زين الشاميصفحات الناس

عن الرأي العام الميت والحكومة التي تقتل أبناءها

null
زين الشامي
وصف برلماني لبناني سابق، ربما اسمه سليمان صفي الدين، حسب ما قرأت يوماً، وصف هذا البرلماني اللبناني «الرأي العام» بأنه «بغل»، وأذكر أنني عندما قرأت ذلك ضحكت كثيراً، وقلت في نفسي ربما كان هذا الرجل إقطاعياً أو برجوازياً ويكره الطبقة العاملة وطبقة الفلاحين والطبقات الكادحة كلها. لكن يوماً بعد يوم، صرت أميل إلى موافقة هذا النيابي اللبناني على وصفه،
خصوصاً بعدما واكبنا جميعاً ما حصل على مستوى «الرأي العام» بعد «معركة الخرطوم» بين الفريقين المصري والجزائري، حين شاهدنا وعرفنا أي رأي عام لدينا في الدول العربية. وقبلها حين قتل صدام حسين الآلاف من شعبه بالكيماوي من دون أن يتحرك هذا «الرأي العام» أو ينبس بكلمة.
مناسبة هذا القول هو المآسي والجرائم اليومية التي تحصل في مجتمعاتنا، فيما «الرأي العام» أو ما يُسمى بالرأي العام، صامت ولا مكترث لما يجري حوله. هذا «الرأي العام» لا يتحرك رغم الفقر كله الذي حوله، رغم الجرائم كلها، رغم الفساد كله، ولا يحرك ساكناً رغم كل شيء. هذا «الرأي العام» لا يعرف إلا التصفيق للمسؤول والحكومة رغم ظروف الذل والإهانة التي يعيش فيها.
في يوم واحد قرأت هذه الأخبار مجتمعة، وكلها حصلت في بلدي، للأسف، ورغم هولها وبشاعتها فإن «الرأي العام» لم ينتبه إليها، ويبدو أنه لن ينتبه إلى مثل هذه الأحداث، لأن اهتماماته تنصب على أخبار أكثر عالمية مثل تصويت السويسريين لمنع بناء المآذن في بلدهم، ربما هذه الأخبار تهمهم أكثر بكثير من فقرهم وموتهم اليومي.
هذه عينة مختصرة من الأخبار من مواقع إلكترونية وصحف سورية متنوعة تابعتها على مدار أسبوع:
الخبر الأول: «توفيت امرأة تبلغ من العمر سبعة وعشرين عاماً وأطفالها الأربعة حرقاً نتيجة تسرب الغاز من (مدفأة) أثناء نومهم في منزلهم في قرية العلوش بريف حلب.
وبينت التحقيقات أن الحريق اندلع نتيجة تسرب الغاز من المدفأة التي تعمل على الغاز. وأوضح أحد سكان القرية أن العائلة المحترقة إحدى أكثر عائلات القرية فقراً، وأن جميع أفراد العائلة يعيشون في غرفة بسيطة مسقوفة بالنايلون، ويستعملون المدفأة كغاز للطبخ وللتدفئة في آن معاً».
هذا الخبر ربما يسقط حكومة لو حصل في دولة فيها رأي عام وشعب يحترم قيمة الوجود الإنساني.
الخبر الثاني، وهو تغطية لتصريحات مسؤول سياسي اهتمت به الصحف ووسائل الإعلام كلها: «قدم السيد… عرضاً سياسياً أمام المشاركين في الاجتماع الدوري لقيادات فروع الجبهة الوطنية التقدمية والقيادات السياسية لأحزاب الجبهة عن مواقف سورية في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية والأحداث التي تشهدها الساحة العربية. واعتبر السيد… أن مجريات هذا اللقاء السنوي لقيادات فروع الجبهة الوطنية في سورية تجري هذا العام وسط أجواء أفضل من التي سادت في الأعوام الستة الماضية بفضل الروح المعنوية العالية التي لازمت الشعب السوري على امتداد الوطن فحافظ عليها بأقصى ما يملك من طاقة وإيمان في مواجهة المصاعب متمسكاً بهوية أمته العربية».
أنا لم أفهم شيئاً من هذا الكلام كله، رغم أنني أسمعه يومياً منذ ولدت، أو، ربما، لأنني على حد وصف النائب اللبناني السابق من «الرأي العام البغل».
الخبر الثالث في اليوم نفسه ونقله موقع «عكس السير»: «توفي ثلاثة أطفال أشقاء خنقاً بغاز ثاني أوكسيد الكربون إثر احتراق التلفاز في منزلهم في قرية حتيتة التركمان بريف دمشق. وذكرت صحيفة محلية أن الأخوة (…) اختنقوا بغاز ثاني أكسيد الكربون أثناء نومهم في منزلهم بعد انقطاع التيار الكهربائي وإشعال شمعة أدت إلى احتراق التلفاز من دون اشتعال النار». ربما أراد هؤلاء الأطفال أن يشغلوا جهاز التلفاز ليستمعوا إلى إنجازات الحكومة وكلمة السيد المسؤول.
الخبر الرابع: «…وعلم مراسلنا من مصدر من الشرطة أن قسم المحطة تلقى اتصالاً، مفاده أن رجلاً وجد مشنوقاً في منزله. وعلى الفور حضر رئيس النيابة ورئيس قسم المحطة وضباط الأمن الجنائي والطبيب الشرعي، وقال شقيق المنتحر إن شقيقه المدعو (…) كان حزيناً على أطفاله، خصوصاً طفله محمد، ولم يكن بإمكانه تأمين الرعاية الكافية له، بسبب ضيق الحال».
وسيلة الإعلام التي لا تعير انتباهها إلى مثل هذه الحوادث تعطي مساحة أكبر لكلام المسؤول: «وقد اختتم الاجتماع الدوري لقيادات فروع الجبهة الوطنية التقدمية والقيادات السياسية لأحزاب الجبهة أعماله اليوم بجلسة ترأسها… وناقشت الجلسة واقع العمل الجبهوي خلال الفترة الماضية في المحافظات وسبل تطويره حيث تركزت مداخلات أعضاء المكاتب السياسية لأحزاب الجبهة حول تطوير عمل الجبهة وتعميق دورها في الحياة العامة».
الخبر الخامس: «قيدت شرطة إدلب طالب مدرسة بجنزير داخل المشفى الوطني بإدلب بعد أن تعرض إلى حادث سير، ورفضت فك قيده قبل أن يتدخل القاضي المناوب بعد مرور يومين على الحادث. لكن قلب الطالب توقف في اليوم الثاني نتيجة نزف داخلي فيما هو مقيد من قدميه الى السرير بالجنزير الحديدي». يقول والد الشاب: «ابني تعرض إلى حادث سير وفيما هو يصارع الموت لم تنتبه قوات الشرطة إلا لضرورة تقييده بالسلاسل».
أخبرني ذات مرة صديقي اللبناني بهذه النكتة: «ذات مرة وقع ثلاثة بحارة أحدهم سوري والثاني أميركي والثالث فرنسي بيد قراصنة في عرض البحر. القراصنة الذين يعرفون كل شيء في العالم وعن العالم أخبروا البحارة الثلاثة أنه إذا استطاع أي واحد توجيه سؤال صعب لهم ولم يتمكنوا من الاجابة عنه فسيتم تركه وإطلاق سراحه. فوافق البحارة الثلاثة أملاً في الحرية.
سأل البحار الأميركي القراصنة عن تمثال كبير في يده مشعل يرمز لشيء فما هو؟ فكر القراصنة ثم ضحكوا وأجابوا أنه تمثال الحرية، ثم قتلوا البحار الأميركي، لأنهم عرفوا الإجابة.
وحين جاء دور البحار الفرنسي سألهم عن برج طويل له ثلاثة أضلاع، وهو البرج الأكبر في العالم؟ فكّر القراصنة قليلاً ثم قالوا إنه سؤال سهل، وهو برج إيفيل، ثم قتلوا البحار الفرنسي.
عندما جاء دور البحار السوري سألهم ما هي المنطلقات النظرية لـ(حزب البعث) التي أقرها في مؤتمره السادس؟ فكر القراصنة كثيراً، ثم فكروا وفكروا لثلاثة أيام متواصلة، لكن من دون نتيجة حتى أعلنوا استسلامهم وعجزهم، ونجا البحار السوري الذي يسمع كل يوم منذ نحو خمسين عاماً محاضرات لا تنتهي عن الحزب ومنطلقاته وأهدافه وسياسته».
مسؤولونا يتحدثون لغة لا يفهمها أحد ولا يريدها أحد في القرن الواحد والعشرين… الناس يريدون إجابات واضحة وحلولاً لمشاكل مثل الفساد والبطالة والموت المتعدد بسبب الفقر.
الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى