كتّاب وآلهة
اسكندر حبش
صحيح أننا نعتبر هذه الكلمات، بمثابة خطابات تلقى في مناسبة، إلا أنها غالبا ما تكون بمثابة لحظة، يعيد فيها الكاتب التفكير عبرها بحياته بأسرها، كما بأدبه، الذي جعله يعتلي هذا العرش الكوني لمدة سنة كاملة، قبل أن يحفظه التاريخ كواحد ممن تمتعوا بهذه «الشرف الكبير».
هكذا تبدو الكلمات التي تلقى خلال الاحتفال بتسلم جائزة نوبل في شهر كانون الأول من كل عام، إذ لا بدّ من أن نجد في الكلمة ما يشير إلى هذه المراجعة المعمقة من قبل الكاتب لتجربته، ليدخلنا معها إلى ثنايا التفاصيل – المجهولة من قبلنا – التي قادت حياة بأسرها: حياة فيزيائية جسدية، كما تلك الحياة الفكرية بكل ما عرفته من تحولات وتبدلات.
كلمة ماريو فارغاس يوسا، حائز نوبل لعام 2010، لم تشذ أبدا عن جوهر هذه المراجعة، حتى لأنها تشكل بدورها عملا متكاملا، أيّ أنها تقع على أكثر من كونها مجرد خطاب، بل تذهب إلى أكثر من ذلك، لتبدو «وثيقة حقيقية» تدخلنا إلى قلب هذا الأدب الذي امتاز منذ بداياته إلى انحيازه لكتابة الحرية الإنسانية غير المشروطة.
كلمته التي حملت عنوان «مديح القراءة والمتخيل»، حملت معها كلّ هذه البذور التي زرعها الكاتب البيروفي طيلة عمره، على الصفحات البيضاء، كما في المواقف التي اتخذها. بيد أن ثمة أكثر من نقطة تستحق التوقف عندها، إذ تجعلنا نتساءل حقا عن معنى ما ندعيه. لا يتوقف يوسا – في نقطة أولى – عن تعداد أسماء الكتاب السابقين له الذين قرأهم والذين فتحوا أمامه آفاقا واسعة. بمعنى آخر، يركز الكاتب على فكرة أننا لم نكتب إلا لأننا قرأنا. ما من شيء يأتي هكذا من فراغ. حاولوا مثلا أن تسألوا بعض كتابنا عن الذين «تأثروا» بهم. والإجابة؟ لا أحد يرضى بأن يكون أقل من «اله»، حيث يشكل هو نفسه المبتدأ والخبر. بالتأكيد، ثمة في ذلك، أكثر من فكرة التواضع المجهولة، بل ثمة نمط في التفكير لم نستطع الخروج عنه يجعلنا نعتبر أنفسنا أننا نملك الحقيقة كاملة.
لا ينسى يوسا أيضا أن يتطرق إلى مسألة الايدولوجيا التي جعلته يغادر اليسار إلى غير رجعة. لكنه يشدّد أيضا أنه ليس من هذا اليمين المؤدلج. كلّ ما في الأمر أنه غادر هذه الحركة، حين أصبحت دينا جديدا. كم من واحد منا لا يزال «يبشر» بهذا الدين أي لا يزال يقع في قلب الإيديولوجيات المنهارة؟ أيضا ثمة سياق ثقافي يجعلنا لا نفكر بهذا العالم المعاصر، مع العلم بأن لا علاقة للحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان بكل ذلك، إذ انها من البديهيات التي لا يختلف عليها أحد.
بالطبع لا تتوقف كلمة يوسا عند هاتين النقطتين، إذ يحاول أن يعيد التفكير بكل أزمات العالم المعاصر، لعل أبرزها طغيان الديني على الإنساني عبر الأصوليات المتنوعة والمتنقلة التي تجتاحنا.
لا يبشر يوسا إلا بالإنسان. يكفي هذا كي نحترم كاتبا لم ينقد في البداية، إلا نفسه.
السفير