بعث خدام في زمن صدام
ثائر الناشف
عندما أسقطت القوات الأميركية تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد , ظن بعض العروبيين الأشاوس أن جناح البعث اليميني , الذي راعاه الرفيق صدام بقوة الحديد والنار والشعارات الطنانة , التي جعلت من جيرانه الفرس يرتعدون خوفاً , وعلوج الغرب يصدقون حقاً أن لديه أسلحة نووية قادرة على ضرب أي عاصمة , بحسب اعترافات صدام الأخيرة التي كشف عنها المحقق الاميركي – اللبناني الأصل جورج بيرو.
على الجانب الآخر ابتهج بعض العروبيين المنافقين لأنظمة الدفع المسبق بالدولار الأخضر وشراء الذمم بانشقاق القيادي عبد الحليم خدام من جناح البعث اليساري , الذي رعاه الرفيق حافظ الاسد بشعارات الصمود والتصدي , ويرعاه اليوم نجله الرفيق بشار بشعارات الممانعة والمقاومة .
جميع البعثيين على اختلاف دمائهم وألوانهم ومذاهبهم – يفترض عدم وجود مذاهب باعتبار أن أيديولوجية البعث علمانية – ينهلون من شعار واحد , شعار السلطة لنا , وينسون أن الاستمرار في السلطة ينقلب بمرور الزمن إلى تسلط , إنطلاقاً من مبدأ علمي راسخ ( السلطة المطقلة مفسدة مطلقة) .
كما وأنهم يفكرون بعقل واحد , عقل كل من ليس معي فهو ضدي , شبيه بالعقل الذي سار على نهجه المحافظون الجدد بعيد هجمات سبتمبر الإرهابية وقبل إطاحتهم بعث صدام , هذا ما يفسر أحكام الخيانة العظمى المدونة في كراسات البعث , والجاهزة للإطلاق من منصاتها الروسية الصنع في أي لحظة .
يختلف حزب البعث عن باقي الأحزاب في العالم , أن هيكله التنظيمي يتألف من قاعدة عريضة من الرفاق المنتمين قسراً أو طوعاً , لا فرق , كله انتماء لأمة العرب المجيدة , وهرم قيادي ضيق يضم رفاق درب النضال والكفاح ضد الامبريالية (أميركا) والصهيونية (إسرائيل) والرجعية ( الخليج العربي) وأدواتهم المجرمة
و(( عصابة)) الإخوان المسلمين (( العميلة)) , وبالتالي فإن الرفاق القياديين هنا لهم باع طويل في النضال وأعمارهم تتعدى الستين أو السبعين عاماً , أما الرفاق الشباب فهم مراهقون يجهلون التاريخ المعاصر.
خروج خدام عن خطوط جبهة المقاومة الممتدة هلالياً من طهران حتى غزة , وتحالفه مع خطوط الإخوان , بداعي جلب الحرية والديمقراطية للشعب السوري المحروم منها , يذكّر بالأشرطة المسجلة التي كان يذيعها صدام على مسامع الأميركيين والعراقيين ( بأن واشنطن ستسقط مع سقوط أول قنبلة تقذفها على بغداد , وأن يوم النصر اقترب ) ولا تقل أشرطة خدام الحية عن أشرطة صدام من حيث مفرداتها الحماسية وإلهابها لمشاعر الجماهير بجرعة من خطاب النصر الذي لا يتصوره العقل العربي كونه استساغ مرارة الهزيمة .
ومما قاله خدام في أشرطته الحية ومقابلاته الإعلامية ( إن السنة هي آخر سنة لنظام بشار, وخطابه آخر خطاب , وبأنني سألقاكم في دمشق قريباً جداً ) لا شك أن المعارضة في روح خدام مثلما هي في روح صدام منذ الصغر , والتشابه بينهما أن الاثنين كانا في السلطة وخرجا منها بظروف مختلفة , فتحليل المفكر العراقي حسن العلوي لشخصية صدام يقترب من شخصية خدام , بأنه رجل معارضة أكثر من كونه رجل سلطة , وهو الذي رافق صدام في واحدة من أهم المراحل التي مر بها العراق.
سياسة عقد الأحلاف لا أساس لها في مدارس البعث , خصوصاً إذا كانت إقليمية , أو مع أحد الخصوم ضد أحد الأصدقاء , وعليه , كيف يمكن لنا تفسير تحالف خدام (البعثي) مع البيانوني (الإخواني) ؟ سؤال طرحه الوزير السابق أحمد أبو صالح عضو مجلس قيادة ثورة البعث على الإخوان المسلمين , وبدأت تجيب عنه الألسن المنشقة عن جماعة الإخوان , كما فعل علي الأحمد العضو المفصول عن الإخوان في مقابلة مع قناة العربية , وستكشف عنه الأيام القادمة شيئاً فشيئاً .
لكن هل فكر السيد خدام بعواقب ما قاله في مقابلة مع قناة الحرة , أنه يقيم في باريس لبضعة شهور , ليس بصفته لاجئ أو منفي أو مشرد , بل كنائب سابق لرئيس الجمهورية , كما كان يقول صدام إنه الرئيس الشرعي للعراق حتى لحظة الاعدام؟ . وبانتظار ساعة الحسم , هل فكر المعارضون السوريون ( المنفيون واللاجئون والمشردون) الذين يشكلون مع أبو جمال جبهة الخلاص الوطني , بعواقب وتداعيات هذا الكلام عليهم وعلى مسقبلهم السياسي المرتقب ؟ هذا هو السؤال.
الحوار المتمدن
2008 / 2 / 13