الثورة اللا إسلامية
نادر قريط
نم قرير العين يا أبا القاسم، فشعب تونس أزاح “إذا” وأراد الحياة، وأرّغم القدر. وكسر حاجز الصمت والخوف ودقّ باب الحرية بيد مضرجة. فرحل الطاغية.
تونس حررت نفسها ورفعت صورة تشي غيفارا، فالثورة لم تعد تختبئ في غابات بوليفيا، بل أصبحت تتقدم بالصدور العارية المشرّعة للرصاص.
من سيدي بو زيد والقصرين وتالا وصفاقص وبنزرت وتونس العاصمة ونابل إلى قابس في أقصى الجنوب. سمعنا صوتا واحدا، لطرد الجنرال، الذي قال له بورقيبه في أحد الإجتماعات يوم كان قائدا للأمن: “اسكت يا بهيم يا بتاع البوليس”
. لكن البهيم خلعه وامتطى السلطة، فقد سبق طبخه وإعداده في أقبية المخابرات الغربية، يوم كان سفيرا في وارشو.
في مقال رائع يقول فريد العليبي: إن سيدي بوزيد كانت أكاديمية “أولاد الحفيانة” أي أولاد حافية القدمين، التي خرجّت ثلثي أبطال الإستقلال عام 1956 الذين عبّدوا الطريق بمئات الضحايا .. بورقيبه هو من أطلق على سكانها لقب “أولاد الحفيانة” إعترافا منه بشجاعتهم ودورهم في طرد فرنسا، ثم مالبث أن انقلب عليهم ونصح “بعدم إشباعهم وعدم تجويعهم، ففي الحالتين لا يمكن تجنب ثوراتهم”
في سيدي بوزيد أشعل محمد بوعزيزي بجسده ثورة الخبز والحرية. كأول ثورة مدنية حقيقية في عالمنا العربي.. لأول مرة رأينا حشودا تُلخص الثورة الفرنسية (حرية عدالة مساواة)
هذه المرة لم نر صورا ملتحية ترفع شعار”القرآن والسيف” لإقامة الخلافة، ولم نر كهنة يرفعون صلبانا للمطالبة بترميم كنيسة، أو إعادة زوجة هاربة لزوجها العنين، ولم نر لحى المرجعيات وأكفان القرون الوسطى، وركضة طويريج
ما رأيناه كان ثورة
في معادلتك الشعرية الفذّة يا أبا القاسم، وضعت الشعبً والقدر وجها لوجه، فكسبت الرهان لأنك تدري بأن تونس “شعب” تجمعه اللغة والدين والأرض والمذهب، ويوحده حلم العيش الكريم ومدوّنة الأحوال الشخصية والمدنية، التي جعلت المرأة صنو الرجل، فإنتصبت محمولة على أعناق الرجال، ورجمت مليشيات الطاغية، وضمّدت الجرحى.
أما في مشرقنا العربي فواحسرتاه ليس لدينا شعوب؟ لقد كنّا في الماضي، أما اليوم فنحلم على أريكة الديوان الشرقي، لقد أصبحنا بعون الله والبترودولار والطغاة، قبائلا وشيعا ونحلا ومذاهبا وفرق موت وحثالات، وفقهاء نبحث عن العصر الباليوليتي وعصماء بنت مروان لنهرب من واقعنا، فما أوسخنا (مع الإعتذار لمظفر النواب)
في تونس بدأت ثورة مسلحة بالمدنية والبنطلون والأمل، فالجلابيب وأكياس النقاب، عقبة في المشي، ولا تصّلح للكر والفر.
تحية كبرى لدماء الضحايا الزكية، ولشباب تونس وللأمهات التي حملتهم وأرضعتهم