تونس في اليوم التالي
ازهر مهدي
لا شك ان سقوط نظام بن علي يمثل نقظة عطف ليس في مستقبل تونس فحسب بل تحولا في اللاوعي العربي الذي ظل خافتا ومستسلما ازاء القتلة والمجرمين الذين حكموه طوال عقود واسسوا لبقائهم لعقود أخرى من خلال توريث الحكم الى ابنائهم وربما بناتهم أيضا!!!!
تحدث العرب كثيرا ونشرت العديد من المقالات التي تصف الواقع المؤلم الميء بالشكوى لنكتسب عن حق الوصف الذي تمثله مقولة ( ان العرب ظاهرة صوتية فقط ) لكن في تونس وتونس وحدها ظهرت قصيدة ضمت بيتا الهب القلوب والعقول عندما قال الشابي :
اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر
وخلافا للثرثارين في عالمنا العربي الذين استمتعوا بدور الضحية بل إن الضحية العربية وفي تطورها السايكولوجي او قل انحدارها السايكولوجي بدأت تعبد الجلاد من خلال التأسيس لنظريات سياسية ودينية سعت الى تخدير الوعي واللاوعي ايضا لتحويل الشعوب الى قطعان من العبيد لا اكثر ، خلافا لكل هؤلاء الثرثارين والمحللين والسياسيين خرج شاب بسيط واحد اسمه ( محمد البوعزيزي ) عن صمته وضرب بكل هذه النظريات عرض الحائط واحرق نفسه كأي حر يابى العيش في ذل ومهانة تعبيرا عن اشمئزازه من الوضع القائم ليلهب افئدة عطشى واجسادا متعبة فخرجت الحشود الغاضبة بعد ان أكتسبت ثوب الحياة من جديد وكانت النتيجة الخلاص من بن علي ولم يعش البو عزيزي ليرى نتيجة علمه وكان تونس كلها طالبت بثأره مرة واحدة.
هرب الطاغية فماذا بعد
هرب بن علي وترك اقطاعيته الجميلة وبدأت الاخبار تكشف اعمال شغب في ارجاء البلاد ولا بد من التركيز على هذه النقطة لانها ستكون المنطلق الذي ستستند عليه الانطمة العربية المتهالكة الاخرى لتظهر لشعوبها مساويء الثورة والتغيير.
سيخرج علينا وعاظ السلاطين من ازهريين ونجديين ومن لف لهم بالقول انظروا هذه هي عواقب الحرية !!!
وسنرى الاعلام الرسمي العرباني يركز على اي حالة سلبية تقع هنا او هناك ليقول انظروا هل هذه الحرية ؟
كل تغيير يشبه الطوفان يأتي بالماء الذي يروي الزرع ويحيي الارض بعد موتها وهو ضروري ايضا رغم ما يصاحبه من اضرار لكن على الجميع النظر الى الامام وعدم الرضوخ الى استبداد الاقطاعيين من الحكام العرب الذين لا هم عمروا ولا هم تركوا الطوفان يروي الارض والشفاه.
مبدأ الحاكم العربي بسيط ومحدد ( انا ومن بعدي الطوفان ) لكن الطوفان آت لا محالة فما قيمة الانتظار امام سد يوشك على الانهيار؟
بن علي في جدة
سافر بن علي على متن طائرته الخاصة الى جدة في العربية السعودية و إنصافا للرجل فقد فعل حسنا وهي نقطة تحسب له لا عليه وقد توقعنا في مقال سابق ان يقتدي بشاه ايران عندما ترك البلاد من دون المزيد من الدماء وقد فعل – وهذا لا يبرر جرائمه السابقة بالطبع – العجيب ان مجرما مثل بن علي اختار ارض مقدسة لدى المسلمين لاستقباله بعد ان رفضت فرنسا ان تقوم بنفس العمل وإن كانت السعودية – للانصاف ايضا- قد سرعت هرب الطاغية لكن عملا كهذا غير أخلاقي في جوانب أخرى ان ترك هذا المجرم يفر سالما ليستمتع بالاموال التي سرقها من شعبه هو وعائلته ناهيك عن الضحايا الذي سقطوا خلال فترة حكمه والسجناء الذي فدقوا خلال تلك الفترة.
ان هرب بن على الى جدة يذكرنا بلجوء مجرم آخر فر الى نفس الدولة ونفس المدينة بالذات فقد اختارها مجرم افريقيا واوغندا السابق الملقب بآخر ملوك اسكتلندا !!! وقاهر الامبراطورية البريطانية ( عيدي امين دادا ) وهو المتهم بقتل مائة الف شخص لتكون ملاذه الاخير وقد توفي فيها ايضا ولا يزال الحمقى من العرب يترحمون عليه لا لشيء الا لأنه نطق بالشهادتين واعتنق الاسلام متحولا عن النصرانية متناسين كل افعاله التي لم يندم عليها أبدا.
من جهة أخرى فتصرف بن علي افضل من زميله صدام حسين الدكتاتور العراقي السابق صدام حسين الذي فر الى حفرة خرج منها اشبه بالمجانين بعد ان ترك شعبه ليواجه حربا ضروسا بعدما ما مارس هو بنفسه اقسى انواع التعذيب والابادة الجماعية بحق هذا الشعب على مدى خمسة وثلاثين عاما وعلى الحكام العرب تذكر هاتين الصورتين ليختاروا بين الوقوع الحفر اوركوب طائرة تنقلهم الى جدة لتقضية باقي ايامهم !!!!!!
ان الحياة قد بدأت الان في تونس والحياة لم تكن سهلة علينا ولا يجب ان نفرط بالتفاؤل وان تونس ستتحول الى جنة ( ونحن نتمنى ان تكون جنة بالفعل ) لكن يجب ان نكون متفهمين لأي صعوبة يواجهها هذا البلد الناهض وسط اعاصير التخلف والدكتاتورية في المنطقة.
هكذا هم الحكام العرب وكلنا امل ان تنعم تونس بالخير لتقتفي بقية الدول أثرها ولا اعرف كيف يبدو القذافي ومبارك وبوتفليقة ومحمد السادس الان فهل هم في لحظة تامل لما قد يقع في المستقبل القريب؟