ثورة تونسصفحات العالم

من أجل وعي عملي بآليات التغيير

محي الدين قصار
أحب أن أبارك لأخوتنا في تونس والجزائر ثورة الإباء والبطولة فهم يثورون من اجل الكرامة والحرية. ومن الضروري على المثقفين أن يخلقوا وعيا عند الجماهير حول آليات التغيير والمراحل التي تمر بها عملية التغيير، فعلينا أن لا نتوقع أن تتراجع الطغمة الحاكمة بهذه السهولة، وعلى اخوتنا في انتفاضاتهم أن يكونوا واعين للمراحل القادمة لكي لا يسرق نضالهم، ويتمكنوا من اقامة دولة الديمقراطية،
فتونس اليوم دخلت في مرحلة اصبحت فيها المبادرة للشعب وانتقل النظام إلى مرحلة رد الفعل وسيستمر الوضع هكذا طالما تابعت الجماهير النضال بوسائل صحيحة. وفي هذه المرحلة يسهل جدا التنبؤ بردات فعل السلطة خلالها، فالآن سيتم دخول النظام في حلقات تراجعية وفي كل حلقة يأمل النظام أن توقف الاحتجاجات فيها. وهذه الحلقات تتألف من عدة اجزاء متتابعة أو متوازية:
1- زيادة الوعود (كما فعل ابن علي) وسيفعل مرارا خلال الايام القادمة.
2- محاولة دفع المتظاهرين للتطرف في رداة فعلهم وأعمالهم ليسهل ضربهم وقد يصل لمحاولة دفع “عناصر النظام” نحو العمل الإجرامي ليتهم المنتفضين بها.
3- زيادة القمع المركز (اعتقالات في مفاصل معينة سواء جغرافيا أو سياسيا) بغية ايقاف الحراك السياسي للحركة الاحتجاجية.
4- تقديم لاحقا بعض الرؤوس ككبش فداء على أمل أن ينقذ النظام رأسه.
وكلما انتهت حلقة ولم تنته معها الانتفاضة سينتقل النظام إلى حلقة أكثر عنفا وتضييقا ولكنها تحمل نفس الصفات، ولكن في الحقيقة هذا هو الطريق. فهذه الدورات او الحلقات ستنقل النظام إلى مزيد من العزلة والتقلص، حتى يصل إلى لحظة تتخلى عنه اقرب المؤسسات المدافعة عنه.
والدعوة القائمة في تونس لتشكيل حكومة إئتلاف وطني دعوة جيدة ومفيدة ولكنها مطلب مرحلي، ولن تكفي طالما أن رأس النظام مازال قائما، فلابد من استراتيجية تتكون من:
1. استمرارية الضغط عن طريق الاحتجاجات والإضرابات.
2. لابد من أن تنتقل هذه الاضرابات إلى شرائح اجتماعية اخرى غير الطلاب، لذلك علينا أن نكبر وقفة المحامين والفنانين، ولكن لا بد من الانتقال إلى صفوف العمال والتجار والموظفين، والأمن والجيش.
3. لا بد من أن تنخرط كل قوى المعارضة بهذه الإحتجاجات والاضرابات دون أن تتبنى قيادتها، حتى لا يتحمل المحتجون آثام المعارضة السابقة. فكلما ازدادت توحد قوى المعارضة وانخراطها كلما خفت تكاليف التغيير وسرعت مراحله.
4. لا بد من الإبتعاد قدر الإمكان عن اعمال العنف والضرر العام، فلا شي يقتل النظم الإستبدادية مثل أن يترك عمل الخراب والحرق والرمي بالرصاص للنظام وأن يحتكر المحتجين عمل الخير والعمار، فلابد من تكاتف الصفوف بي المضربين، ولا بد لهم من خلق الآليات للالتحام بجيرتهم واهلهم في حيهم ودائرتهم الاجتماعية والاقتصادية، ولابد من أن تكون الاعتراضات على الاستبداد كلها أعمالا تزيد من الوحدة حول المعترضين وتزيد من عزلة السلطة عن شارعها، فهذه الستراتيجية ستسحب الجميع من عمال وطلاب وموظفين وعسكر ومحامين وقضاة للخروج معهم صفا واحدا وهؤلاء جميعا لا يخرجون ما لم يكبر الهدف وتسموا الوسيلة.
5. وعلى الحركة الاحتجاجية أن تفصل بين اشخاص الطغمة الحاكمة والمؤسسات التي يحكموها، فعلى سبيل المثال من يحتج على وزير الدفاع لفساده لا يعني احتجاجه على الجيش مثلا. وأن تصدر لوائح اتهام اسمية (على أن لا يكون عددها كبير) ولأسباب واضحة لكي تتحدد المسؤولية ولاسيما عن أعمال القمع وتضيق الخناق على النظام، فعندما يعلم موظفوا الطبقة الثانية أنهم غير مستهدفين من قبل المحتجين فيسهل عليهم الوقوف مع الحركة الاحتجاجية.
6. وخلال كل هذه الحلقات التي سنمر بها لابد من إيجاد وسائل لدق الأسافين بين النظام والغرب، وعلينا أن لا نستهين بأعمال الاحتجاجات في فرنسا طالما أنها تتم ضمن اطار القانون والعمل الأهلي المنظم. فالمظاهرات والتعاون مع المؤسسات الأهلية في الغرب يساعد في تعرية المواقف الحكومية الغربية ويحملها مسؤوليات التخلي عن النظم الإستبدادية.
أخيرا أحب ن أقول للمجاهدين في القاعدة وغيرها أن صمتهم في هذه المرحلة هو أكثر بلاغة من أي ما قد يفعلونه ويقولونه، فلا احب على الطاغية أن يعلن نفسه عدوا للثائرين إن تمكن أن يضعهم والمحتجين في صف واحد. “وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ”
• أكاديمي عربي – شيكاغو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى