صدق أو لا تصدق: الإعلام المطمئن لم يسمع باضطرابات تونس والجزائر..
محمد منصور
الإعلام السوري إعلام مطمَئِن ومُطمْئن… تزعجه أخبار الاضطرابات والاحتجاجات فيتجاهلها وكأنها لم تكن… وينكرها وكأنها لم تحدث.. ويعتم عليها وكأنه يخشى إثم الجهر بالمعصية… وهو يتبع في ذلك شعار (ابعد عن الشر وغن له) أو المثل الشعبي: (حواليي ولا عليي).
هكذا تجاهلت نشرات أخبار الفضائية السورية أخبار اضطرابات تونس والجزائر… مثلما تجاهل التلفزيون السوري عام 2003 خبر وصور سقوط بغداد بيد الاحتلال الأمريكي… في أكبر حادثة تجاهل في تاريخ الإعلام العربي في القرن الحادي والعشرين.
الأزمة التونسية تكاد تتم الشهر الأول… شبان أحرقوا أنفسهم تحت وطأة البطالة… محامون أعلنوا إضراباً في شتى المحاكم، احتجاجاً على تعرض زملاء لهم للضرب على ايدي رجال أمن… رئيس جمهورية يظهر خلال الأزمة مرتين ليوجه خطاباً إلى شعبه… ثمانية قتلى في مواجهات… إغلاق المدارس والجامعات حتى إشعار آخر.. ومع ذلك لا أحد هنا… ولا نرى شيئاً من هذه الأحداث على شاشة الفضائية السورية.. لا باللغة العربية ولا بنشرات اللغة الإنكليزية، ولا نقرأ حرفاً عنها في الشريط الإخباري الذي لا يكف عن الدوران.
قتيلان في اضطرابات مماثلة في الجزائر حركتها سوء الأوضاع الاقتصادية… معارضون وموالون يتحدثون عن الأزمة وسوء الأوضاع الذي لم يعد يحتمل في بلد نفطي، وواحد من كبار مصدري الغاز في العالم… والإعلام السوري ما زال غارقاً في الصمت ومتحلياً بالصبر الجميل… تأخذه روح الحمية القومية عسى تنتهي الأزمة على خير وبتبويس الشوارب… ويعود السلام والوئام في مغرب عربي يلتهب شارعه بعد صمت متململ، وسكون طويل.
لا نطلب من الإعلام السوري أن يكون مع حكومة شقيقة ضد شارع عربي شقيق ولا العكس… لا نطلب منه أن يهيج المشاعر أو يثير القلاقل، لا نطلب منه أن يكون بشفافية (الجزيرة) أو حيوية (العربية) أو إحساس المحطات اللبنانية بالحدث العربي من حولها، لكننا نطلب منه فقط حق المعرفة… حق معرفة ما يحدث… ما يجري… بل حق الإشارة على الأقل إلى أن ما جرى قد جرى حقاً، ولم يكن من نسج خيال وأوهام محرري الأخبار في محطات مشبوهة ومغرضة أخرى.
لو أن مواطناً سورياً في بلدة نائية لا يملك طبقاً لاقطاً يستقبل به بث المحطات الفضائية… ولا يتابع سوى التلفزيون السوري، ولا يقرأ سوى الصحف السورية… في أي حال من الجهل بالعالم من حوله سيكون، لو جاء من يقول له إن هناك اضطرابات منذ شهر في تونس الخضراء واضطرابات مماثلة في الجزائر بلد المليون شهيد، كيف ستكون ثقته بإعلامه الوطني وهو يفرز له الأخبار على هواه ومزاجه، وكأنه طرف فيها على أرض الواقع.
لقد قرأت بعض أعداد الصحف السورية في الأيام القليلة الماضية فلم أجد فيها ذكراً لاضطرابات تونس والجزائر أيضاً… ولربما جاء فوز المنتخب السوري على السعودي في نهائيات كأس أمم آسيا مسعفاً لهذا الإعلام المتطير من أخبار السوء… كي يغلب أفراحه الكروية الضنينة على كل ما عداها… فيغطي بريق الفرح على أخبار يمكن أن تندرج تحت بند (وهن نفسية الأمة) لا أكثر ولا أقل.
ما هذه العقلية؟ ما هذا التفكير؟ ما هذا الإعلام الذي لا يكف جهابذته عن التبجح بمصداقيته وتطوره وقدرته على المنافسة والارتقاء، وتقدم قنواته لتكون بين الخيارات الأولى لدى المشاهد العربي؟
قولوا لنا لأننا (كسوريين) حريصون على إعلام بلدنا… حريصون على أن لا يكون خارج التاريخ… وخارج العقل… وخارج المنطق… وخارج أبسط معايير المهنة التي يستحيل أن يكون السوريون عاجزين عن بلوغها والوفاء بالتزاماتها إلى هذا الحد… وبهذه الصورة… وفي هذا الزمن الذي يصحو الناس وينامون فيه على وقع الإعلام.
(مين قال) لغة الإعلام الحديث
فقرة التوعية الصحية (مين قال) التي تقدمها قناة (إم. تي. في) اللبنانية قبل نشرات الأخبار… من أفضل فقرات التوعية الصحية التي شاهدتها في حياتي. لغة رشيقة وواضحة، إيقاع سريع، رؤية بصرية تقوم على غرافيك يعتمد الاسكتشات المرسومة بطرافة وخفة… يقدمه مذيع رأسماله البساطة في الأداء واللباس… وروح شبابية تغيب عنها الفذلكة والتصنع.
هذا مثال صغير على لغة الإعلام الحديث الذي يوصل المعلومة ببساطة، ويقدم المعادل البصري الموحي بذكاء… وأتمنى أن يتم توسيع إطار هذه الفقرة ذات الدقائق المعدودة، لتكون فقرة توعية في مجالات شتى يحتاج فيها المشاهد لتداول مفاهيم أساسية بلغة تلفزيونية ليس فيها إنشاء وفذلكة ورصانة مفتعلة.
القدس العربي