صفحات سورية

بداية المواجهة ؟

null


رنده حيدر

لا يحتاج المرء الى الكثير من العناء كي يستنتج ان اسرائيل هي من يقف وراء اغتيال المسؤول العسكري في “حزب الله” عماد مغنية في دمشق. فمنذ تفجير السفارة الأميركية في بيروت عام 1983 وبصورة خاصة بعد تفجير السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين 1994 تحول عماد مغنية الى المطلوب الأول الذي تلاحقه أجهزة المخابرات الأميركية والإسرائيلية
في آن واحد. حساب طويل لإسرائيل مع مغنية الذي تعتبره”العقل المخطط” لعمليات الحزب ومن كبار مؤسسيه ومن كبار المهندسين لعلاقة الحزب بإيران.

يحمل مكان الاغتيال وتوقيته أكثر من دلالة مهمة. فهو يشكل ثاني اعتداء فاضح ومحرج تقوم به اسرائيل داخل الأراضي السورية بعد قصف سلاح الجو الإسرائيلي أهدافاً في عمق سوريا قيل إنها تعود الى منشأة سورية نووية قيد البناء.ومثلما فرضت إسرائيل السرية التامة على عملية القصف والتعتيم الاعلامي من المنتظر ايضاً ان تمارس الأسلوب عينه في ما يتعلق باغتيال مغنية. ولكن هذا لا يمنع طرح العديد من التساؤلات بشأن الأهداف الأخرى التي يرمي الاغتيال الى تظهيرها مثل انكشاف العمق السوري لنشاط المخابرات المعادية وهامش حرية عمل هذه المخابرات التي استطاعت بعد مطاردة استمرت عقدين الوصول الى مغنية الذي نجح طوال تلك الفترة في تضليل أجهزة المخابرات على اختلاف انواعها.

أما توقيت العملية فهو رسالة مزدوجة توجهها اسرائيل الى “حزب الله” والى حليفيه الإقليميين سوريا التي وقعت العملية على أراضيها، وايران التي يقوم وزير خارجيتها بزيارة رسمية لدمشق.

فالاغتيال هو بالدرجة الأولى رسالة موجهة الى “حزب الله” وامينه العام حسن نصر الله. وقد اعتبر بعض الاسرائيليين اغتيال مغنية أهم من اغتيال الأمين العام السابق لـ”حزب الله” عباس الموسوي، ففي رأيهم ان وجود أشخاص مثل مغنية يتطلب اعداداً وتحضيراً قد يستغرق سنوات. من هنا فخسارة الحزب كبيرة جداً. ويمكن القول إن الإغتيال هو رسالة تهديد موجهة الى كل القيادات السياسية والعسكرية ليس لـ”حزب الله” في لبنان فحسب وانما ايضاً لـ”حماس” و”الجهاد الاسلامي

في غزة، توضح فيها اسرائيل مغبة أي تدخل لهم عبر محاولة فتح جبهة في شمال اسرائيل في حال قام الجيش الاسرائيلي بعملية برية واسعة النطاق في غزة.

ثمة من يقول إن الاغتيال سيفتح من جديد باب العمليات الانتقامية ضد اهداف يهودية خارج إسرائيل وداخلها، وإنه على الارجح سيقضي على حظوظ اسرائيل في اطلاق سراح أسراها في لبنان وفي غزة. ولكن وبغض النظر عن ذلك كله لا يمكن اهمال جانب اساسي هو انعكاس اغتيال مغنية على الوضع الحكومي وعلى الداخل الاسرائيلي.

لقد ترك نشر نتائج تقرير فينوغراد عن حرب لبنان الإئتلاف الحكومي بزعامة اولمرت في وضع هش وضعيف. ورغم كل مظاهر الثقة بالنفس التي يظهرها رئيس الحكومة بوضعه فهو يعلم علم اليقين بأنه فقد ثقة مواطنيه وناخببيه بقدرته كحاكم؛ من هنا لا يمكن النظر الى اغتيال مغنية الا كونه يصب في مصلحة الحكومة الحالية التي يتنقل رئيسها ووزير دفاعها بين عواصم القرار في العالم مدافعين عن قرارهم شن عملية برية واسعة ضد “حماس” في غزة قبل ان تتحول الحركة في القطاع الى “حزب الله” جديد.

تعمل حكومة اولمرت ليل نهار مع سائر الأجهزة الأمنية والعسكرية على الاعداد الدقيق للحرب على “حماس”. ويبدو أن الجيش الاسرائيلي ينظر الى العملية العسكرية المقبلة بأنها المعركة التي يجب ان تعيد له اعتباره وصدقيته بعد الإنتقادات الحادة التي وجهت اليه لسوء أدائه في حرب تموز.

لذا فالفصل الدموي الذي شهدته دمشق اول أمس قد يكون بداية لمرحلة تصعيد ومواجهة قريبة بين اسرائيل و”حماس” في غزة وبينها وبين “حزب الله” في لبنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى