مفضلا عليها الطقس وأخبار ما قبل التاريخ.. الإعلام السوري يتجاهل السبق “الصحفي” التونسي
خالد الاختيار
انعكست برودة الطقس في العاصمة السورية دمشق صباح اليوم على طريقة تعاطي الإعلام السوري الرسمي وشبه الرسمي مع الحدث الأكثر سخونة في الساعات الماضية وهو فرار الرئيس التونسي “زين العابدين بن علي” إلى السعودية بعد تصاعد الضغط الشعبي المطالب بتنحيه.
وطالعت صحيفة “تشرين” الحكومية الصادرة وحدها من بين الجرائد اليومية السورية، باعتبار السبت يوم عطلة رسمية، قراءها بخبر يتيم عن تونس حمل عنوان “إعلان حالة الطوارئ في تونس.. بن علي يغادر والغنوشي يعلن توليه صلاحيات الرئاسة مؤقتاً”، معتمدة بشكل رئيسي على أنباء “التلفزة” و”وكالة الأنباء التونسية”. فيما تجاهلت “سميرة مسالمة” رئيسة تحرير الصحيفة، وهي أول سيدة تعين في هذا المنصب، الخبر العربي الأبرز وفضلت في افتتاحيتها توجيه الانتقاد لدور الاتحاد الأوروبي، المنقاد وراء واشنطن، تجاه قضايا المنطقة، متجنبة التعليق في السياق على موقف الرئيس الفرنسي “نيكولا ساركوزي” الذي أحجم بالأمس عن منح اللجوء للرئيس التونسي الهارب.
وفيما ظل موقع صحيفة “الوطن” شبه الرسمية بدون تحديث منذ يوم الخميس الماضي، تناول موقع “الوطن أون لاين” التابع للصحيفة ذاتها الخبر التونسي نقلا وتحريرا عن موقع القناة الإخبارية القطرية “الجزيرة”. وتصدر عنوان الموقع “الغنوشي يتسلم رئاسة تونس بعد عجز بن علي” صورة كبيرة من الأرشيف لـ”بن علي”، دون أية لقطات للمظاهرات “العارمة” التي عمت الجمهورية التونسية وفق الموقع ذاته. وكان لافتا أن الأخبار التي صنفها محرر الموقع على أنها مواضيع ذات صلة بـ”الاحتجاجات الشعبية” حملت العناوين التالية: “الأسد: سورية مهتمة بتعزيز العلاقات مع موريتانيا”، “فوز كاسح لزين العابدين بن علي وحزبه في انتخابات تونس”، “تونس تجدد العهد لرئيسها خمس سنوات قادمة”!
أما موقعا “شام برس” و”سوريا الغد” شبه الرسميين، فقد وضع أولهما الخبر التونسي في أسفل عناوين قسمه السياسي هذا الصباح، فيما خلت افتتاحيات الثاني، ليس اليوم فحسب، من أي إشارة من قريب أو بعيد للنبأ الإقليمي الأكثر إلحاحا، وشذ ّ موقع “سيريا نيوز”، المقرب بدوره من السلطات، بخبر مفصل على صدر صفحته الأولى تحت عنوان “تونس: الاحتجاجات الشعبية تُطيح بـ(زين العابدين) وتجبره على مغادرة البلاد”، بل ووصف محرر الموقع “بن علي” بـ”الرئيس التونسي المخلوع”.
ووضع موقع “الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون” في سوريا خبر “مغادرة الرئيس زين العابدين” في صدر صفحة أنباءه الرئيسية، جنبا إلى جنب مع خبري “أردوغان: سننسق مع سورية ودول ذات علاقة لحل أزمة لبنان”، و”الأبرش يبحث مع تشن تشيلي علاقات التعاون الثنائية”، متجاوزا تجاهل التلفزيون السوري الرسمي نهار أمس مواكبة الحدث بما هو أهله من الأخبار العاجلة التي تقاطرت على السوريين، الذين لم ينتظروا “غيث” قناتهم الرسمية بحسب تعليق لأحدهم، بل سارعوا إلى متابعة الأخبار على قنوات أخرى ليست بالضرورة إخبارية محضة. بيد أن الباحث عن مزيد من الأنباء المتعلقة بالموضوع على موقع “الهيئة” سيفاجئ بأن نتيجة البحث لن تأتي بأي خبر إضافي آخر، لكنه –موقع الهيئة- يبقى “أفضل” من موقع “وزارة الإعلام” السورية التي تجاهلت النبأ كليا، وخلا موقعها من أدنى إشارة للخبر.
وعلى خطى موقع “وزارة الإعلام” التي تراجعت مؤخرا عن فصل المئات من العاملين في تلفزيونها الرسمي، تأخرت “وكالة الأنباء السورية – سانا” ،كعادتها، في نشر خبر فرار الرئيس التونسي “بن علي” من البلاد، واختزلته في سطر واحد قالت فيه “وذكرت وكالات الأنباء أن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي قد غادر تونس”، فيما خلا الخبر الذي بثته على موقعها الالكتروني الرسمي من أي إشارة إلى المظاهرات التي عمت المدن التونسية أمس، واكتفى المحرر السياسي في وكالة الأنباء الوطنية الوحيدة في سوريا بموجب القوانين السارية إلى تبني وجهة نظر الرسمية للنظام التونسي، فوصفت “سانا” الاحتجاجات الشعبية في تونس بأنها “أعمال شغب”.
وسبق الخبر التونسي الذي شغل وكالات الأنباء العربية والعالمية في صفحة “سانا” أنباء أخرى عن تنشيط “دوريات مراقبة الأسعار” و”حالة الطقس المحلية”، وجاءت أهمية إعلان رئيس الوزراء التونسي توليه الرئاسة مؤقتا في العاصمة التونسية إثر لجوء “زين العابدين بن علي” إلى السعودية بنظر إدارة “سانا” متقدمة درجة واحدة على محاضرة تناولت “الأدوات الحجرية في عصور ما قبل التاريخ”، فيما انشغلت زاوية “الأحداث في صور” على موقع “سانا” ذاته بتكرار ثلاث لقطات رتيبة لنشاط مسرحي وآخر موسيقي وحادث سير!
غير أن الخبر الرئيسي الثابت على شريط الأنباء الدوار على صفحة “سانا” فقد كان برأي مراقبين “لا يخلو من دلالة”، وجاء تحت عنوان “الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بإحداث الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية..حماية الأفراد والأسر ورعايتها ..تقديم معونات للفئات الفقيرة والهشة وتمكين المستفيدين اقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً”.
“الناجي” الوحيد من هذا التقصير الإخباري والإعلامي الرسمي “الفاحش” برأي مراقبين لم يكن صحيفتا “البعث” و”الثورة” اللتان تزامنت إجازتهما الأسبوعية مع وقوع هذه “القصة الإخبارية الفريدة”، إذ لا يتوقع لهما أحد أن “تشذا” عما أتت به “شقيقتهما التوأم تشرين”، وإنما كان في واقع الحال “القناة الإخبارية السورية” التي باشرت “تجريبها” الإخباري باسم “المجتمع العربي السوري”، وبتمويل “منه”. فحدث كهذا ينظر محللون إليه على أنه كان قاب قوسين أو أدنى من أن يشكل “أعسر امتحان يمكن لهذه القناة الوليدة أن تخوضه”، وهي”المشكوك سلفا في هويتها واستراتيجيتها بحكم المنشأ”. لكن “متفائلين إعلاميين” آخرين يأملون أن يتكرر “اندلاع” أحداث من هذا النوع مستقبلا، أقله لـ”الاطمئنان” على أن “بوصلتنا الإعلامية المحلية” لازالت تعمل.
كلنا شركاء