أين يكمن البلاء، في زعمائنا المرضى أم نحن البلهاء؟
فلورنس غزلان
استمعوا بخشوع وانصتوا بإمعان، فمايقوله الزعيم ابن الزعيم ،أخو الأزعم، شبيه برجل نسي جنسه ..يشير بيديه ويحرك لسانه بإرادة أو بدون إرادة، يحتاج منكم لشهادة إثبات وحق في سيادتكم شئتم أم أبيتم..فمن يقف حارساً له واقفاً بالمرصاد لكم يمكنه أن يُعمِل السيف برؤوسكم المطأطئة خشوعاً وإجلالاً لقوله الأثير..أو لعلقمه المرير…المهم أن تصفقوا في النهاية وتعلنوا أن كلامه يبز الأنبياء ويقهر الشعراء ،تستعيذ الجان من شره ومن بلائه واكتواء الناس بناره وسعاره..لايليق به إلا تهليلكم ومباركتكم لدوره الوحيد الفريد..
أغمض عيني أمام ما أسمع منه وممن يشبهونه ويستنسخونه في هذه البقعة الواسعة من عالم يسمونه ” عالم العرب” فأستدعي بمخيلتي محللاً نفسياً أو طبيباً خبيراً شهيراً بقدرته على نبش الثنايا والحنايا الخفية في شخصيات أبطالنا التاريخية..زعماء مرحلة لاتنقضي ولا تنتهي حتى بانتهاء الزعيم ..لأنه وأسرته الأجدر بنا وبتوريثنا لعائلته الكريمة سليلة الحسب والنسب نبيلة العِرق، وما نحن سوى عبيد تسجُد وترضى عن أسيادها المختارين بحكمة الإله وبراءة المساجد والمعابد، بمراسيم إلهية شرعية ختمت على مؤخراتهم بأختام ربانية…أنهم ولاتنا ولا تجوز عليهم سوى السيادة والقيادة..ولا يحق لنا سوى العبادة والخضوع لفرادة السادة، وأن نوالي من يواليهم ونعادي من يعاديهم…أحضرت واستحضرت سراً ..لأن العلن مصيره الموت المؤزر..أحد العرافين من أطباء النفس النافذين في مهنتهم…ورحت معه نقلبهم واحداً بعد الآخر على طاولة الفحص السريري النفسي..عَلَّنا نعرف خصالهم وتمايزهم عنا، ونعثر على سرهم الباتع..وندرك أين تقع نقاط خِسَّتنا وضعفنا كي يركبوا ظهورنا ويمتطوها ليلاً ونهاراً…أعواماً طويلة مرت خلالها أجيال تعاقبت عليهم مصاعب..كلها ذللوها أو أذلتنا وأذلتهم لكنهم صامدون واقفون، جالسون فوق الكراسي…لايتركوها شاغرة للحظة…ولا يجربوا أن ينسحبوا عنها برهة… يحيلون الهزائم انتصارات ، ويسرقون القوت من أفواه الصبيان والبنات…بينما ينعمون في الثبات والنبات .
قلت لصاحب الخبرة والشهرة في الطب والمعرفة ..أفدني رعاك الله، بماذا يتميز هؤلاء عن باقي زعماء العالم ؟ لماذا يتغير أولئك كل أربع أو خمس سنوات…إنما هذا الحشد من زعمائنا يحكمونا مؤبداً يعمرون فوقنا بكراسيهم ويورثونا أبناءهم؟…استعرضَ معي هذه الجثث المرمية فوق الأسِرة….إنها مجرد صور فلا تقلقوا… هز بنظارتيه فوق أرنبة أنفه محملقاً بما أمامه ممعناً في سحناتهم وأشكالهم..مستعيناً بأشرطة تلفزيونية لمشاهد حية تبث صراخ كل واحد منهم فينا، وخطب وإشارات كل واحد منهم أمامنا …حنكتهم وقدرتهم على الحشو واللغو والكذب دون خجل أو حياء..ونحن ننظر ببلاهة ونصفق بحماس…ضحك وقال:…لا وقت لدي أضيعه..وبكلمة صغيرة أقول:..مرستان واحد للجميع…كلهم مرضى دون استثناء لا أحد فيهم من تشخيصي براء…لو كان الأمر بيدي فسأرسل بهم إلى أعتى مشافي النفس البشرية والعصبية العُصابية..دون إبطاء..انظري فقط لإشاراتهم وحركاتهم وكلماتهم…كلها تدل على مرض مزمن مستعصي لدى هؤلاء….فكيف ثم كيف وكيف تقبلون بأن يسود مرضى شعوباً برمتها يحكمون ويرسمون …بالشعوذة والدجل والتلفيق دون خجل؟ فلا عقل ولا منطق يحكم أقوالهم، لافعل يُنفَذ ولا خير يُبَرمج، ولا أمل في رخاء، فكل ما يبثونه ويعلنونه مجرد هذيان وهراء…لايَصدُق واحد فيهم أمام نفسه أو أمام شعبه يستلذ بالكذب ويستمر فيه مصدقاً حدسه …لأنكم تختمون لما يقول وتصفقون لما ترونه إبداعاً ونخوة ..ووطنية، وكلها محض افتراء، فبرأيك على من تقع مسؤولية الاقتناع؟ ..يعلم القاصي والداني منكم أنهم في الكذب أمراء وأسياد في العلم أجمع…وعلى تصرفاتهم وانقلاباتهم هلل الكون وأجمع..ورحب المنافقون له …لأنه خير من يخدم أسياد الكون ويفلح في إذلال شعبه ويقمع..لهم القدرة على التفتيت …وبذر الشقاق ونشر العفاريت ..في كل حي وكل بيت له مفاتيح وعيون …تعد الأنفاس وتطبق على أعناق الناس الراضون منهم والمعارضون…فيا معشر الشعوب المحكومة بالإرهاب والمحرومة من الكباب والعلاقة مع الأصحاب والأحباب…ماذا ستتركون كسلف لأبنائكم؟ وهل سيغفر لكم التاريخ انصياعكم؟..هل سَيوفيكُم أبناءكم الحق في استمراء الخوف واختيار الصمت..والعمى أمام مايفقأ العين وما يثقب طبلة الأذن؟…وأنتم تديرون له الظهر وتخفضون له الجناح…مع أنكم في سركم تعلنون أنهم الأكثر غباء فهل ما تسلكونه نوع من الدهاء؟ أم أنه انهيار للخُلق فيكم وللضمير الوطني..فهل أعلن أنكم قوم من البلهاء؟.
هل ستستيقظون وتنهضون عَلَّ أبناءكم لكم يغفرون ؟…أم أني سأرحل عن عالمكم وأعلنه أنه عالم مجنون من زعمائه حتى شعوبه؟ فأي مشفى سيتسع لكل هذا الوباء؟ وأي كون مازال يحتمل وفرة في إهدار الكرامة وانتهاك الحرمة واغتيال القدوة من أبناءكم الأصحاء؟ .
خذوا الدرس والعبرة مما يحدث لجنوب السودان، فمذا زرع البشير في “جوبا”؟ وكيف سيفرض وحدة حارب فيها باسم الإسلام مسيحيي بلاده..بعداوة وضراوة كان ضحيتها مليونا قتيل بين صغير وكبير؟ هل يُعالَج الفالج بعد أن استفحل وتفشى؟، حقداً وكرهاً بذر ونشر ، خطط وأملى، وبجنجاويده أعمل القتل والبلاء؟..فهل يؤتمن الذئب حارساً لأغنام بريئة لاتريد سوى أمناً ولاتنشد سوى حرية؟
أحيي جنوباً حدد مصيره واختار طريقه.فاستقل بماله ونفطه وعزل نفسه عن حكم السيف والشريعة، ومن اللحظة انتظرمعي وراقب وبعين الفاحص والعارف بالصفات والمناقب…إن تُرِكَ الجنوب بحاله ولم تدخل أصابع العبث به وبرجاله…سيكون أول الدول ديمقراطية وسيعمم وينشر روائح المحبة والحرية، ستجد آلافاً من أهل الشمال المظلوم والمكلوم ببشير وأعوانه..يؤمون الجنوب أسراباً وزرافات، تطلب اللجوء وتهرب من ترابي وبشير وأتباعه…
فهل يقرأ هؤلاء الأغبياء دروس العراق ثم لبنان وبعده الصومال والسودان؟…أين تسير مصر وتلحق بركبها اليمن ثم سوريا؟..إلى المجهول يأخذونكم وأنتم عنهم راضون وببقايا موائدهم تنعمون.. وعن جوع أولادكم لاهون…
لاتعيش الشعوب أبداً دون حرية..مهما طال المرض ومهما تغلغلت فيكم جراثيم الديكتاتورية…لكن شعوبكم مازالت تعاني البكم والخرس، كما العمى والطرش، فلا وصفة سحرية لمرضكم عندي..أنتم وحدكم أطباء وجعكم..وبيدكم فقط يمكنكم انقاذ مستقبل أبناءكم، أنصح فقط بإقامة دعوات قضائية ضد من تَسَّيدوا وبالعسكر حكموا والعباد تصيدوا، وليس أمامكم من مخرج إلا بالعصيان طريق، وبإغلاق أجهزة الإعلام العربية في كل دار وفريق، لتتجنبوا المزيد من لهيب وحريق، أو ضياع المواطن بين حي ميت وغريق.
ــ باريس 9/1/2011