صفحات مختارة

الاحتقان العرقي والطائفي في البلاد العربية

إعداد: رباب كزبري الخطيب
حين يأتي الحديث في الاحتقان العرقي والطائفي في الوطن العربي في غمار ما يجري من أحداث في العراق، والسودان، واليمن، ولبنان، ومصر، وفلسطين من العدوان الهمجي المتواصل الذي تقوم به إسرائيل على الشعب العربي عموما والشعب الفلسطيني خصوصا، مدعومة بتأييد أمريكي واسع، يزودها بأحدث ما لديه من أسلحة القتل والدمار ويلبّس إعلامه المخادع على الناس كل أعمال الظلم والعدوان والقتل والتشريد والهدم والتخريب

بأقنعة السلام والعدل والديمقراطية وحقوق الإنسان ويغض طرفه عن جرائم القتل وهدم المنازل فوق رؤوس سكانها وعن المقابر الجماعية التي وارت شهداء غزة ونابلس وجنين وبغداد وكربلاء ويضيء لها إشارات المرور الخضراء إلى جميع مدن الضفة والوطن العربي لاحتلالها وإذلال من بقي حيا من أهلها، حين نتحدث عن حوار في ظل الرغبة الأمريكية بالتفرد والهيمنة والتسلط مستغلة غياب الآخر وما تسبب به من إخلال في الموازيين وهدر للقيم وتغليب للمصالح .
حين يأتي الحديث عن الاحتقان ونحن نشهد احتضار الأمم المتحدة التي شكلها حق ( الفيتو ) فتركها عاجزة عن تنفيذ قراراتها التي أفلتت من قبضة هذا الحق الجائر عاجزة عن إيفاد لجنة لتقصي الحقائق ولو غرضها طمس الحقائق والتغطية عليها بعد أن كشفها الأعلام المرئي، وعرضها بعريها كله على الضمير الإنساني المغيّب والمقهور . حين يراد الحديث عن الاحتقان في العالم العربي حيث يسود الطغيان والاستبداد وغياب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وشرائع حقوق الإنسان، حين ترى المناهج التي تدرس للأطفال تقدس التعصب والكراهية وإقصاء الآخر، حين نسمع الخطاب الديني المتشدد وافتقار الدولة لقوانين رادعة لكل من تسول له نفسه تهديد أمن الآخرين، حين نسمع ونرى الأعلام بمختلف وسائله يغيب الرسالة اللأنسانية حين نرى تراجع وتدني أثر المجتمع المدني ومؤسساته في الشأن العام، حين نرى التغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في عقدين من السنين وقد شملت هذه التغييرات الثروات النفطية التي تعرضت لموجات متتالية من المد والجزر والسياسات الأقتصادية والتعليمية والإعلامية تتفاعل كل هذه الأسباب مع عوامل داخلية وخارجية مؤدية الى مرض الحرمان الذي يؤدي أيضا إلى إصابة الدول بمرض ( نقص المناعة الأمنية ) فيظهر فيها العنف المؤسسي مقترنا بعجز عن الحوار مع جيل الشباب وعن إفساح المجال له كي يعبر عن نفسه ويخدم بلده، وهكذا يقع كثير من الشباب ضحية العنف المؤسسي فتنمو في أوساطهم ظاهرة التطرف الديني، ومن الملاحظ ان هذا العنف المؤسسي يشتد مع تعثر هذه الأنظمة في تحقيق أهدافها المعلنة في التنمية الأقتصادية والتعددية السياسية كما يقوى مع وقوعها في أسر التبعية والديون بفعل سياسات دول الهيمنة العالمية .
شهدنا مع نهاية القرن العشرين تسارع حركة التاريخ وتدافع الأمم متجهة نحو التكامل والتواصل لبناء تكتلات اقتصادية وسياسية تمكنها من مواجهة التحدي في هذا القرن الذي لم يعد فيه مكان للمنفرد الأعزل . في العالم العربي شهدنا أيضا دعوات لإقامة التكتلات هذه الدعوات ليست وليدة اليوم بل هي قديمة قدم التمزق والتشتت والتناحر والفرقة التي عانينا ولا نزال نعاني منها فلماذا خمدت كل هذه الجهود ؟ ولماذا أصيبت كل هذه المنظمات بالتعطيل والجمود ؟
أريد أن أثير التفكير حول طريقتين في أسلوب مواجهتها لقضايانا العامة المتصلة بحركة الأهداف الكبيرة في حياتنا على أكثر من صعيد سواء فيما نثيره من قضايا الوحدة على مستوى الطائفة أو الإقليم أو الأمة أو الحزب وما إلى ذلك أو من قضايا المصير الأخرى المرتبطة بمواجهة التحديات السياسية أو العسكرية أو الأقتصادية فيما نواجهه من حركة الواقع السياسي والعسكري الأقتصادي ضد المحاور الداخلية والإقليمية والدولية .
هناك الطريقة المثالية : التي ترتبط بالهدف مباشرة بشكل عاطفي انفعالي وتتميز هذه الطريقة بالتفكير المطلق الذي يواجه الهدف بالتبسيط الساذج لكل المشاكل التي تعترض عملية الحركة في طريق الوصول وذلك بأعتبارها مشاكل بسيطة يمكن للزمن أن يحلها كما يمكن للأجواء الشعبية الحماسية أن تخفف الكثير منها، وهكذا تبقى القضية هدفا يبحث عن طريق .
وهناك الطريقة الواقعية : التي تواجه الهدف بمنطق الواقع، فلكل ظاهرة أسبابها الكافية في الواقع ولكل واقع ظروفه المحدودة بالزمان والمكان والأشخاص ولكل هدف وسائله ومراحله وآفاقه، لذلك فأن الذين يفكرون بهذه الطريقة يعملون على دراسة المشروع من خلال معرفة الأرض التي يقوم عليها والشروط التي ينبغي توفرها والأشخاص الذين يتحركون معه في الداخل والخارج وهكذا يملك القائمون عليها وضوح الصورة وواقعية التفكير بعيدا عن السرعة والأرتجال .
هاتان هما الطريقتان اللتان تحكمان الواقع العملي للإنسان، فأين نحن منهما الآن … لعل الوحدة في أكثر من موقع في حياتنا هي أكثر من حلم في كل مجتمع يعاني من التجزئة وهكذا انطلقت عناصر التجزئة لتعيش كعقدة شعورية في الداخل في مواجهة الحلم الكبير . عاش إنساننا في هذه الساحة بين حركة العقدة التي تجره الى الخصوصية لتسجنه في داخل ذاته، وانطلاقة الحلم الذي يرتفع به الى الشمولية ليطير به إلى أجواء المطلق، وقد خلق ذلك لديه ارتباكا بين ما هو الواقع وما هو الحلم حتى إذا انتصر الحلم في وعيه مشى إليه بعيون مشدودة إلى السماء لا تبصر مافي الأرض من مشاكل وحواجز . كنا نرى الحلم في كل مرة يسقط صريعا أمام ضغط الخصوصية في الواقع فلماذا كان ذلك ؟ في اعتقادي لأن الإنسان في المنطقة العربية لم يعش الشمولية إلا خلال الخصوصية مم جعل حماسه للخصوصية أكثر من حماسه للعمومية انطلاقا من الحالة الشعورية التي تخلقها التجربة، وقد تكون المشكلة تنطلق من حالة ذاتية للواقع الذي يحمل في داخله مشاكل التجزئة على مستوى الشخصيات المتعددة التي تتحرك في ساحاته لتخلق له المزيد من السلبيات العملية في الحاضر والمستقبل مما يجعل الصورة التي يتطلع إليها صورة غائمة لا تغريه بالمزيد من الأندفاع ولا تدفعه لتقديم الكثير من التنازلات الخاصة لحساب القضية العامة .
هذا هو ماعشناه عندما انطلقت فكرة الوحدة الإقليمية في البلد الذي تتعدد فيه القوميات والطوائف أو الوحدة العربية في المنطقة التي تنوعت فيها الأقاليم أو الوحدة الإسلامية في الساحة التي تختلف فيها المذاهب والطوائف، فقد كان حلما في الروح يبحث عن الأفق الذي يتخلص فيه من كل مشاكل الواقع التجزيئي والتعددي من خلال الفكرة الغائمة التي توحي بأن التعدد هو المشكلة مما يجعل من الخلاص منه نهاية المشكلة فيؤدي ذلك الى الألتصاق بالوحدة على أساس أنها الحل دون دراسة لعلاقة المشكلة بالتعدد في مواجهة مشاكل الوحدة، وقد يدفعنا ذلك الى الأبتعاد عن فهم الأسس الواقعية للمشكلة التي قد تكون خاضعة لمؤثرات ذاتية، مثلا في حالة رصد للواقع نرى فكرة الوحدة والأندماج بين فئات المجتمع مرت بتاريخ طويل من الدعوات الإصلاحية التي انطلق بها المصلحون للألتقاء على رسالة الأمة والبعد عن التنازع والأختلاف الذي يبعثر القوى ويضيع الطاقات، ولكن ذلك لم يغير من واقع التجزئة شيئا بالرغم من الحماس الذي تثيره الخطابات الحماسية والمواعظ الأنفعالية في نفوس الناس فقد كان ذلك الجو يهدأ ويخف تدريجيا حتى يتبخر في الهواء ويرجع كل فريق الى قواعده سالما فلماذا حدث ذلك ؟
ربما كان السبب في أن الدعوة الى المواطنة كانت رد فعل ولم تكن فعلا فيما يعيشه العاملون من الحالة المعقدة على المستوى النفسي والحياتي في الواقع مما كان يؤدي الى التنازع والتحاقد والأحتقان والتقاتل على أساس غير معقول، فيما كان يواجه به بعضهم البعض من أساليب التجريح والتنكيل بعيدا عن كل عقلانية أو موضوعية أو إيمانية فيسقطون بذلك في ساحات الصراع تحت تأثير النتائج السلبية ليكونوا فريسة سهلة لكل لاعب ومحتل وغاصب، وهكذا كان العاملون يواجهون ذلك كله بالثورة على الواقع تماما كما هي الحالة النفسية التي تريد أن تتخلص من المشكلة بأي ثمن وبشكل سريع .
ربما كانوا يواجهون الفشل بإلقاء اللوم على الشعب الجاهل المتخلف الذي لا يعي مشاكله الحقيقية ولا يتطلع الى آفاق المستقبل بوعي أو بتحميل الأستعمار مسؤولية ذلك كله على أساس سياسته المعروفة ( فرق تسد ) وربما كانوا يرتاحون لهذا التبرير الذي يوحي لهم بأنهم قد قاموا بواجبهم خير قيام ولكنهم اصطدموا بالجهل الشعبي من جهة وبالقوى الضاغطة من جهة أخرى، وربما نلاحظ في هذا الأتجاه انه يخلق حالة تراجعية لدى الناس عندما يلاحظون عدم واقعيتها فيخافون من الضياع أمامها فيرجعون الى مواقعهم المذهبية أو العرقية بشغف وخوف تماما كما يفعل الطفل الخائف من التهاويل الغامضة المحيطة به عندما يفزع بكل لهفته وخوفه الى حضن أمه مما يقوي الروح الأنقسامية أكثر فيزداد الأحتقان لدى كل طائفة أو مذهب، وقد وجدنا بعض الناس المنقسمين لمذهبيتهم الضيقة أو طائفيتهم يتهمون العاملين في سبيل التآلف والمواطنة بأنهم منحرفون عن خط المذهب أو الطائفة أو العرق لأمتهم وحدويون كما لو كانت الوحدة والتضامن جريمة .
فما هي ملامح هذه القضية ؟ ما هي النقاط السلبية في أسلوبها العملي ؟ إننا نجد فيها ملامح الدعوة المثالية التي تحلق في السماء ولا تتحرك في الأرض لأن من أبسط القضايا التي يجب أن ندركها هي أن التاريخ المعقد الذي عاش أبناء هذه المنطقة مشاكله الدامية وأساليبه المتخلفة ومواقفه القلقة لايمكن أن تلغيه بخطبة بليغة أو حركة سريعة لأن الرواسب التي يتركها في الأعماق من مشاعر وأفكار وتعقيدات تخلق حاجزا نفسيا مقدسا ضد الفريق الآخر وتعمل على إقصائه ونفيه لأن الخصوصية عندما تحاصر الشمولية والجزيئات تطوّق الكليات وبذلك يتحول المذهب الى دين مميز كالدين الذي يتميز عن دين آخر ويعود الأرتباط بالشخصيات سلبا أو إيجابا عنصرا من عناصر الشخصية فيما هو معنا أو عدونا فإذا التقينا بالواقع الحاضر فسنجد أن الفرز الطائفي أو المذهبي قد تحول الى حالة تشبه الحالة العشائرية في أفكارها وعواطفها ومواقعها السياسية والأجتماعية والثقافية وأصبح لهذه الحالة مصالحها الخاصة في مواجهة كل فريق للفريق الآخر مما جعل الشخصية الضيقة تتعمق أكثر في الأنحراف عن خط التآلف للمواطنة لتلتصق بعالم الأشخاص مبتعدة عن عالم الأفكار والمبادئ .
وهكذا رأينا إن العلاقة بين الطوائف قد تحولت الى مايشبه العلاقة بين الدول فلكل منها منطقته الخاصة التي لايجوز للآخرين التدخل في شؤونها أو الأمتداد إليها ولكل منها أوضاعه الداخلية التي لايجوز المساس بها من الفريق الآخر وهكذا أصبح للساحة أحاسيسها الملتهبة التي يمكن أن تشعل الحريق لأول بادرة نزاع أو خلاف وتدخل المحاور السياسية في الساحة على المستوى الإقليمي أو الدولي مما جعل الجانب المذهبي أو الطائفي يدخل في الحسابات السياسية كأداة من أدوات التفجير هنا أو كوسيلة من وسائل الأضواء هناك وذلك من خلال سياسة التخويف التي تتحول الى لون من ألوان الخوف المتبادل الذي يثيره هذا المحور أو ذاك لتكون النتيجة أن تتحرك الحالة السياسية لتفرز حالة طائفية، مذهبية ويتطور الخلاف السياسي ليتحول الى خلاف مذهبي، طائفي دون أن تعرف طبيعة العلاقة بين هذا وذاك إلا من خلال الحساسيات الذاتية التي يحاول الكثيرون تحويلها الى حساسيات طائفية، هذه هي بعض ملامح الواقع الذي تحرك من التاريخ الى الحاضر وتطور حتى أصبح صورة من صور تعليب الشخصية في المنطقة العربية داخل العلبة الطائفية بحيث لايشعر الإنسان معها انه يتفاعل مع روح الأمة فيها بقدر مايتفاعل مع أحقاد الطائفة وحساسياتها . السؤال هل يمكن أن نحقق خطوة واحدة الى الأمام لتحقيق حلم المواطنة في ظل هذه الساحة ؟ ويزول الأحتقان ؟
قد لايكون هذا هو كل الواقع وبذلك يكون القفز عنه بمثابة القفز عن المشكلة بالأساس بالقفز عن مواجهة جذورها الحقيقية في الواقع مما يجعل من المحاولة هروبا من المشكلة لا حلا لها . علينا أن نسأل أنفسنا هل الطائفية تحدد الأعداء من مقاييس الطائفة أم من مقاييس المبادئ ؟ فإذا استطاع محور ما أن يتفق مع طائفة ما لتحقيق مصالحها في مواجهة الطائفة الأخرى، هل يعتبر صديقا لها ؟ وان كان عدوا للأخرى ؟ فأين يكون العدو الواحد ؟ وكيف نتصور الغيرة على الوطن ؟ إذا كنت أعتبر الآخر مواطنا وبالتالي فلا يكون اضطهاده منافيا للكرامة والدفاع عنه دفاعا عن الوطن ؟ وهل يحمل لنا الزمن إلا التأكيد لمثل هذه الأجواء مادامت المقدمات تتحرك في طريق تحقيق تلك النتائج ؟ ترى هل نستطيع الأنعتاق من ذلك الحيز الضيق المسجونين داخله والأنطلاق في أجواء لا يعنينا الفرز الطائفي المذهبي شيئا لنا في حركة الحياة ؟ لأن في اعتقادنا انه بإمكاننا التمحور في أي محور سياسي أو اجتماعي آخر دون أن يسيء ذلك الى عملية الأنتماء الفكري، الروحي في طبيعة المضمون مما يجعلنا لا نمتنع عن الأندماج العملي تحت أي صيغة أخرى على مستوى الوطن أو الإقليم أو أي شيء آخر وبذلك نفتقد الطائفية والمذهبية أي مضمون لها فيما يتصل بواقع الناس لأنها لا ترتبط بأي شيء خارج نطاق الذات وتبقى لأصحابها صفة النسب الطائفي المشترك في المسألة الأجتماعية والروحية، ربما كان الفهم التقليدي لأي دين هو الذي يجعل أصحابه يتجمدون في فهمهم للجانب الذي يختلفون فيه فيما يمثله من مفهوم الألتزام والتقوى فيخيل إليهم إن التعصب هو الألتزام وان الأنغلاق هو التقوى وأن نفي الآخر هو الإخلاص وفيما سيتبعه ذلك من فقدان العناصر المنفتحة التي تتيح لهم التفكير بالأشياء من الأفق الأوسع فتراهم يتوقفون أمام كلمة هنا، وحركة هناك، ويواجهون التاريخ بسلبياته وايجابياته من خلال النوازع الذاتية، الطائفية، التي تجعل الأرتباط بالشخصية التاريخية ارتباطا بالذات لا بالفكرة لذلك فأن الإخلاص لها فيما يطلقونه عليها من نعوت أو فيما يمنحونه لها من أدوار قد يقيم في كثير من الحالات على حساب الفكرة وبذلك قد استطاعت هذه الذهنية أن تخلق في الساحة تعقيدات كثيرة من خلال بعض السلبيات التي يثيرها الفريق ضد اسم معين ليقابله فريق آخر بأسم آخر وهكذا ينسى الجميع الدين والمصير والمستقبل من أجل الكلمات التي تصنع الإثارة في النفس، ولكن دون مضمون على مستوى وعي القضية التي يدافعون عنها أو يحملونها فهم ليسوا مستعدين للمناقشة أو للحوار أو للبحث عن خلفية الموقف أو الكلمة أو الشخص لأن القضية قي قصة الحريق الداخلي الذي يعمل من أجل إشعال الحريق في الساحة كلها للتنفيس عن عقدة هنا ولمعالجة وضع ذاتي هناك، تلك هي قصة الآفاق الضيقة التي تستغرق في الجزيئات فتنسى القضايا الكلية معها في عملية غيبوبة وحذر واسترخاء .
هي تلك بعض الأفكار والتأملات حول الواقع، المشكلة، والفهم والمسار فماذا عن الحل ؟ وكيف نبحث عن الخطوات العملية للوصول الى النتائج الإيجابية المطلوبة ؟
قد يكون من الأفضل لنا أن نفكر بالجوانب الواقعية التي يمكن أن تحيط بفكرة الحل فنلاحظ إن هناك آفاقا ثلاثة لإزالة الأحتقان من خلال تنوع آفاق المشكلة فنحن في الداخل توجد حواجز نفسية ذات حالة عاطفية سلبية ومشاكل فكرية في نطاق تفاصيل المفاهيم المشتركة الإنسانية العامة والجزئية، ومشاكل سياسية في نطاق الواقع الطائفي والعرقي الذي يعمل على فرز المواقع السياسية تبعا للطابع المتنوع ومن الطبيعي أن تختلف وسائل المعالجة وأدواتها ففي الجانب النفسي نلاحظ التاريخ المعقد الذي أحاط بالعلاقات العامة والخاصة وما كان فيه من أحداث دامية واضطرابات وخصومات وما أفرزه من تباعد بينهم بالمستوى الذي جعل لكل فريق منهم مجتمعا خاصا يتميز بخصوصيته المذهبية أو الطائفية أو العرقية ويعمل على إقامة الحواجز أمام أي تقارب نفسي بين أفراد المذاهب والطوائف المتنوعة بحيث تكون مواطن الخلاف أساسا للفرز بدلا من أن تكون مواطن اللقاء المبادئ المشتركة، وإذا كان الجانب النفسي هو الذي نريد معالجته في قضية الأحتقان فلا بد لنا أن نكشف كل عوامل الإثارة الروحية والفكرية والعاطفية التي يمكن أن تثير أفكار الجماهير وأرواحها وعواطفها بطريقة واقعية مدروسة وأن تمنح الأمة القاعدة التي تنطلق منها للتخلص من الأحتقان وتعرف كيف يمكن أن تعيش في نطاق التنوع ونعتقد إن اللقاءات العامة والخاصة بين القيادات والفعاليات وبقية أفراد الأمة من المذاهب المختلفة والطوائف المتنوعة يمكن أن تساهم مساهمة كبيرة في تذويب الجليد وتقريب وجهات النظر وتأليف القلوب كما يمكن أن تساهم في ذلك علاقات الزواج المتبادلة وربما كان من الضروري للمحافظة على هذا الهدف الكبير أن نفتح للأمة آفاق الشعور بالسعادة والأستقرار التي ينتظرها في حاضرها ومستقبلها من أجل قضاياها المصيرية على أكثر من صعيد، وأن نعمل على تعميق روح العدالة والمحبة بعيدا عن كل أوضاع العصبية والأنغلاق .
الجانب الثاني، وهو الفكري، قد نلتقي بالفوضى الفكرية التي يعيشها المفكرون في تقويم أفكار بعضهم البعض كنتيجة لأجواء الجدل التقليدي المتخلف الذي الذي لم يكن يبحث عن الحقيقة فيما يمارسه من أساليب بل كان يبحث عن تسجيل النقاط السلبية ضد هذا الفريق أو ذاك بعيدا عن النقاط الإيجابية لتثبيت سقوطه .
ان علينا أن نبحث عن أسس الخلاف والوفاق من خلال المصادر الأصلية التي يعتمدها الأطراف في قبول رأي أو رفضه لنصل الى التلاقي في اعتمادنا على المبادئ وهكذا نرتكز في المسألة على أساس الموضوعية في النقد والتقويم والأقتناع بعيدا عن الفكرة المسبقة التي تسبق الدليل وتفرض نفسها عليه وهذا يحتاج الى شجاعة في مناقشة الأفكار وفي اتخاذ القرار المنسجم مع نتائج المناقشة .
الجانب الثالث، وهو الجانب السياسي من الأحتقان نلتقي بالواقع الطائفي في الحقل السياسي الذي يحول كل طائفة الى كيان مستقل في قضاياها وفي مصالحها وفي حركة الحاضر والمستقبل بحيث يشعر كل فريق بأن علاقته بقضية الفريق الآخر ليست قضية ذاتية بل هي قضية خارجية تحكمها الظروف السياسية في ضوء ذلك يمكن أن تتحول العقدة المستحكمة الى قنبلة موقوتة يمكن أن تفجر الساحة كلما أريد لها أن تنفجر بالحقد والعداء والبغضاء وما زالت اللعبة تتحرك في كل اتجاه وعلى أكثر من صعيد، هذا وقد يحدث لبعض الأوضاع السياسية المتنوعة التي قد تؤدي الى بعض حالات الصراع أن تؤدي الى تحريك الأجواء الطائفية انطلاقا من العلاقات التي تحكم هذا النظام بطائفة معينة في ظل نظام آخر فيما يختلف فيه الناس في مذاهبهم مما قد يخلق معارضة في داخل هذا البلد لمصلحة النظام في البلد الآخر، وتكون النتيجة أن يقع المعارضون تحت تأثير الأضطهاد أو يشعر الحاكمون بأن هذه الطائفة أو تلك لاتحمل الأنتماء الإيجابي لبلدها فتصبح موضع شك واضطهاد فيختلط جانب العقدة المذهبية أو الطائفية بالعقدة السياسية لتتحول المسألة هذه الى كارثة المذهب أو الطائفة كوسيلة لحرب النظام الذي يتبناه أو يعطف عليه، وقد نلاحظ أن بعض المحاور الدولية أو الإقليمية تعمل على الأستفادة من بعض السلبيات في تحويل الصراع الى صراع طائفي لتضع القضية السياسية في نطاق الصراع الطائفي أو المذهبي لتستطيع تحريك الساحة مذهبيا فيما يمكن أن يخلقه من عناصر الإثارة الطائفية في الوقت الذي نعلم فيه جميعا إن الأحتقان الذي وجد لا دخل فيه للطائفية والمذهبية بل كل مافي الأمر أن هناك صراعا دوليا وأقليميا يتحرك في الساحة من منطلقات سياسية واقتصادية .
والآن كيف يمكن مواجهة هذا الطابع السياسي للخلاف، إننا نرى ضرورة الوعي الكامل بموضوع وحدة الوطن والمواطنة فيكون الدين لله والوطن للجميع كل حسب كفاءته واستحقاقاته علينا فرصة للتأمل والتفكير في توحيد المواقف أو تقريبها لمواجهة الهيمنة الضاغطة بموقف حاسم ينطلق من وعي قضايانا كقضية إنسانية فيما تعيشه قضايا الإنسان من مواقع الحرية والكرامة والعدالة من دون أن نثير الموضوع بطريقة طائفية معقدة وذلك بمحاولة ربط هذه القضايا بالمبادئ والقيم الإنسانية لتتحول هذه الحالة الى حالة عميقة في وجدان كل فرد ليكون أساسا للبحث في المواضيع الواقعية المختلف عليها بعيدا عن الحواجز النفسية، وسنكتشف أن هناك أكثر من أرض صلبة نقف عليها، وإن مانختلف فيه يمثل حالة طبيعية واقعية، ويمكننا أن نلتقي مع الأختلاف من مواقع الأنفتاح المنطلق من الفكر والروح لا من مواقع الأنغلاق القائم على التعصب والبغضاء .
كيف نستطيع أن نزيل الأحتقان والعنف الناتج عنه، يتحقق ذلك بثقافة التسامح وعقلانية الحوار في المبادئ التي تتوطد عليها أسس الحياة الإنسانية منها :
1. محبة الإنسانية جمعاء بغض النظر عن الجنس، اللون، العنصر، المعتقد، الدين .
2. توحيد نطاقات الفكر الإنساني ووجهات النظر العديدة في دراسة مقارنة تتضمن في وحدة تأليفه للدين في مفهومه الروحي .
3. تعمق وتوسع في دراسة القوانين الطبيعية والإنسانية والاجتماعية والولوج الى نطاق أو مستوى القوانين والمبادئ الكونية التي تشملها .
4. العقل المنفتح والقلب المنفتح سبيل الى لقاء الإنسانية في حوار يتبنى المحبة والاعتراف الكامل بالآخر والقبول الكامل به .
5. تأسيس بنية عقلية ونفسية ومكونة تصلح لأجراء حوار بناء بين أفراد المجتمع .
6. الإعلان العالمي لواجبات الإنسان الذي يشمل على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يدعو الى تربية ايجابية تجعل من الواجب أمرا أخلاقيا وعقليا وروحيا .
7. السعي المثابر والهادف الى تحقيق العدالة الاجتماعية الملازمة لكرامة الإنسان وحريته .
8. تنقية المناهج الدراسية من الغلو والتطرف ونفي الآخر، ووسائل الأعلام كافة والخطاب الديني من كل إساءة للمجتمع أو أي فئة من فئاته .
9. على الدولة ومؤسساتها إصدار قوانين رادعة لكل مسيء لأمن واستقرار المجتمع .
10- وإذا كنا نعتبر الإنسانية تهدف الى تحقيق غاية كامنة في كيانها فإنما لايحق لنا أن نختلق عوائق تحول دون تحقيقها
وكذلك لايحق لنا أن نسعى الى تثبيت التفرقة العنصرية وإثارة التناحر الإقليمي والنزاع المؤدي الى الحروب، هذا
لأن الغاية تشير الى تلافي الأهداف التي تتفرع عن الغاية الأصلية .
أن الأخوة الإنسانية لا تتعارض مع كون الإنسان ينتمي الى وطن أو دين أو قومية، هذا لأنه يشع في اتجاهات أربعة، أولا من كيانه الى ذاته لكي يحقق كمون هذا الكيان، ثانيا من كيانه الى مجتمعه لكي يحقق إنسانيته في اجتماعيته، ثالثا من كيانه الى العالم لكي يحقق أسنته، رابعا من كيانه الى الكون لكي يحقق روحانية وجوده في هذا المنظور، يقضي الواجب بخدمة المجتمع الممثل بالوطن، وخدمة الإنسانية الممثلة بالأنسنة، وأخيرا تحقيق الكونية في محبة الكون وأزلية الحياة .
وأخيرا أريد أن أقول أطلقوا الدين في الهواء ليتنفس في دائرة الضوء ولا تحبسوه في العلبة الطائفية المظلمة فأننا بذلك نحرر أنفسنا وواقعنا وحاضرنا ومستقبلنا من كل الأغلال، لنكن الفكر الذي يصرخ ويوحي ويحاور في ساحات الإنسان، ولنكن الواقع الذي لا يبتعد عن مواقع السمو .

رباب كزبري الخطيب
بيروت 22/01/2010

Mobile: +963988212805
Tel: +963113713357
khateeblana@yahoo.com
موقع ثرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى