تأرجح الحزب
وليد شقير
يغلب التأرجح بين التصعيد والاستعداد للتسوية على موقف «حزب الله» من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والقرار الاتهامي الذي سيصدر عنها. وهذا التأرجح لا يدل على شيء سوى على الارتباك والقلق، عكس ما يقوله قادة الحزب بأنهم ليسوا قلقين ولا خائفين من المحكمة. فالحجة القائلة إن الحزب يستطيع إسقاط أهداف المحكمة وسيتمكن من ذلك، لا تستدعي كل هذا التوتر وبعض الخطاب التهديدي الذي ظهر في الأيام الماضية.
والحزب بما يملك من قوة وقدرات سياسية وعسكرية وعلاقات إقليمية، قادر حتى إشعار آخر، على مواجهة أي قرار اتهامي وعلى الحؤول دون تنفيذ حيثياته عليه، إذا صح أنه سيتهم أفراداً منه بالتورط في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. والأرجح أن لا أحد قادر على الوصول الى أي فرد من الحزب يمكن أن يتهم بالجريمة، فالجميع يدرك أنه يصعب الوصول الى أي فرد من الحزب حتى إذا كان ملاحقاً من جهة أقل شأناً بكثير من المحكمة الدولية وبتهمة أقل شأناً بكثير من تلك التهمة المفترضة التي يشيّع البعض ويسرّب البعض الآخر أنها يمكن أن توجه الى أفراد من الحزب، والتي ساهم الأخير في إشاعتها عبر الحملة اليومية التي يخوضها ضد المحكمة منذ أكثر من ستة أشهر. والحزب يمكنه القول إنه غير خائف لأن ما يقوله قادته والأمين العام السيد حسن نصرالله عن أنه استطاع أن يواجه ضغوطاً وصعوبات أكبر من التحديات التي يمكن المحكمة الدولية أن تفرضها عليه، هو أقرب الى الواقع. وإذا صح عدم الخوف هذا فإنه لا يبرر بعض المواقف المتشنجة لأنها تقود أصحابها الى غير الانطباع بأنهم غير خائفين.
وإذا كان القلق من «تشويه السمعة»، كما يقول قادة الحزب، هو الذي يدفعهم الى بعض المواقف التصعيدية ويقودهم الى الدفاع عن سمعة الحزب أمام الرأي العام الإسلامي وجمهور المقاومة نفسها، ويسوقهم الى الدفاع «المشروع» عن النفس، فإنه مفهوم ومبرر أن يدافع الحزب عن نفسه أمام محكمة الرأي العام قبل المحكمة الدولية. وقد يكون مفهوماً أن الرد على ما يسمى «تشويه السمعة» هو «بتشويه سمعة» المحكمة الدولية نفسها ومحاولة «تشويه سمعة» القوى الدولية التي أيدت وتؤيد المحكمة واتهامها بشتى الاتهامات، وهو يأخذ بطريقه أطرافاً لبنانية هي الفريق الآخر في أي تسوية منشودة.
وبموازاة هذه الاتهامات للفريق المؤيد للمحكمة أو الرافض للتخلي عنها، يردد الحزب منذ أسابيع التزامه المسعى السعودي – السوري الذي يهدف الى التوصل الى تسوية تعالج التداعيات المحتملة لأي قرار اتهامي قبل صدوره وبعده، كما يردد قادته استعدادهم للحوار والتعاون في مواجهة أي فتنة مذهبية سنّية – شيعية ورفضها ورغبتهم في الجلوس معاً للبحث في الحلول التي تضمن تفادي هذه الفتنة.
وهنا يكمن التأرجح الذي يغلب على موقف الحزب. فاضطراره الى رفع الصوت يجعله ينزلق الى مواقف تأسره وتأسر معه الفريق الآخر في خندق المواجهة، بدلاً من ملاقاته هذا الفريق نحو التسوية التي لا ينفك يدعو إليها هو الآخر بالحوار وبعيداً من الضغط والاتهامات منذ أن أطلق الحزب حملته قبل ستة أشهر، أي منذ أن أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري في حزيران (يونيو) الماضي أن دم رفيق الحريري وروحه لن يكونا سبباً للفتنة بين السنّة والشيعة. وهو ما انفك يكرر هذا الموقف بوضوح أكثر وتحديد أدق في الاجتماعات المغلقة، على رغم أن فريق الحزب وحلفاءه يأبون إعطاءه فرصة الارتقاء بموقفه من شدة الضغوط التي يمارسونها عليه، سواء بدءاً من شلّ الحكومة مروراً بتوجيه الاتهامات إليه وانتهاء بتهديده وتهديد جمهوره وتسفيه مبادراته الكثيرة التي تمهد للتسوية كما حصل في رد الفعل على حديثه الى جريدة «الشرق الأوسط» حين تراجع عن الاتهام السياسي لسورية.
قد لا يعترض خصوم الحزب على مطلب السيد نصرالله أن «يتركوا المشكلة بيننا وبين المحكمة الدولية» لأن هذا ينسجم مع موقفهم بأن المحكمة باتت شأن المجتمع الدولي، ولأن هذا يقود الى أن يكون مسار التسوية الداخلية منفصلاً عنها، ويضمن حماية لبنان والمنطقة من الفتنة. لكن، يفترض بالحزب الخروج من التأرجح الذي يطبع موقفه، بما فيه اقتراحه تجميد قرار مجلس الأمن في شأن المحكمة غير القابل للتحقيق أولاً، ولأن التجميد لا يقود سوى الى إبقاء القضية معلقة والملف مفتوحاً، فيما التسوية هي شكل من أشكال إقفال الملف لبنانياً وهذا المهم، لأنه يقفل الباب على الفتنة التي لا يمكن إخضاعها للتجميد. فهل يُعقَل أن يُقبِل ولي الدم على التسوية أكثر من الغير؟
الحياة