صفحات سوريةغسان المفلح

عندما يتحول الإخوان المسلمون إلى بعبع!

null
غسان المفلح
الكاتب خالد الحروب في حديثه عن راوية الصديق خالد خليفة” مديح الكراهية” يكتب: في وسط هذه الكراهية وحروبها والدماء النازفة على جدران البيوت, يصر خالد خليفة على زرع قنبلة حب موقوتة في قلبها: مروة إحدى الخالات تقع في حب نذير الضابط العلوي الذي يترأس فرقة تفتيش البيت من وقت لآخر, بحثا عن حسام شقيق البطلة, والذي يكون عضوا فاعلا ومقاتلا في التنظيم. يتطور الحب شبه المستحيل على الضد من الكراهيات المتبادلة بين الطائفتين..التنظيم يصدر أوامر لكل من حول مروة للإجهاز على” الحب الخياني” وسرايا الموت تحاصر نذير وينتهي به المطاف مقالا مبعدا عن منصبه, مروة ونذير يتزوجان في قلب صدام الكراهيات, إعلان تشبث دامع بوحدة الناس والوطن, رغم جرائم السياسيين وتفتيتهم لما كان طوال قرون متعايشا ومتناغما” الرواية تعالج الزمن الدموي في نهاية سبعينيات القرن العشرين, الصدام المسلح بين الطلائع المقاتلة للإخوان المسلمين وبين السلطة السورية. محصلة ذات معنى ملغم يستنتجه الكاتب خالد الحروب من رواية خالد خليفة: رغم دموية السلطة في ذاك الصراع, إلا أن المعنى يكمن في سياق المقال من تثبيت الخوف من الإخوان المسلمين السوريين, في سعيهم لإقامة دولة دينية. وهذا في الواقع بعيد كل البعد عن سياقات ذاك الصراع الدامي, لم يكن في نية الإخوان آنذاك, إقامة مثل هذه الدولة الدينية. ولهذا بحثه الآخر, ولكن لزوجة الأرض التي يسير عليها الإخوان المسلمين ومازالوا تقريبا, تجعل منهم وحشا طائفيا يريد التهام المجتمع بكل أديانه وطوائفه. خاصة أن مجتمعنا السوري, هو مجتمع فسيفسائي يحتوي على غالبية الأديان والطوائف والقوميات حتى. هذه اللزوجة المتراسية, تجعل الحوار مع الإخوان حاضرا دوما وواجبا سياسيا ووطنيا. الرواية هنا ليست موضوعنا, ولكننا نريدها بداية لأن الصديق خالد خليفة قد فتح بوابة سرية ومازالت سرية في تاريخ سورية, والتأكيد على قيمة”الحب” بين أفراد سوريين! وهذا بحد ذاته, يجعلنا نكتب انطلاقا من هذا العمل, والسبب الآخر للحوار أيضا, وهو ربما من الوجهة السياسية والمدنية أكثر حضورا وهو تخلي الإخوان المسلمين السوريين نهائيا عن العنف كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية. لا بل إدانة هذا العنف في الكثير من الحالات. وهذا يجب ألا يغيب عن بالنا أنه من المفيد التمييز بين إبقاء عجلة السلطة الدعائية, بتخويف المجتمع السوري من الإخوان المسلمين, وبين ما نراه ضروريا في أن يفتح الإخوان ملف تحولهم إلى حزب سياسي على المستوى السوري. الإخوان الآن في سورية بعبع سلطوي لا يخيف! وليس له هذا الوزن الذي يمكن له من التهام بلد كسورية, وحصرها في دويلة إسلامية, لا سند داخليا لها ولا خارجيا. لذا من البديهي أن تبقي السلطة السورية شبح هذا البعبع, لكي تخفي فاعليتها الطائفية التي طيفت المجتمع السوري, بالتراكم الارتجالي للفعل الطائفي عبر ثلاثة عقود ونصف من الاستبداد الأقلوي, ولكي تخيف فيه بقية مكونات المجتمع السوري, وخاصة الطائفة العلوية, أن التغيير سيأتي بالإخوان المسلمين. لهذا من باب فتح الحوار مرة ومرات, نبدأ من مسلمة بسيطة يجب على الإخوان حسمها, برنامجيا وفكريا, حرية الاعتقاد الديني مقدسة حتى لو هنالك فرد واحد في المجتمع ملحد أو مسيحي أو علوي أو درزي..الخ له ما لهم وعليه ما عليهم تماما. وعندما نقول مسلمة, فإننا نعني أنها غير خاضعة للحوار ولا للمساومة السياسية. لهذا حرية الاعتقاد الديني, البحث عنها في مبحث الحقوق الدستورية والإنسانية, التي يجب أن تصان, على مستوى الحريات الفردية والعامة. أما التخلص من الحمولة الطائفية للجماعة سورية, فهذه قضية يجب أن يتم فيها فتح باب النقاش على أوسع أبوابه, سواء داخل الجماعة أو مع كافة تيارات المعارضة السياسية في سورية, لأنها شأن سوري أولا, من حيث أننا أمام حالة تقتضيها الوضعية السورية بنزع هادئ لأية صبغة طائفية عن أي حزب سياسي, وإلا لماذا تناضل المعارضة السورية, وبما فيها الإخوان المسلمين أنفسهم من أجل دولة مدنية? ومن أجل إلغاء الطائفية? عندما يتحول الإخوان المسلمون إلى حزب على المستوى الوطني عندها ربما يتحولوا إلى بعبع حقيقي يخيف هذه السلطة فقط, ولا يخيف الشعب السوري. أليس في هذا التحول, تحول نحو فهم جديد ومعاصر للهوية السورية? والتي تحتاجها جميع شرائح شعبنا, لكي تتفادى مجددا كتابة رواية أخرى عن مديح للكراهية? الهوية السورية, التي سمحت للإخوان المسلمين أنفسهم أن يكونوا حزبا علنيا ويشارك في الانتخابات البرلمانية بعد استقلال سورية? وكي لا نبقى ندور في حلقة مفرغة! سنأتي إلى الأصدقاء من زاوية أخرى, نحن نزعم أن الإخوان المسلمين في طيات خطابهم السياسي, ينظرون إلى أنفسهم كممثلين سياسيين للأغلبية السنية في سورية, أليس هذا مدعاة لكي يؤكدوا أن مخرج سورية أن يكون مشروع الأغلبية فيها مشروعا ديمقراطيا, خاليا من أحزاب طائفية مهما كانت ذرائعها, سواء دينية أو خلافه? فعندما تتبنى الأكثرية مشروعا ديمقراطيا يصبح مفهوم المواطنة حقيقيا, وتصبح الأقليات بخير? كان هذا عنوانا لسلسلة من المقالات كتبتها منذ أكثر من عامين بعنوان” الأكثرية ديمقراطية الأقليات بخير” ألم يتحول حزب العدالة والتنمية التركي إلى حزب على المستوى الوطني تتمثل فيه كل الطوائف والقوميات والأديان في تركيا? كيف يتحول الإخوان المسلمون إلى حزب على المستوى السوري الوطني? وحده هذا ربما يحولهم إلى بعبع يخيف السلطة وحدها! نقول ربما لأنهم ليسوا في الساحة وحدهم, ويجب أن يقبلوا أيضا بهذه المسلمة. وسيكون لحديثنا بقية.

* كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى