حين يصبح الرغيف مغمّساً بالدم
سعد محيو
هل بدأت الصراعات الاجتماعية الطبقية تحل مكان النزاعات الإيديولوجية كأولوية في البلدان العربية؟
الاضطرابات الشعبية المفاجئة في تونس ثم الجزائر تشي بذلك .
ففي تونس، التي ربما شهدت للمرة الأولى في تاريخها قيام شاب من خريج الجامعات بإحراق نفسه احتجاجاً على البطالة، وجدت الحكومة نفسها مضطرة إلى القيام بسلسلة خطوات إصلاحية سريعة لوقف تظاهرات الاحتجاج العفوية التي تنقلت من حي إلى حي كالهشيم في النار .
وفي الجزائر، لم يكن المشهد أفضل حالاً، فالتظاهرات الشعبية التي تلوّنت في الكثير من الأحيان بأعمال العنف الغاضبة، اجتاحت العديد من المدن من دون أن يبدو أن ثمة قوى حزبية منظّمة تقف وراءها . وهذا أمر أخطر، لأنه يعني أن أحداً (بما في ذلك الأجهزة الأمنية!) لم يعد يُسيطر على الشارع .
المغرب ربما يكون حالة استثنائية، بسبب المشروع الناجح الذي طبقته الحكومة خلال السنوات القليلة الماضية لاستئصال الفقر، بيد أن هذا لايعني خاتمة الأحزان هناك .
أما الدول العربية الأخرى، عدا دول الخليج، على غرار مصر وسوريا ولبنان والأردن، فالأرجح أن تصيبها العدوى التونسية والجزائرية قريباً، لأن الأزمات المشابهة تُولّد محصلات مُشابهة .
السبب المباشر للاضطرابات الشعبية هو الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية، إذ أوضحت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، التي تراقب العديد من السلع الزراعية في السوق العالمي كالقمح والذرة والأرز والسكر واللحوم، أن أسعار هذه المنتجات قفزت في الآونة الأخيرة إلى مستويات قياسية .
وبما أن معظم البلدان العربية تستورد كل حاجاتها من المواد الغذائية من السوق العالمي، وبما أن روسيا وأوكرانيا، وهما المصدران الرئيسان لهذه المواد، فرضتا قيوداً على التصدير بسبب الجفاف، فقد كان محتماً أن تنشأ أزمة غذاء حقيقية في المنطقة العربية .
بيد أن المشهد لاينتهي عند هذا الحد . فعلى رغم الإنجازات التي حققتها العديد من الدول، خاصة المغرب والجزائر ومصر، في مجال تقليص معدلات البطالة من 20-30 في المئة إلى 10-15 في المئة الآن، فإن دخول ملايين الشبان إلى سوق العمل سنوياً يُهدد بإطاحة هذه الإنجازات، ما لم تتخذ سريعاً إجراءات تتمثّل في تطوير قطاعات الصناعة والزراعة وجعلها أكثر تنافسية في الأسواق العالمية، والانتقال من توفير الأعمال الجديدة الكمية إلى الأعمال النوعية، وانتهاج استراتيجيات جديدة لخلق وظائف ذات قيمة مضافة، وتطوير مناهج التعليم والتدريب المهني .
كل هذه الخطوات ضرورية ومطلوبة، لكنها مع ذلك لن تكون كافية وحدها لمواجهة ما حذّر منه تقرير التنمية البشرية العربي لعام 2009 حول تدفق عشرات ملايين الشبان (الرقم قد يصل إلى 50 مليوناً عام 2025) إلى سوق العمل . هنا ستكون الحاجة ماسة إلى تضافر كل الجهود العربية لتطوير استراتيجيات مشتركة للأمن الغذائي، وخلق بيئة ملائمة لتشجيع الأموال العربية على الاستثمار في المنطقة لا في الغرب، وأيضاً لإيجاد حلول منسّقة لمسألة البطالة .
بالطبع، كل ذلك يحتاج إلى قرارات سياسية شجاعة من جانب سائر الحكومات العربية . فهل هي في وارد اتخاذها؟
من الأفضل لها أن تفعل . فحين تصبح الأولوية للصراعات الاجتماعية الطبقية، وحين يُصبح رغيف الخبز مغمّساً بالدم، لاتعود الشجاعة مُجرد صفة أخلاقية مطلوبة، بل تصبح مسألة بقاء أو لا بقاء .
الخليج