كلام حريم كوميديا سطحية تشوه الواقع
قدم نماذج قروية بسيطة بشكل ساخر
أصوات نساء فراتيات، وصور بط يطفو على وجه نهر الفرات. كإحالة أولى، ومشهد أول من فيلم «كلام حريم» الكوميدي، الذي التقط نماذج قروية بسيطة، وقدمها بشكل مضحك.الفيلم أخرجه سامر برقاوي، وأعدّه عدنان عودة، وعُرض للمرة الأولى في سوريا، ضمن أيام سينما الواقع «dox box 10». كما عُرض أخيراً في بيروت. يبدأ الفيلم بمجموعة رجال، أولهم أب لسبعة عشر طفلاً، وزوج لامرأتين. يتحدث جميعهم عن علاقتهم بالمرأة كزوجة وابنة، في مشاهدة سريعة متتالية، اقتطع كلامهم داخلها بواسطة المونتاج، ليبدو أكثر إضحاكاً.
يعدد أول رجال الفيلم أسماء أبنائه السبعة عشر، فينسى بعضهم، ويتلكأ، ويضحك… يتخلل هذا العد، عبارات لرجال آخرين، اختيرت لهم كوادر معينة لتحقيق غاية الفيلم الكوميدية. كرجل آخر، جلس على «الطرطيرة، أو الطريزينة، بحسب لهجتهم الفراتية»، وتحدث عن أهمية تعليم المرأة!
ضحية سينمائية أخرى. رجل اصطف مع عائلته الضخمة، أمام غرفة طينية؛ ليتصوروا. يصرخ الرجل على أطفاله، ويوجه اصطفافهم… لا يحمل هذا المشهد أي فكرة. ما الذي يريد الفيلم إيصاله من مشاهد عائلة قروية تتهيأ للتصوير! فقط الضحك…
بعد (11 دقيقة) من الرجال، تنتقل الكاميرا إلى مشاهد لنساء يعملن في الأرض، ويخبزن… ترافق الموسيقى هذه المشاهد القصيرة التي تنقل الفيلم إلى قسم جديد. لكن لم ينجح العمل حتى في اختيار موسيقى مناسبة له، كان بإمكانه استبدال الموسيقى التصويرية الغربية التي قدمها، بأخرى فراتية تناسب بيئة الفيلم، في قرية «زور شمر» على نهر الفرات السوري «073 كلم عن دمشق».
بعدها، وفي غرفة معتمة، تصمت الطفلة بشرى، محتارة أمام سؤال عدنان عودة، عن طموحها في المستقبل. سؤال قد يجيب أغلب أبناء الريف السوري عنه، «بدكتور»، لكن بشرى التي وصلت إلى الصف الرابع لم تقرر بعد. ترافق أصوات رجال القرية دربها إلى المدرسة… فتحاول والدتها الإجابة: «إن بقيت مجتهدة في المدرسة، ستظل فيها».
في المشاهد السابقة، حاول صانعا الفيلم خلق نوع من التراجيديا، وسط الضحك السابق والآتي، فاختارا غرفة معتمة، وأشعلا فيها فوانيس قديمة، ليبدو التخلف أكبر. خصوصاً أن الطفلة تحلم، وتسير على درب العلم، لذلك اختارا هذه العتمة المفتعلة.
ما جدوى السخرية من بشر مظلومين؟ الأجدى بالفيلم أن يطرح قضية الجزيرة السورية دون السخرية من سكانها… فمشكلة تلك المنطقة لا تقتصر فقط على الإهمال الاقتصادي والتنموي، من جانب الحكومة السورية، وإنما تتعداها إلى صورتها المتخلفة، وأحياناً الغائبة في الشارع السوري، لأسباب إعلامية متعددة.
تشعل النساء الحطب، ثم تدخل الكاميرا من خلال النافذة، وشبكها، إلى غرفة يجلسن فيها… هذه الغرفة معتمة أيضاً، فيها فقط بعض الفوانيس، كمصدر وحيد للنور. على الرغم من أعمدة الإنارة الكهربائية التي تظهر خارج الغرفة! ربما غفل فريق العمل عن أعمدة الإنارة الطرقيّة، فدخلت في كادرهم.
يبدأ في الغرفة «كلام الحريم»… لا أعرف لماذا اختار الكاتب هذا العنوان للفيلم، فالاسم، لا يمت للهجة الفراتية بصلة. كما أن الكثير من التفاصيل تشي بنظرة استشراقية قدمها العمل عن تلك المنطقة، وتكاد تكون شخصيات الفيلم في الكثير من المشاهد، أقرب إلى الشخصيات العربية في أفلام هوليود.
كلام النساء في غرفة الفيلم المعتمة، يبدأ بـ«لا نعرف إلا الأغنام، والكلام عنها، والخبز على الصاج… هذا عملنا»، أيضاً يقتطع الفيلم هنا الكلام، ويوصل العبارات ببعض، ليخرج «كلام الحريم» مضحكاً، وساذج. كما خُطط له.العمل يشبه أعمال بائسة كثيرة، أنتجتها وزارة الإعلام السورية أيضاً. الوزارة التي رسّخت طوال عقود صورة نمطية غير إنسانية عن منطقة الجزيرة السورية «شمال شرق سوريا». إن الناس هناك متخلفين، وأغبياء دون التطرق إلى فقرهم، وما يعيشونه من حرمان سببه التقصير الحكومي. و«كلام حريم»، لم يختلف عن مئات الرسائل الإعلامية التي بثها الإعلام السوري الرسمي، الذي تعامل بشكل كوميدي وسطحي مع تلك المنطقة.والجدير بالذكر، أن الفيلم التسجيلي هذا، أنتج كقطعة من مسلسل بقعة ضوء التلفزيوني في أحد أجزائه، وأدى أدوار شخصياته، ممثلون محترفون!يستمر «كلام الحريم» المشوّه، من الدقيقة 16 إلى آخر الفيلم، في محاولة من صنّاع العمل، لعرض مشكلات كبيرة، تعانيها المرأة الفراتية، لكنهم سقطوا في السطحية، والكوميديا غير النافعة.
دمشق- عامر مطر
البيان