انتفاضات الجياع… لماذا في شمال أفريقيا وليس «المشرق»؟
زين الشامي
مرة ثانية، ومن دولة عربية في شمال افريقيا هي الجزائر، وليس من دولة مشرقية، اندلعت اضطرابات في عدة مدن بعد ان شهدت قبل نحو شهر مدن تونسية اضطرابات مماثلة وعلى خلفيات احتجاجية مشابهة. المحتجون الذين خاضوا اشتباكات مع رجال الامن، خرجوا الى الشوارع بعد ارتفاع كبير في أسعار المواد الأساسية وبسبب زيادة اعداد العاطلين عن العمل وغالبيتهم من خريجي الجامعات الذين قضوا سنوات طويلة خلف مقاعد الدراسة على أمل الحصول على وظيفة لائقة تعوض ما فات من تعب وانتظار واحلام، لكنهم ومثل اجيال أخرى سبقتهم، وحدها كانت الشوارع والارصفة والمقاهي بانتظارهم.
المحتجون الذين رشقوا قوات الشرطة بالحجارة في أحياء «باب الواد وميدان الشهداء وبلكور» في قلب العاصمة الجزائرية، لم يكونوا ليقوموا بمثل ذلك لولا انهم فقدوا كل الامل بالوعود الحكومية ولولا انهم فقدوا كل الامل في الحصول على فرصة عمل تطوي صفحة البطالة والفقر من حياتهم.
الخلفيات هي ذاتها التي دفعت الشاب محمد البوعزيزي على احراق نفسه في منطقة سيدي بوزيد في تونس ليتوفى لاحقا في احد المستشفيات. وكان قبله الشاب محمد العماري سقط برصاص قوات الشرطة اثر احتجاجات شارك فيها العديد من الشبان التونسيين العاطلين عن العمل والفقراء.
ماذا يحدث في دول شمال افريقيا، وهل وصلت الامور والبؤس الى درجة لا يمكن احتمالها، وماذا عن بقية الدول العربية وخاصة مصر وسورية والاردن ولبنان واليمن والاراضي الفلسطينية وغيرها حيث يعاني الشباب الكثير من الاحباط والخيبات وفقدان الامل بالحكومات؟
قبل كل شيء لا بد من القول ان الاحتجاجات التي شهدتها كل من تونس والجزائر لم تقتصر على مدينة أو منطقة معينة، بل ان عدوى الاحتجاجات انتقلت الى مدن ومناطق اخرى، وكانت الخلفية والدوافع واحدة، ارتفاع الاسعار، البطالة، انعدام الخدمات الاساسية او ندرتها، الشكوى من الفساد الذي يضرب غالبية مفاصل اجهزة الدولة، ثم الفرق الشاسع بين طبقة الاغنياء وما بين الفقراء الذين تزداد اعدادهم يوما بعد يوم.
الاضطرابات الجديدة التي لم تعلن اي احزاب سياسية تبنيها او وقوفها خلفها، اعادت الى الاذهان احتجاجات مماثلة شهدتها الجزائر اواخر الثمانينات، وتلك التي شهدتها تونس عام 1984 او ما عرفت يومها بثورة الخبز بسبب قرار الحكومة رفع اسعار هذه المادة الاساسية الى نحو 70 في المئة ما ادى الى سلسلة من المظاهرات والمصادمات مع أجهزة السلطة الأمنية احتجاجا على الزيادات الحاصلة وتعبيرا عن عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي كانت تتخبط فيها البلاد والتي تعمقت مع سياسات الوزير الاول محمد مزالي الانفتاحية. هذا ان دل على شيء فإنما يدل على ان التونسيين والجزائريين لهم اسبقية في التعبير عن الاحتجاج ضد السياسات الحكومية بخلاف اشقائهم واقرانهم في الدول العربية المشرقية مثل «سورية ولبنان والاردن والعراق واليمن وحتى مصر».
لكن ما الاسباب، نقصد لماذا يحصل ذلك في الجزائر وتونس ولا يحصل في «المشرق»، رغم انتشار المشاكل نفسها الاقتصادية ورغم انتشار الفساد وارتفاع الاسعار وقلة الخدمات التحتية التي تقدمها الحكومات ورغم انعدام الحياة الديموقراطية ايضا؟
بادئ ذي بدء لا بد من التنوية والاشارة الى الفروقات الموجودة في بنية وطبيعة النظام الذي يسيطر في الدول المشرقية عن ذلك القائم والموجود في دول شمال افريقيا ومصر ايضا. حتى ان هذه الدول عاشت تجارب مشابهة في العصر الحديث على الرغم من انها لم تكن دولا قوية وكبيرة كما في الماضي. مثال العراق مع صدام حسين وحزب البعث، لا يختلف كثيرا من ناحية مضمون الدولة وشكلها الاستبدادي عن الدولة التي حكمها الحجاج بن يوسف الثقفي صاحب القول الشهير: «اني أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها».
ان مثل هذه الدول واولئك الحكام لم نرهم في دول شمال افريقيا في الماضي ولا في الحاضر، حيث لم تشهد دول شمال افريقية، باستثناء ليبيا، تجربة لنظام الحكم الواحد، التي شهدته كل من العراق وسورية ومصر مع عبدالناصر.
في العصر الحديث، ومع فترة ما بعد الاستقلال حصلت بعض الانتفاضات والصراعات السياسية بين انظمة الحكم وبعض المعارضين في العراق وسورية ومصر، وكلها ضربت واخمدت بقساوة ووحشية، وانتهى اصحابها إما في السجون والمنافي وإما في القبور. ما نود قوله ان حجم الخوف المتأصل في دول المشرق اكبر بكثير من ذلك الموجود لدى شعوب شمال افريقيا، لذلك من الطبيعي ان يكون الشباب في الجزائر وتونس اكثر جرأة في التعبير عن الظلم الواقع ضدهم. ثم لا ننسى ان الجزائر وتونس والمغرب ايضا، اكثر قربا من الناحية الجغرافية والثقافية الى اوروبا من دول المشرق، ونقصد بأوروبا، ثقافة الحريات وافكار العدالة والمساواة ومبادئ الثورة الفرنسية.
في ما يخص الدول المشرقية الاخرى، مثل لبنان والاردن والاراضي الفلسطينية، فإن الحالة مختلفة، ففي لبنان، يعمل الصراع الطائفي وحتى «الديموقراطية الطائفية» دورا مؤثرا في حرف الاحتجاجات المطلبية عن وجهتها الحقيقية، وفي الاردن ثمة حالة عشائرية تلعب دورا مماثلا، اما في الاراضي الفلسطينية فالاولية كانت دائما للصراع الوطني والنضال ضد الاحتلال. فتحت الاحتلال لا يمكن للشاب ان يحمل «قادة الثورة» مسؤولية مآسيه وازماته الاقتصادية والمعيشية. سيبدو ذلك مضحكا.
بغض النظر، نتمنى ان تحرك تلك الانتفاضات العفوية للشبان التوانسة والجزائريين وجدان الحكام العرب وتنبههم الى الخطر الذي يحدق في «استقرارهم» الواهم، علهم يتذكرون ان هناك من يتألم من الجوع ويكابد الأمرين بسبب البطالة والفقر والفساد.
كاتب سوري
الراي