صفحات ثقافية

لِمَ الشعر؟

null
اسكندر حبش
لِمَ الشعر؟ لا أحد يستطيع أن ينكر اليوم، هذه المفارقة التي نعيشها. نحن في زمن، لا يتوقف فيه الشعراء عن التوالد، عن الكتابة، عن المحاورة، عن النشر… مثلما لا يتوقف زمننا الراهن، عن تذكيرنا بأن ليس هناك مكان بعد للشعر، إذ يحيل ذلك لعشرات الأسباب، قد لا تكفي كلمة صغيرة هنا لتعدادها.
ومع ذلك، ما زلنا ننحاز إلى هذه اللحظة الشعرية، بكلّ ما تحمله من مفارقات «غريبة» في كثير من الأحيان. على الأقل من حيث القراءة. نقرأ العديد من الأشياء المتفرقة، المتباعدة، لكننا في النهاية، لا زلنا نفرد للشعر هذه المساحة القصوى في حياتنا. مساحة نُسيّجها، بمئات العلل، ونمضي إلى حيث لا يمكن أن نجد إلا ما نرغب فيه.
لست في وارد أن أقدم دفاعاً عن الشعر، وبخاصة أنها تأتي من شخص غارق في هذا الحيّز منذ سنين طويلة. كلّ ما في الأمر، أن ثمة مقالين استوقفاني منذ يومين، الأول في جريدة «لوفيغارو» والثاني في «لوموند» (الفرنسيتين). يتحدث الأول عن بيع مخطوطات وصور في لندن (صالة سوزبي) لكل من رامبو وفيرلين ومالارميه بأكثر من مليون ونصف يورو. والثاني، مقالة عن كتاب صدر حديثاً بعنوان «لماذا الشعر؟ ميراث أورفيوس» يحاول فيه مؤلف الكتاب فابريس ميدال – على قول كاتب المقالة – «أن يبدد هذه الضبابية التي تغلف طبيعة الشعر الحقيقية، وأن يرسم أراضيه».
هل من ضبابية فعلاً، تغلف الشعر؟ لو عدنا إلى تعريف صغير قاله ذات يوم باول تسيلان – ويستشهد به كاتب المقالة – بأن القصيدة ليست سوى «يدّ ممدودة»، على الرغم من أن خلاصها عبر القراءة غير مضمونة سلفاً، لوجدنا أن «تكملته» جاءت عند كافكا الذي قال «يمدّ الشعراء أيديهم نحو البشر. بيد أن هؤلاء لا يرون هذه الأيدي الصديقة، إذ لا يشاهدون إلا القبضات المتشنجة التي تصوب نحو الأعين والقلوب».
عديدة، هي التعريفات التي يمكن لنا أن نسوقها حول الشعر، مثلما هي عديدة المقولات التي تجعلنا ننحاز إلى هذه الكتابة. لكن لنتأمل فعلا هذه الكلمات الصديقة، التي لم نعد نرغب في رؤيتها والتي ما زالت تتيح لنا أن نستمر، عبر هذه القوة الخرافية، التي تمدّها أمامنا كلمات الشعراء.
فعلاً، وبالرغم من تحول الزمن، نجد أننا ما زلنا بحاجة إلى هذه «الأسطورة» الجميلة، لنعلق عليها، على الأقل، رغبتنا في حياة نصنعها على مدى «أوهامنا»، على مدى عزلتنا الخاصة التي تتيح لنا أن نجد عزاءنا المتفرد. ألم يقل هايدغر «الشعر، توحّد بدون مسافة، من جرّاء الانهماك بكلّ شيء، أيّ أنه توحدٌّ من خلال الاعتراف، لسنا، عند الفجر، أعداء أيّ شخص سوى الجلادين».
يكفي أن تكون الكلمات ضد الجلادين، كي نستمر في هذه اللغة.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى