صفحات سورية

صراع عربي – إيراني داخل الصراع الأكبر

null

سركيس نعوم

يعرف “العارفون” اللبنانيون أو بعضهم ان الجمهورية الاسلامية الايرانية منعت أكثر من مرة تحوّل الصراع السياسي كما هو أو الطائفي بل المذهبي فعلاً صراعاً عنفياً أو أعمالاً عسكرية وحربية.

ويعرفون ايضاً ان الدوافع الى موقفها هذا كان دائماً تلافي الفتنة المذهبية بين المسلمين وتالياً الحرب الأهلية. ويعرفون اخيراً ان المنع في حينه لم يكن سهلاً عليها، أولاً بسبب الاحتقان الداخلي وثانياً بسبب ميل حلفائها على الساحة اللبنانية الى محاولة حسم الاوضاع بعد التردد الطويل الذي كاد ان يفقدهم بعضاً من صدقيتهم عند جمهورهم وحلفائهم وثالثاً بسبب تيقنها من رغبة حلفائها الاقليميين في الانتهاء من الفريق اللبناني المعادي لهم أو على الأقل إضعافه تلافياً لمشروعاته المؤذية وحرصاً على استعادة موقع لهم في لبنان فُقد وبأبشع الطرق.

انطلاقاً من هذه المعرفة يتساءل العارفون اياهم اذا كان حصل تغيير في السياسة اللبنانية للجمهورية الاسلامية الايرانية جعلها لا تعارض إقدام حلفائها على الحسم عسكرياً في بيروت وعلى محاولة الحسم في مناطق لبنانية أخرى باعتبار أنهم ما كانوا ليقوموا بهذا العمل لو انها كانت هي ترفض ذلك. طبعاً ليس الجواب الشافي عن تساؤل كهذا سهلاً على الاطلاق.

علماً ان الكثيرين، سواء داخل حلقة حلفاء ايران في لبنان أو خارجها، اعتبروا ان قراري مجلس الوزراء المتعلقين بشبكة الاتصالات السلكية للمقاومة وبرئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير كانا أحد أسباب عدم الممانعة الايرانية لعملية “حزب الله” العسكرية في بيروت وخارجها لكونها اعتداء بل حرباً موصوفة عليه وعلى استراتيجيته المحلية والاقليمية، كما اعتبروا ان تجرّؤ الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط على ايران علناً بمطالبته الحكومة بطرد سفيرها من لبنان وباتخاذ اجراءات عقابية أخرى في حقها كان سبباً آخر لعدم الممانعة الايرانية.

لكن المعلومات والمعطيات والتحليلات التي توافرت عند مصادر ديبلوماسية اقليمية متنوعة تشير الى ان ما جرى في لبنان في ايار الماضي وربما ما قد يجري فيه في الأشهر المقبلة ومع الاعتبار البالغ للسببين المذكورين اعلاه قد يكون انعكاساً عملياً للصراع الكبير الدائم في المنطقة بين غالبية الدول العربية بقيادة مصر والمملكة العربية السعودية من جهة والجمهورية الاسلامية الايرانية.

طبعاً تشهد المنطقة صراعاً أو مواجهة اكبر، طرفها الاول الولايات المتحدة وغالبية المجتمع الدولي والدول العربية المشار اليها اعلاه والآخر الجمهورية الاسلامية الايرانية وسوريا و”حزب الله” اللبناني و”حماس” و”الجهاد الاسلامي” الفلسطينيان. لكن داخل هذا الصراع يدور صراع آخر اقليمي عربي – ايراني سببه الأساسي خوف الدول العربية وفي مقدمها الخليجية من ايران القوية عسكرياً وسياسياً ومن نفوذها الاقليمي المتنامي وقدرتها على التأثير في استقرارها وأمنها الداخليين وامكان نجاحها في تحييد القوة الاقليمية الاساسية القادرة على الحاق الاذى بها أي اسرائيل وكذلك تحييد القوة الدولية العظمى أي أميركا وتالياً دفعها الى التحاور معها (أي ايران) وربما لاحقاً التوصل الى تفاهم أو تسوية معها تؤدي الى شراكة تضعف كثيراً المراكز القيادية والريادية للدول العربية الكبرى. وهذا الصراع الاقليمي داخل الصراع الاقليمي – الدولي قديم، فهو يعود الى بدايات الجمهورية الاسلامية الايرانية، وذلك حين تبنّت سياسة تصدير الثورة الاسلامية وتغيير الأنظمة وبعدما واجهها العرب بدعم الحرب التي شنها عليها عراق صدام حسين بأكثر من 40 مليار دولار اميركي.

ولم ينته هذا الصراع بانتهاء الحرب المذكورة بل استمر في اشكال مختلفة كما ان ساحاته توسعت فشملت في الأعوام الماضية الكثيرة وليس القليلة لبنان وسوريا وفلسطين. وازداد توسعها بعد احتلال اميركا العراق اذ صار الاخير ساحة الحرب الفعلية العربية – الايرانية أو الفارسية، كونه بين السعودية والخليج من جهة وايران من جهة ثانية. وتجلى التوسع في تقديم كل التسهيلات من العرب لمواجهة “الجمهورية الشيعية” الناشئة في العراق خوفاً من اثرها السلبي عليهم وشمل ذلك السلاح والمال والمقاتلين. وتجلى ايضاً في مبادرة ايران الى القيام بالأمر نفسه في مناطق النفوذ العربية الهشة. الا ان الأمر المقلق والخطير هو ان الصراع العربي – الايراني الفارسي بدأ يترجم نفسه صدامات واشتباكات في منطقة الخليج نفسها. أي في دول كانت مستقرة الى حد بعيد رغم وجود عوامل تفجيرية فيها، مثل الكويت والبحرين واليمن، ولا شيء يمنع ان ينتقل ذلك الى العربية السعودية في مستقبل غير بعيد وخصوصاً اذا لم يحصل تطوّر ما دولي – اقليمي يوقف التصعيد. هذا طبعاً عدا العراق الذي يشكّل مع اليمن نوعاً من المحور الملاصق جغرافياً للسعودية والقادر على تصدير العنف وعدم الاستقرار اليها.

أما بالعودة الى لبنان، فأن وقوعه في أزمة استمرت ثلاث سنوات وتصاعدت حدتها مع الوقت (استقالة وزراء من الحكومة الى اقامة اعتصام وسط بيروت، واستمرار الاغتيالات والتفجيرات، وفراغ سدة رئاسة الجمهورية) فقد كان نتيجة اكيدة للصراع العربي – الايراني (الفارسي). والآن فإن تعثّر تأليف حكومة جديدة بعد ملء الفراغ الرئاسي بفضل اتفاق الدوحة انما هو انعكاس واضح او نتيجة واضحة للصراع نفسه. وكي لا يبقى الكلام عمومياً تقول المصادر الديبلوماسية الاقليمية المتنوعة أن الحكومة كانت تألفت خلال أيام قليلة لو اقترحت الاكثرية النيابية النائب سعد الحريري لتأليف الحكومة الاولى في عهد سليمان. لكن السعودية في رأيها لم تكن موافقة لأن تطبيع الوضع اللبناني بعد انتصار عسكري ايراني – سوري عبر “حزب الله” وحلفائه كان سيعد خسارة معركة في الصراع العربي – الايراني الدائر.

ماذا يعني ذلك؟

يعني ان مستقبل الأوضاع في لبنان سيبقى غامضاً ومجهولاً وربما معلقاً او مخيفاً طالما استمر الصراع المذكور والى ان يضع حداً له وصول الصراع الاكبر الدولي – الاقليمي المعروف الى نهاية سواء بتسوية او بحرب. وهذا أمر لا يمكن ان يحصل بين ليلة وضحاها. وقد يتطلب أشهراً وربما ما هو اكثر منها.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى