تباكٍ واتهامٍ مريران، تعقيب على مقالة أهل الشعارات الكثيرة
حسن الصفدي
عندما نكتب وندخل المفاهيم بعضها في بعض، ونقزّم المصطلحات سواءّ كنا عازمين أم غير عارفين، فهذا لا يعدو استمراراً لما يسمى الضلال اللغوي، يستوي فيه أصحاب الحكم ومعارضيه، فقد ألفنا منذ عقود طوال لي عنق الوقائع، ومددنا اللي إلى المفاهيم، فبتنا عندما نقرأ أحياناً نخال أنفسنا في حمام وقد أضعنا الطاسة.
في مقالته عن أهل الشعارات الكثيرة التي حاول فيها دمج المعارضين الإسلاميين بالمعارضين الديمقراطيين في الموقف من الشعارات، في محاولة لإقناع القارئ أن كليهما رافضان للعلمانية. وفي هذا ما فيه من لَبْس…
لنبدأ بالشعار الأول: إنه يكتب “فالأحزاب الإسلامية التي تطرح شعارها لا تردد تميمة إنما تقترح عنوان حضارة كبيرة؛ فالإسلام قرآن وسنة وفقه وأحكام تعالج من اصغر الصغائر حتى موضوع الاستقلال الوطني،”.
أولاً: شعار “الإسلام هو الحل” شعار غائم المعنى. فإذا كان الإسلام واحداً. فهل فاهميه أو مريديه (كجماعات) لديهم فهم متسق لمراميه؟ وفي هذا هل هناك تطبيقات – مذهبية وغير مذهبية متجددة، ناهيك عن التوحيد المتعدد حتى في المذهب الواحد – لإسلام واحد. فكيف يمكن أن يكون “الإسلام هو الحل” شعاراً؟!.
عدا عن أن ما اقترحه الأستاذ الكاتب عن الأحكام التي تعالج حتى موضوع الاستقلال الوطني ليس دقيقاً. فمفهوم “الوطن والمواطن” ليس إسلامياً (دعك من الموطن فهذا أمر آخر) فالوطن، عند بعض الجماعات، بلدٌ، والمواطنين رعايا. أما فيما يعنيه الوطن فمن حق المواطن أن يكون ما يكون (ضمن حدود القانون لا الفقه). أما ترى الكاتب نفسه يؤكد عكس هذا بقوله في آخر مقالته: “اللادينيون والمثليون لن يكون لهم مكان في الدولة الإسلامية، وسيمارسون «عباداتهم» في بيوتهم(؟)، فالديمقراطية والإسلامية لا تتدخلان في الشؤون الخاصة تشريعياً. عليهم ان يستتروا كما يستتر الآن الديمقراطيون والإسلاميون(؟).”. أما تراه أيضاً بعكسه الآية في الاستتار قابَلَ ما لا يتقابل؟!
نعم الديمقراطية لا تتدخل في الشؤون الخاصة تشريعياً، ولا تنفيذياً أيضاً، أما الإسلامية (أقصد التنظيمات) فمن قال أنها لا تتدخل (أليست حاملة لواء الهداية والحماية من الجحيم؟؟).
غير أن هذه الجملة تُجْمِل مشكلات عديدة متنافرة، سأكتفي منها باثنتين.
أولاً: ما دخل المِثْليين في موضوع شعارات الأحزاب أو الجماعات أو التحالفات لمنهج الحكم؟! فهؤلاء مشكلتهم اجتماعية تربوية، الكل مسؤول عنها ومطالب بالسعي لإيجاد حلول لها، المعارضة كما السلطة. وكاتبنا يرى الحل في الاستتار. على عادتنا في القضايا العويصة.
ثانياً: يقول الكاتب “اللادينيون…. لن يكون لهم مكان في الدولة الإسلامية.” لن نتحدث عن العزل والإقصاء لمن عانى أو يعاني من مسألة “الاستتار”، بل سنكتفي بسؤال: هل الدولة الإسلامية المنشودة = وطن، والرعايا = مواطنين، أم أن هذه من مفارقات اختلاط المفاهيم وتضارب المقولات؟! وسنغض الطرف عن ضياع أهم مبادئ الديمقراطية المدّعاة من بعض المنظمات الإسلامية: “تكافؤ الفرص”.
إذاً نحن هنا بحاجة إلى شرح (مستفيض) عن كيفية تطبيق جملة الكاتب “الإسلام يتكيف مع الديمقراطية”. خصوصاً وتليها جملة “والديمقراطية قابلة للتعايش مع الإسلام أيضاً،…….. ما دامت الأكثرية تعترف بحقوق الأقلية” فأي الأقليات يعني؟: الأقلية المعارضة لنظام الحكم برؤيتها، أم الأقليات الدينية والمذهبية واللغوية. أم إنه وأهل الحكم سواء في الإقصاء والإلغاء والإلجاء إلى “الاستتار”؟!.
ثم يستطرد فيقول “….. بل إن مفكراً إسلامياً مثل المسيري لا يمانع في العلمانية الجزئية (العلمانية الأخلاقية أو العلمانية الإنسانية)”، وهذا يوازي ما عمد إليه الشموليون من أنهم لم يتلكؤوا في ابتداع مزدوجات الديمقراطية المركزية والديمقراطية الشعبية…. وها نحن ذا أسرى الثنائيات القاتلة وكأنه ما من طريق ثالث ورابع و….
على أن جوهر القصد يتبين في قوله “لكن وحدها العلمانية العربية تعرّف نفسها بدلالة عدوها الدين، والدين هنا هو الإسلام، فاليهودية والمسيحية دينان علمانيان، وكلاهما دين فردي.”.
أولاً من غير المرغوب فيه (نقدياً) نسبة مصطلح إنساني إلى شعب أو أمة أو دولة أو منطقة أو قارة فالعلمانية هي بذاتها لا بنسبتها. غير أن هناك من اخترع عَلمانية ملحدة وأخرى مؤمنة، وهذا لا ينطبق على العَلمانية بل ينطبق على الأفراد فهناك علماني – علمانيون مؤمنون وعلمانيون غير مؤمنين. أما مفردة الإلحاد ففيها قول آخر ليس هنا مكانه.
ثم إن العلمانية لا تعرّف نفسها بدلالة عدوها… (بل نقيضها، ونقيض الكلمة: الكهنوت وليس الدين)، بل تعريفها في ذاتها إذ هي ترمي إلى السعي لعدم تحكم الدولة بالدين (أو المذهب كما هو جار حالياً في دول مدعوة إسلامية تُحكم بمذهب واحد وحيد) أو تسلط رجال الدين/ المذهب على الدولة. العَلمانية تؤكد على أن الدين للمجتمع منه وفيه، لا للدولة.
ثانياً: قوله “اليهودية والمسيحية علمانيان، وكلاهما دين فردي، قول يجانب الواقع بشقيه. فالديانتان ما كانتا عًلمانيتان، ولن تكونا. والكنيسة المسيحية لا الديانة المسيحية (وأحد مذاهبها هو الأكثر تعداداً من أي دين آخر) نأت بنفسها أخيراً، عن الصراع مع العلم والحداثة، بل استثمرت بعضهما. وأما الديانة اليهودية فليس لها أي صلة بالعًلمانية، يكفي التذكير بـ”الطعام الحلال= الكاشير” وسعي إسرائيل مؤخراً إلى إعلان أنها دولة يهودية، أسوة بالغير.
أما أن كلاهما دين فردي فلا. هذا يصح على الإسلام تماماً. فالمسيحي منذ ولادته حتى وفاته بحاجة إلى رجل دين ليتمم له واجباته الدينية. كيف بالمسيحية دين فردي والزواج فيها سر مقدس؟!! وهل يستطيع اليهودي تناول لحم لم يُشرِف على ذبحه رابان؟!
أختم تعقيبي باستهجان الطرفة فهي مسيئة إنسانياً. ألم يقل الله تعالى في كتابه العزيز {وَادْعُ إِلَى سَبِيْلِِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ}.