بدون مؤاخذة
زين الشامي
ها هي كتلة نواب حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في اليمن تخطو الخطوة الأساسية و«التشريعية» الضرورية، على طريق تمرير تعديل دستوري يتيح للرئيس الحالي فرصة الاستمرار في منصب الرئاسة لمدة مفتوحة أي رئيس مدى الحياة.
ويبدو أن هناك سباقا محموما بين «الجمهوريات» العربية على «بهدلة» و«شرشحة» ما تبقى من مؤسسات دستورية وخاصة منها التشريعية. سباق ما كان ليحصل لولا إيعازات واشارات مباشرة من قبل الرؤساء أنفسهم الى «الكومبارسات» البرلمانية والحزبية وغيرها من نخب سياسية لا تجيد إلا فن التصفيق والولاء والخضوع الأعمى، من أجل ضمان استمرارية المقعد الوثير والحفاظ على الامتيازات الشخصية والمالية والعائلية.
موضوع السباق يتمثل في إقرار رئاسة مدى الحياة أو «إلى الأبد»، وإن لم تكن فعبر تهيئة المناخ من أجل تمريرها إلى «ولي العهد» ابن الرئيس، والتي غالبا ما يتلقفها الإعلام الحكومي الجاهز أبدا لمثل هذه المهمات «الوطنية والقومية والنضالية». موظفو الإعلام الرسمي ومن دار في فلكه من إعلام يسمي نفسه «مستقلا»، يبدأون عملهم ليل نهار ودون كلل او ملل أو حياء او حتى خجل، بالاهتمام بالرئيس المقبل، فبين ليلة وضحاها يصبح ابن الرئيس المحارب الأول ضد الفساد، ويصبح الاصلاحي الأول، والتنويري التقدمي الأول، والرياضي الأول الذي يسعى للتواجد على المدرجات في المنازلات الرياضية، كذلك يسعى هذا الإعلام لإظهاره، «ابن سيادته»، كمهتم بالتكنولوجيا والمعلوماتية والانترنت وايصاله لأبعد قرية في «الجمهورية» وبأسعار رخيصة جدا إن لم يكن مجانا.
الشعب المسكين لا يسعه إلا أن يصدق أن «لا بديل للاستقرار» غير ابن الرئيس لأنه «نظيف الكف»، وغير ملوث بالفساد مثل غيره من البطانة الملتفة حول الرئيس الأب.
الشعب المسكين الذي يبحث عن بريق أمل، يرى في «ابن الرئيس» مثالا للمستقبل والتطوير والتحديث على عكس رجال «الحرس القديم» المتورطين في الفساد، والذين يقفون ضد الديموقراطية والشفافية والانتخابات الحرة النزيهة خوفا على امتيازاتهم. هكذا حصل تماما مع أول جمهورية وراثية في التاريخ العربي الحديث. وهكذا سيحدث هنا وهناك، في شرق بلاد العرب وغربها وجنوبها وشمالها، و«ما في حدا أحسن من حدا». على قول المثل.
شرقا وغربا… القصة نفسها
أما آليات «التوريث» او تعديل القوانين فقد باتت ايضا معروفة، فقبل كل شيء، تتجه الأنظار الى مؤسسة الجيش، إذ ان هناك حرصا كبيرا على إناطة المسؤوليات إلى جنرالات وضباط، يتوافر فيهم شرطا الطاعة والولاء وقد تم اختبارهم على مدار سنين طويلة. ثانيا لا بد من «مجلس شعب» أو «مجلس امة» او «برلمان» تتوافر فيه الغالبية المطلقة التي تصطف وراء الرئيس وتلبي جميع مطالبه، وهي رهن إشارته دائما، وغالبا ما تتحدر هذه الغالبية من الحزب الحاكم أو من ائتلاف أحزاب يتزعمها موالون للقصر الرئاسي.
ثم إعلام لا يرى في الحياة السياسية لبلده سوى إنجازات مجيدة وقرارات حكيمة للنظام وغير ذلك، وإذا كان هناك ثمة معارضة فهي عبارة عن «أقلام مأجورة» أو مؤامرات خارجية تهدد الأمن «القومي» او ربما «توهن نفسية الأمة».
إعلام صامت طوال عمره ويصمت عن الاعتقالات وانتهاكات حقوق الإنسان، لا هم للعاملين فيه سوى تأمين بيت أو سيارة أ وجني ثروة بالسرعة القصوى.
هذه هي الجمهوريات العربية… «بدون مؤاخدة».
كاتب سوري
الراي