غياب أبو عفش وبركات ونصف حضور للجراح في «كتاب في جريدة»
منذر مصري
أظن العديدين يعلمون أن الشاعر العراقي شوقي عبد الأمير، المشرف العام على (كتاب في جريدة)، كان قد كلف بادئ ذي بدء الشاعرين السوريين بندر عبد الحميد المقيم في دمشق وحسين بن حمزة المقيم في بيروت بإعداد الملف السوري لديوان الشعر العربي في الربع الأخير من القرن العشرين. وقد اتصل الشاعران بعدد من الشعراء السوريين، ومنهم أنا، وطلبا من كل شاعر أن يرسل لهما نبذة عن حياته وإعماله، ومختارات لا تزيد عن ثلاث أربع صفحات من شعره. فكان أن أرسلت لبندر عبد الحميد ما يخصّني ويخصّ أختي مرام مصري وصديقي الشاعر الراحل محمد سيدة. ثم بدأت أجزاء ديوان الشعر العربي في الربع الأخير من القرن العشرين، من الجزء الأول عن الشعر.. إلى الجزء الخامس والسادس عن الشعر.. تصدر تباعاً، وأحياناً متقطعة، فرحت أتساءل عن سبب تأخر صدور الجزء الخاص بسوريا، مع أن بندر وحسين باشرا به منذ زمن، فأخبرني كل من حسين وبندر على التوالي، أنه ما عاد لهما علاقة بالموضوع نتيجة خلاف وقع بينهما، ولم يذكر لا حسين ولا بندر شيئاً عن موضوع هذا الخلاف ولا عن تفاصيله. كما أخبرني بندر أن الأستاذ شوقي بغدادي هو المكلف الجديد بإعداد الملف، وقد أعطاه بندر رقم هاتفي ليتصل بي. وبالفعل اتصل بي شوقي طالباً مني الطلبات ذاتها. على أن أرسلها له مطبوعة على الورق، وبواسطة مكاتب النقل، لا بواسطة البريد الالكتروني، لأن شوقي كأدونيس، حتى وإن أقدما على استخدام الهواتف النقالة، فهما ليسا مستعدين للتعاطي مع بقية بدع العولمة. وبعد أن جرت بيننا عدة اتصالات تتعلق بالموضوع، أبديت استعدادي لأن أساعد في إعداد إضافة لمختاراتي ومختارات أختي مرام، مختارات من قصائد رياض الصالح الحسين ونوري الجراح ولينا الطيبي. تطوعت لهذه المهمة ليس من باب الواجب تجاه أصدقاء فحسب، بل لحرصي على الملف وعلى أن لا تغيب عنه أسماء لها هذه المكانة في الشعر السوري. فكان أول ما فعلته هو مراسلة نوري الجراح ولينا الطيبي المقيمين خارج سوريا بهذا الخصوص والطلب منهما أن يرسلا ملفيهما، وكما توقعت كانت رسائلي لنوري تعود لي، لمشكلة في عنوانه الالكتروني القديم المحفوظ عندي حينها، أمّا لينا فلم ترسل منتخباتها رغم تكراري الطلب ووعدها لي بأنها ستفعل! مما اضطرني لإعداد مختارات نوري الجراح بنفسي، مثله مثل رياض الصالح الحسين، معتمداً بشكل أساسي على كتاب الروائي العراقي علي بدر عنه: (أمير نائم وحملة تنتظر) الذي يتضمن مختارات كثيرة من شعره، موثقة بالتواريخ وبالمجموعات الشعرية التي تضمنت القصيدة، وبعض قصائده المنشورة على شبكة الانترنيت. وقد تطلب مني إعداد مختارات رياض ونوري من الوقت، بسبب تلهيَّ لا بسبب صعوبتها، حتى ظننت أن الأستاذ شوقي الذي انقطع عن الاتصال بي، قد استطاع تأمينها من مصدر آخر، فلم أرسلها إلاّ بعد أن سألته ما إذا كان لا يزال يحتاج اليها.
كان هذا قبل سفري للمشاركة في ندوة عن الشعر العربي الحديث، ضمن الفعاليات الثقافية لمعرض لندن للكتاب/نيسان ـ 2008/، حيث حل العالم العربي ضيف شرف لدورة هذا العام. وهناك التقيت بنوري مرات عديدة، وقضيت معه أوقاتاً في زيارة المتحف البريطاني، وأماكن أخرى في مدينة الريح الباردة والفئران. ولكن ما إن أخبرته، في سياق حديث كان يجري بيننا، بإعدادي مختاراته في ملف الشعر السوري لكتاب في جريدة، حتى أخذ مني رقم هاتف شوقي بغدادي وحاول مباشرة الاتصال به ليطلب منه سحب قصائده من الملف. ولما لم يستطع، كلفني أنا بمهمة الاتصال بشوقي، في أول يوم أحط به عائداً من لندن لسوريا، وإخباره حرفياً أن نوري يطلب منك يا (أبو طرفة) أن تسحب اسمه من الملف. وأجدني مضطراً الآن لأبين أن رغبة نوري هذه، كما أخبرني، هي نتيجة لموقف محدد منه تجاه (كتاب في جريدة) والأسلوب الذي يتبعه المشرف العام على المشروع! وليس كما قد يظن البعض أن هذا ينبع من عدم رغبة نوري، تكبراً أو خشية، أن يقارن شعره بشعر رياض أو شعر عادل محمود أو أي شاعر سوري أو غير سوري. فكان أول ما فعلته عند عودتي، هو أني تابعت الاتصال بشوقي بغدادي على هاتفه النقال والأرضي، حتى أجابني أخيراً، ونقلت له رغبة نوري، وكيف أنه في حال ورود اسمه في الملف سيقدم دعوى ضد شوقي عبد الأمير بصفته المشرف العام على (كتاب في جريدة). لكن شوقي بعد أن أبدى دهشته وأسفه، أخبرني أن الأمر قد خرج من يده وأنه قد أرسل الملف لبيروت منذ فترة، وأن كل ما يستطيع فعله هو محاولة الاتصال بهم لسحب مختارات نوري إذا كان ذلك ما زال ممكناً؟
ظهر العدد
الأربعاء 4 حزيران (يونيو) ,2008 وزع مع /20/ جريدة عربية، تصدر في جميع أقطار الوطن العربي دون استثناء، ما يزيد عن مليوني نسخة من العدد /118/ لكتاب في جريدة، منها جريدة تشرين السورية، التي لم تحاول أن تحسن ولو قليلاً مستوى طباعتها الرديء المعتاد لـ(كتاب في جريدة)، فصدر بورقه الرخيص غير مقصوص الجوانب، وغلافه غير الملون، دون اعتبار أنه هذه المرة، يتضمن الجزء التاسع، من ديوان الشعر العربي في الربع الأخير من القرن العشرين، الخاص بسوريا، ومن إعداد شوقي بغدادي وتقديمه. وكما توقع الجميع، فقد أثار الملف في سوريا، ما أطلق عليه، نتيجة ميلنا للمبالغات، زوبعة أو فتنة شوقي بغدادي. ليس بسبب تلك الأحكام التي أطلقها شوقي بغدادي في مقدمته والتي ذكرتني بتعليقاته على قصائد الشباب في ملحق الثورة الثقافي في النصف الثاني من عقد السبعينيات، إلى أن الشعر السوري قد سعى لتعويض تأخره هذا عن موكب ريادة الشعر الحر، شعر التفعيلة أو قصيدة النثر «بالكم لا بالكيف»، لهذا برأيه، اتسمت معظم نماذج شعراء قصيدة التفعيلة «بالإفراط في الغنائية التي تصل أحياناً إلى حد الغرق في الميوعة الرومانسية والوقوع في مطبات مناخ (تقليدي) جديد من التشابه والتماثل في المستويات عامة دونما اختراق لافت يذكر». بينما «شعراء قصيدة النثر ـ ما عدا القليل منهم ـ تغلب على كتاباتهم المجانية أو التذاكي والثرثرة والذهنية». قلت إن أحكام شوقي لم تكن مثار خلاف على الإطلاق، فهو حر في توصيف الشعر السوري كما يريد، بل بسبب الأسماء التي تضمنها الملف/34/ اسماً، حيث إن بعضها برأي البعض لا يستحق الذكر بين هذا العدد المحدد من الأسماء، وبسبب الأسماء التي فوَّتها، ومنها ممدوح عدوان ونزيه أبو عفش وسليم بركات ومحمود السيد و… كما اعترض البعض على تسلسلها، الذي جاء بحسب العمر، ولو على نحو غير دقيق، مما أدى إلى أن يفتتح الملف بأسماء محدودة الأهمية وينتهي بأسماء لا أهمية لها على الإطلاق برأيهم. ثم كيف يتطابق التسلسل العمري على تخصيص صفحة كاملة لـ/17/ شاعراً، أما الباقي، ذوو الأعمار الأصغر كما يفترض، فنصف صفحة لكل منهم، رغم أن أولهم، زاهد مالح من مواليد 1943 قد جاء بعد لقمان ديركي مواليد ,1966 كما تجدر الملاحظة أن الشعراء الأصغر سناً والذين جاؤوا تقريباً في خاتمة الملف، هم أقرب لتمثيل جيل العقد الأول من القرن الواحد والعشرين من أن يكونوا ضمن شعراء الربع الأخير من القرن العشرين؟
غير أن كل ذلك، على أهميته، وعلى قابليته للمناقشة، ليس محور حديثي هنا، ما يهمني الآن هو، بالعودة إلى نوري الجراح، تخصيص شاعر يعتبر دون أدنى شك، واحداً من اثنين أو ثلاثة من أهم شعراء سوريا والوطن العربي في ذلك الربع الأخير من القرن المنصرم. ومنهم بالتأكيد سليم بركات ونزيه أبو عفش الغائبان كلياً عن الملف، كما ذكرت. وبما أني من استعان به شوقي وأعد له مختارات نوري الجراح، فقد خشيت، أول ما اطلعت على الملف، أن أكون أنا من لم يرسل إلاّ هذا العدد القليل من قصائده، ولكني بالعودة لجهازي الكومبيوتر، وجدت أن الملف الذي طبعته، مؤلف من /7/ صفحات (فول سكاب) وبخط طباعة قياس /16/، وهو يتضمن تعريفاً وافياً بنوري وإنجازه الشعري والثقافي، و/7/قصائد كاملة. غير أن شوقي، أو لا أدري من، اختصر التعريف واكتفى بالقصائد الأربع الأولى، مهملاً (مطارق نحاسية) و(شظايا في ذراع محارب) الطويلة نسبياً و(المسيح الموجة الزرقاء)، التي كان من الواجب نشرها جميعها لتحتل صفحة كاملة.
وهكذا، إضافة لاستغرابي لاحتواء الملف بعض الأسماء التي ليس لها من الأهمية بالقدر الذي يجعلها تستحق الذكر، واستنكاري لاستبعاده من ذكرت وآخرين كثراً أرى أنهم أحق بالذكر، لم أفهم لماذا تمت معاملة نوري الجراح، وربما عائشة أرناؤوط أيضاً، على هذا النحو غير اللائق وغير المقبول بأية زاوية نظرت إليه، والذي كما يبدو كان نوري يتوقعه، ومن هنا ربما كان إصراره على سحب اسمه!؟ الخدمة التي كلفني القيام بها كصديق، وقصّرت عنها. مما جعلني أتمنى لو أن اسمي كان من بين الذين غابوا وافتقدوا، بدل أن يكون من بين أولئك الذين احتشدوا وتزاحموا في الملف، مع احترامي للجميع. لأني أرى واضحاً كفاية الآن أن لا شيء يجنيه شاعر كنوري الجراح أو سليم بركات أو نزيه أبو عفش أو.. أو أي شاعر حقيقي آخر، سوى ذلك الشعور بالأسف والخجل، حين يرد اسمه في ملفات وانطولوجيات من هذا القبيل.
(اللاذقية)