كيف قضى الطغاة ليلة الجمعة؟
عماد الدين حسين
سقط طاغية.. فليت كل الطغاة يتعظون، هرب زين العابدين بن على من تونس بعد 23 عاما من الحكم الفردى المطلق.. وفساد عائلة حاكمة ظنت أنها امتلكت تونس وشعبها من دون حسيب أو رقيب.
لو أن الظلمة والفجرة يقرأون التاريخ ويتأملون الحوادث، لو أنهم فكروا أن الخلود لله فقط.. لو فعلوا ذلك ما أصبحوا طغاة أو مستبدين.
عندما سمعت وشاهدت خبر هروب بن على تمنيت أن أعرف كيف استقبل كل الحكام المستبدين فى العالم هذا الخبر؟.
كيف عاشوا ليلتهم.. هل عرف النوم طريقا إلى عيونهم.. هل سألوا أنفسهم أن هذا «الفيروس التونسى» يمكن أن يصيبهم ويضرب جهاز مناعتهم الذين يظنون أنه حصين؟!.
هل فكر أحدهم أو بعضهم فى التوبة والخروج إلى شعبه وطلب العفو والاعتذار عن جرائمهم السابقة أو حتى عن مجرد أخطائهم؟!.
هل استمعوا جيدا لخطاب بن على يوم الخميس وهو يبكى ويرتعد ويتسول الصفح والغفران من شعبه؟!.
هل قرروا بعد الاستماع إلى الخطاب جمع «المعاونين والمستشارين المضللين»، ومحاكمتهم بتهمة الفساد وتقديم معلومات مغلوطة إليهم؟!.
هل فكروا فى تغيير سياستهم الإجرامية بعد أن شاهدوا طائرة بن على حائرة وتائهة فى أجواء العالم تبحث عن مطار تهبط فيه من دون جدوى إلى أن قبلت السلطات السعودية أن يهبط فى جدة لأسباب «إنسانية».
هل اتعظ هؤلاء الحكام وهم يرون زعماء أوروبا يتخلون عن الرئيس التونسى بين عشية وضحاها رغم كل ما قدمه لهم من خدمات؟.
حتى مساء الخميس كانت فرنسا.. الدولة الأكثر نفوذا فى تونس ــ تحمى بن على لكنها غيرت رأيها فورا واعتبرته ورقة محروقة لأنها لا تريد خسارة تونس للأبد.
مأساة الحكام المستبدين أنهم يخلطون بين ذواتهم وبلدانهم.. يعتقدون أن زعماء أوروبا والعالم يرون فيهم حكماء فعلا.. لا يفكرون أن هؤلاء القادة لا يشغلهم إلا مصالح بلدانهم.
لو كنت مكان أى حاكم ظالم.. لفكرت ملايين المرات فيما حدث فى تونس خلال الأسبوع الماضى.
فى الماضى كانت الثورات والانقلابات والانتفاضات والهبَّات والاحتجاجات والمظاهرات تتم دون أن يشعر بها أحد.. لكن إحدى المزايا الكثيرة لثورة الاتصالات وتنوع وتعدد الفضائيات، أن العالم صار مفتوحا.. وحبس الشعب وراء جدران الصمت ولَّى وانتهى إلى غير رجعة.
تابعنا جميعا تطورات الانتفاضة الشعبية فى تونس لحظة بلحظة…كنا نعرف ما يحدث فى مدن وقرى تونس فى اللحظة نفسها بفضل الانترنت واليوتيوب والهواتف المحمولة.
صار ممكنا ما يمكن تسميته بعدوى انتقال الحالة من مكان إلى مكان، وتأثر شعب بما حدث عند شعب آخر، ولعل ما حدث فى الجزائر بعد تونس خير دليل على ذلك وقبلها التاثر بين أوكرانيا وجورجيا مع الفرق بين الحالتين.
الدروس المستفادة من الهبَّة الشعبية التونسية كثيرة جدا، وسيتحدث عنها الجميع لأيام وأسابيع وشهور قادمة.
أحد هذه الدروس المهمة لكل الشعوب أن أى نظام ومهما كان مستبدا ومتجبرا وظالما يمكن أن ينهار ويسقط ويتبخر فى لمح البصر، إذا قرر الناس ذلك.
إذا كانوا مستعدين لدفع ثمن التغيير. أراده شعب حى و50 شهيدا أنهت نظاما ديكتاتوريا فى أقل من أسبوع.