تونس أفرحت الشعوب وأخافت الحكام
ما زالت الأحداث المتسارعة للثورة التي اندلعت في تونس وأدت إلى فرار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي تتصدر عناوين الصحف البريطانية حيث يتكشف كل يوم عن تداعيات مصاحبة لهذه الثورة بين مخاوف متزايدة قد تؤدي إلى صراع عنيف على السلطة وبروز عناصر موالية للنظام السابق تحاول تشويه مكتسبات الثورة والحذر من حدوث فوضى وتحذيرات للحكومات المستبدة من وصول العدوى لبلادهم.
فرحة وخوف
فقد كتبت إندبندنت أن الثورة تأتي بالفرحة لتونس والخوف لحكام المنطقة المستبدين. وقالت الصحيفة إن انتحار رجل واحد أشعل ثورة عارمة في أنحاء البلد والآن تستطيع الأنظمة القمعية الأخرى في العالم العربي رؤية بذور تدميرهم في مباني تونس المحترقة.
وأشارت إلى ما قاله الناشط الحقوقي المصري حسام بهجت إنه يأمل أن يستطيع أبناء بلده عمل نفس الشيء يوما ما. وأنه يشعر باقتراب خلاص بلده. والمثير للدهشة بشأن تونس أن النظام الحاكم بدا قبل أيام وكأنه راسخ لا يتزعزع ثم ما لبثت الديمقراطية أن عمت البلد دون أن تنبس دولة غربية واحدة ببنت شفه.
ويوم الجمعة عارض نشطاء في القاهرة نظام الرئيس مبارك الذي دام ثلاثين عاما وهم يهتفون على طائرة الرئيس التونسي “بن على قل لمبارك هناك طائرة بانتظاره أيضا”.
إندبندنت
ويرى بعض المحللين في تونس مثالا لثورات محتملة في دول أخرى في المنطقة.
وقال آخر إن “تونس بدأت زخما سيصعب مقاومته وسيحدث مثل هذا الاضطراب في مصر لا محالة وقد يصل إلى ذروته مع الانتخابات الرئاسية في سبتمبر/أيلول، لكن يمكن أن يحدث شيء ما قبل هذا. وبالطبع يجب أن نضع في الاعتبار مستوى الأمن العالي جدا في مصر”.
وأضاف محلل آخر أن هناك عاملا آخر وهو الاستخدام المحدود لوسائل الإعلام الاجتماعية والإنترنت في مصر مقارنة بتونس. فربع التونسيين يستخدمون فيسبوك. ورغم أن عدد سكان مصر أكبر فإنهم أقل ثقافة وغير متصلين جيدا بالإنترنت ولا يشاهدون قناة الجزيرة ويشاهدون بدلا منها التلفاز الرسمي في حين أن التونسيين في غاية التجانس ومصر مكان أكثر تعقيدا.
وقد تستغرق شعلة الثورة بعض الوقت لكي تُمرر إلى مكان آخر، كما أشار السير ريتشارد دالتون السفير البريطاني السابق في ليبيا وإيران.
فراغ مربك
وتعقيبا على الأمر أيضا كتبت غارديان أن تونس -التي يبلغ عدد سكانها عشرة ملايين نسمة والمعروفة بمستوياتها العالية في التعليم وروح المواطنة- أصبح شعبها أول شعب في العالم العربي يهب إلى الشوارع ويطرد رئيسه.
وقالت الصحيفة إن تغير القيادة جاء بسرعة مذهلة والثورة ضد البطالة وقمع الشرطة وفساد الطبقة الحاكمة المستبدة الشبيهة بالمافيا كانت ثورة بدون قائد.
وأشارت إلى أن فرار بن علي السريع وغير المتوقع خلف وراءه فراغا مربكا ولم يتضح من الذين قد يبرزون كمرشحين رئيسيين في تونس بعد بن علي، حيث أن القائد المستبد هيمن تماما على السياسة لعقود ووضع رجاله في مناصب سلطوية وأرسل خصومه للسجون أو المنفى.
وفي وسط تونس بدأ الناس يمزقون صور بن علي المنتشرة في كل مكان وتوالى سقوط الصورة تلو الأخرى. واستمر الغضب من الأسرة الحاكمة، وخاصة زوجة بن علي التي كانت توصف بملكة قرطاج، حيث تم نهب وحرق عدد من قصور وفلل الأسرة.
أنظمة هشة
كذلك علقت ذي أوبزيرفر في افتتاحيتها أن على الحكام الطغاة الانتباه إلى الأحداث في تونس، مشيرة إلى أن سقوط الرئيس التونسي هو أحد تلك التحولات المفاجئة لأحداث الإدراك المتأخر لها سرعان ما يجعلها محتومة.
وقالت الصحيفة إن الأنظمة المستبدة الفاسدة هشة عموما ولم يكن بن على استثناء. لكن قلة توقعت كيف يمكن أن تصير سلسلة من المظاهرات الغاضبة ثورة تغير نظاما بهذه السرعة.
ووصفت الصحيفة هذه الثورة بأنها ديمغرافية بالإضافة إلى كونها اقتصادية وسياسية وأنه رغم أن هذه التعبئة الجماهيرية كانت مفاجئة فإن الإحباط الذي عبرت عنه كان يختمر على امتداد جيل. وأفراد هذا الجيل لديهم طرقا لمشاركة المعلومات على الإنترنت التي لا يمكن إسكاتها كلية رغم الرقابة الرسمية التي تمنعها أحيانا. فهذا الجيل من المحتمل أن يكون مصدرا هائلا لثورة سياسية.
وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل الحكومات من المغرب والجزائر على طول ساحل المتوسط إلى مصر والأردن وسوريا والخليج تراقب تونس بحذر. ورغم أن هذه الدول متعددة الأشكال لكن تجمعها سمات مشتركة: سياسة رجعية ونخب فاسدة تفتقر إلى أي مبدأ حاكم بخلاف الرغبة في مقاومة مطالب التغيير من الليبراليين والإسلاميين. كما إنها تعاني أيضا من عقم ثقافي وأكاديمي خنق الفكر الحر الذي قد ينثر بذور التجديد السياسي والاجتماعي.
لذا فإن استقرار هذه الأنظمة يعتمد على تركيبة من قوة الدولة واللامبالاة بالشعب. والثانية هي التي تغيرت بدرجة كبيرة في تونس. وهناك قلق خاص يسيطر على القيادات العربية الأخرى وهو جرأة الجماهير المستعدة لمواجهة شرطة الشغب التي تطلق رصاصات حية. والأنظمة المستبدة نادرا ما تحيا لفترة طويلة بمجرد تحطم وهم المناعة.
وقالت الصحيفة إنه من غير الواضح ما إن كانت تونس ستخرج من هذا الاضطراب بقادة أفضل. لكن هناك على الأقل احتمال تقدم بدون بن علي. وهذا يشكل تحذيرا للقادة عبر المنطقة لكنه يتضمن أيضا درسا لأوروبا والولايات المتحدة. ورؤساء طول العمر الذين يقدمون حماية زائفة ضد الإرهابيين الوهميين ليسوا أصدقاء موثوقين. وأضمن حلفاء لفترة طويلة هم الشعب العادي في الدول العربية الذين تُثبط آمالهم بطريقة منهجية. فإن صداقاتهم هي التي يجب أن يخطب الغرب ودها بوضوح.
وفي نفس السياق كتبت فايننشال تايمز أن نهاية عصر بن على تمثل حالة نادرة لزعيم عربي أسقطته ثورة شعبية وهو ما يشكل تحذيرا للزعماء المستبدين في المنطقة لكنه يبعث الأمل في الشباب بأن التغيير ممكن.