واسعة الاطلاع، يشير الى امور عدة. منها ان العاهل السعودي كان صادقاً في مسعاه لحل ازمة لبنان المستجدة بالتعاون مع سوريا، وإن قيادة الاخيرة اقنعته بصيغة ظهرت طلائعها في “الشرق الاوسط”، وان الموافقة على هذه الصيغة من فريقي لبنان اي 8 و14 آذار كانت قريبة. ومنها ايضاً ان غالبية المسؤولين السعوديين على تنوع مراتبهم، وكلها عالية، لم يكونوا تماماً في الجو التفصيلي لمسعى الملك رغم معرفتهم العامة به. ولم يعترضوا على ذلك لأن الملك هو الحاكم. لكنهم اظهروا وطبعاً داخل الغرف المقفلة عدم ارتياحهم الى ما يجري. ومنها ثالثاً، دخول الولايات المتحدة على الخط وشرحها للعاهل السعودي خطورة ما يفعله ليس على لبنان فحسب بل ايضاً على دولته ومنطقته. ذلك ان نتائج مسعاه الذي حددت سوريا اطاره ومضمونه ستصب في مصلحة المحور السوري – الايراني وستتضرر السعودية والخليج كثيراً من ذلك. ومنها رابعاً، الوعكة الصحية التي اصابت العاهل السعودي فأفسحت امامه في مجال، لا التراجع عن مسعاه، بل مراجعة ما قام به حتى الآن. ويقال انه توصل الى استنتاجات انطوت على اقتناع بأن اخطاء قد تكون ارتُكِبت. واعطته الوعكة فرصة تأجيل بت “المسعى المشترك”، وربما تعطيه النقاهة لاحقاً، وخصوصاً اذا كانت خارج المملكة، الفرصة للاستمرار في التأجيل في انتظار صدور القرار الاتهامي الدولي. ومنها خامساً، معرفة العاهل السعودي ان المملكة وفي ظل الظروف الصحية لكبار القادة فيها، وتنوّع المواقف بينهم، والاستهداف الذي تتعرض له، لا تحتمل ترف التزام امر وعدم تنفيذه، ولا التزام أمر غالبية مراجعها غير مقتنعة به. ومنها سادساً واخيراً، شعور مرجع لبناني حليف لسوريا وبعد “اتصال اطمئناني” الى صحة العاهل السعودي ، ان تغييراً ما في موقفه قد حصل. وطبعاً اطلعت العاصمة السورية على هذه الاجواء.
هل يعني ذلك ان لبنان سائر نحو “المشكل” بسبب عدم تسوية ملف “شهود الزور”؟
ربما، ذلك ان المعلومات التي وردت من باريس عن محادثات الرئيس الاسد مع الرئيس نيكولا ساركوزي افادت باختصار شديد ان لا إمكان للبحث في اي شيء او لالتزام اي شيء قبل صدور القرار الاتهامي، وذلك قد يحصل خلال اسابيع او اشهر. وهي فترة كافية لقيام كل متضرر من الانتظار، او لكل مستعجل على التخلّص من المحكمة، او لكل رافض لالغاء المحكمة، بالاعمال التي يعتقد انها تحقق اهدافه، مما يجعل لبنان ارضاً مفتوحة لصراع الجميع على تناقضهم.
النهار